10 نوفمبر 2024
الإسلاميون وآفة "السذاجة"
استدرج النائب الأردني، طارق خوري، نواباً من أعضاء كتلة جبهة العمل الإسلامي (الإخوان المسلمين) في مجلس النواب الأردني، الأسبوع الماضي، إلى "فخّ" مكشوف، عندما تعرّض، في كلمته، للرئيس المصري السابق، محمد مرسي، بصورة عرضيةٍ، فثارت ثائرة الإسلاميين، ودخلوا في مشاحناتٍ مع نوابٍ آخرين، وضرب أحدهم على طاولة رئيس المجلس، فتمّ اتخاذ قرار (من لجنة التأديب في المجلس) بإيقافه عن حضور الجلسات مدةً معينة.
في اليوم التالي، اشتغلت الماكينة الإعلامية الرسمية، المباشرة وغير المباشرة، على الاستثمار في حالة الغليان لدى الإسلاميين، ومقاطتعهم كلمة النائب، وطريقة احتجاجهم، لتصويرهم بأنّهم يعملون وفق أجندةٍ غير وطنية أولاً، مرتبطة بالجماعة الأمّ في القاهرة. وثانياً بأنّهم يمارسون البلطجة ضد زملائهم. وثالثاً بأنّهم غير ديمقراطيين. ورابعاً بأنّ غضبهم على موضوع مرسي تجاوز القضايا الوطنية الأخرى التي كان يجري الحديث عنها تحت القبة، ومنها وصف النائب الجيش الأردني بحراسة حدود الكيان الصهيوني، ما أحدث بلبلةً كبيرة في الشارع، ولدى الرأي العام.
ليس النائب خوري مرتبطاً بالدولة، وللفخّ الذي نصبه علاقة بصدام الأيديولوجيات والأجندات بينه وبين الإسلاميين. وكان قد اتّهمهم بأنّهم دواعش. لذلك نقول "فخّاً"، لأنّه تعمّد التحرّش بهم واستفزازهم، مثل لاعب كرة قدم يستفز الخصم ويستدرجه إلى ما يؤدي إلى طرده من الملعب، وعدم تركيزه. وهذا ما وقع مع الإسلاميين، فخدموا بخفّةٍ شديدةٍ أجندة خصومهم، وخسروا الصورة الإعلامية بجدارة.
إذا تجاوزنا ما حدث معهم تحت قبة البرلمان الأردني، وفكّرنا أكثر فيما يتجاوز ذلك، وما هو أكبر حجماً، أي التجربة المصرية، فهل يختلف الأمر؟ طبعاً، بكل تأكيد، كانت هناك ثورة مضادّة، وتحضير للانقلاب العسكري وتواطؤ دولي..إلخ. نبصم على ذلك كله بالعشرة، إلاّ أنّ العدو الأكبر للإسلاميين، بالإضافة إلى نرجسيتهم التنظيمية، كان سذاجتهم السياسية، وخفّتهم في التعامل مع تعقيدات موازين القوى على أرض الواقع، فاستدرجهم الجيش والنخبة الإعلامية والمركز البيروقراطي- الأمني في مصر إلى الفخّ بسهولة شديدة.
على الصعيد الإداري، قد يكون الإسلاميون أفضل من غيرهم بكثير، والمقصود هنا الذين يدخلون اللعبة السياسية، فجماعة الإخوان في الأردن ومصر وأحزابها، وأحزاب النهضة التونسي والعدالة والتنمية المغربي وغيرها، تمثّل طيفاً عريضاً من الطبقة الوسطة التكنوقراطية- المهنية العربية، من أساتذة الجامعات والمهندسين والأطباء والمعلمين ورجال الأعمال من الطبقة الوسطى، لكنّ مشكلتهم الكبرى، تحديداً، في المشرق العربي أنّهم لا يمتلكون النخبة المسيسة الواقعية- البراغماتية، القادرة على قراءة المعادلات الواقعية، والتعامل معها بذكاء وتجنب حقول الألغام، على النقيض من الحالة المغاربية عموماً، وتحديداً في تونس والمغرب.
رأينا كيف أنّ الإسلاميين تجنّبوا كل ما وقع فيه إسلاميو مصر، بينما التزم أشقاؤهم في المغرب بالمسار البراغماتي إلى أبعد مدى، فلم يتركوا مجالاً لخصومهم للنيْل منهم، على الرغم من كل الجهود المبذولة، وخصوصاً في الانتخابات الأخيرة، لإسقاطهم والإيقاع بهم.
ربما من الجدير دراسة فيما إذا كان الفصل بين الدعوي والسياسي، والالتزام بأحزاب سياسية محترفة، قد ساعد الإسلاميين المغاربة (عكس المشارقة) على تطوير قدراتهم السياسية وخطابهم، بينما بقي الإسلاميون المشارقة حبيسي الدوران حول الذات والصراعات الداخلية، والوقوع المتكرّر في أخطاء غير منطقية.
الطريف في الأمر أنّ التخبط الإسلامي في مجلس النواب تزامن مع تخبط أخطر وأسوأ في موقفهم من الدولة المدنية، إذ كان أحد قيادات حزب جبهة العمل الإسلامي قد صرّح إنّ الحزب لم يتفق على أنّ الدولة المدنية من الإسلام، قبل أن يصدروا، في اليوم التالي، تصريحاً يقولون فيه إنّهم يقبلون الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية، ليكرّروا الأخطاء نفسها التي وقع فيها أشقاؤهم المصريون، ويقعوا فريسةً سهلةً لخصومهم الذين اتهموهم بازدواجية الخطاب وعدم الوضوح.
لا تؤشر الاختبارات الأولية للإسلاميين الأردنيين، بعد عودتهم إلى "اللعبة السياسية"، على نضج كافٍ ولا استفادة من دروس المرحلة السابقة، وما يحدث حولهم، وربما خروج القيادات الحكيمة والتاريخية مع الانشقاقات التي أخرجت قيادات الجناح المعتدل من الجماعة هي ما يفسّر هذا الأداء الباهت إلى الآن.
في اليوم التالي، اشتغلت الماكينة الإعلامية الرسمية، المباشرة وغير المباشرة، على الاستثمار في حالة الغليان لدى الإسلاميين، ومقاطتعهم كلمة النائب، وطريقة احتجاجهم، لتصويرهم بأنّهم يعملون وفق أجندةٍ غير وطنية أولاً، مرتبطة بالجماعة الأمّ في القاهرة. وثانياً بأنّهم يمارسون البلطجة ضد زملائهم. وثالثاً بأنّهم غير ديمقراطيين. ورابعاً بأنّ غضبهم على موضوع مرسي تجاوز القضايا الوطنية الأخرى التي كان يجري الحديث عنها تحت القبة، ومنها وصف النائب الجيش الأردني بحراسة حدود الكيان الصهيوني، ما أحدث بلبلةً كبيرة في الشارع، ولدى الرأي العام.
ليس النائب خوري مرتبطاً بالدولة، وللفخّ الذي نصبه علاقة بصدام الأيديولوجيات والأجندات بينه وبين الإسلاميين. وكان قد اتّهمهم بأنّهم دواعش. لذلك نقول "فخّاً"، لأنّه تعمّد التحرّش بهم واستفزازهم، مثل لاعب كرة قدم يستفز الخصم ويستدرجه إلى ما يؤدي إلى طرده من الملعب، وعدم تركيزه. وهذا ما وقع مع الإسلاميين، فخدموا بخفّةٍ شديدةٍ أجندة خصومهم، وخسروا الصورة الإعلامية بجدارة.
إذا تجاوزنا ما حدث معهم تحت قبة البرلمان الأردني، وفكّرنا أكثر فيما يتجاوز ذلك، وما هو أكبر حجماً، أي التجربة المصرية، فهل يختلف الأمر؟ طبعاً، بكل تأكيد، كانت هناك ثورة مضادّة، وتحضير للانقلاب العسكري وتواطؤ دولي..إلخ. نبصم على ذلك كله بالعشرة، إلاّ أنّ العدو الأكبر للإسلاميين، بالإضافة إلى نرجسيتهم التنظيمية، كان سذاجتهم السياسية، وخفّتهم في التعامل مع تعقيدات موازين القوى على أرض الواقع، فاستدرجهم الجيش والنخبة الإعلامية والمركز البيروقراطي- الأمني في مصر إلى الفخّ بسهولة شديدة.
على الصعيد الإداري، قد يكون الإسلاميون أفضل من غيرهم بكثير، والمقصود هنا الذين يدخلون اللعبة السياسية، فجماعة الإخوان في الأردن ومصر وأحزابها، وأحزاب النهضة التونسي والعدالة والتنمية المغربي وغيرها، تمثّل طيفاً عريضاً من الطبقة الوسطة التكنوقراطية- المهنية العربية، من أساتذة الجامعات والمهندسين والأطباء والمعلمين ورجال الأعمال من الطبقة الوسطى، لكنّ مشكلتهم الكبرى، تحديداً، في المشرق العربي أنّهم لا يمتلكون النخبة المسيسة الواقعية- البراغماتية، القادرة على قراءة المعادلات الواقعية، والتعامل معها بذكاء وتجنب حقول الألغام، على النقيض من الحالة المغاربية عموماً، وتحديداً في تونس والمغرب.
رأينا كيف أنّ الإسلاميين تجنّبوا كل ما وقع فيه إسلاميو مصر، بينما التزم أشقاؤهم في المغرب بالمسار البراغماتي إلى أبعد مدى، فلم يتركوا مجالاً لخصومهم للنيْل منهم، على الرغم من كل الجهود المبذولة، وخصوصاً في الانتخابات الأخيرة، لإسقاطهم والإيقاع بهم.
ربما من الجدير دراسة فيما إذا كان الفصل بين الدعوي والسياسي، والالتزام بأحزاب سياسية محترفة، قد ساعد الإسلاميين المغاربة (عكس المشارقة) على تطوير قدراتهم السياسية وخطابهم، بينما بقي الإسلاميون المشارقة حبيسي الدوران حول الذات والصراعات الداخلية، والوقوع المتكرّر في أخطاء غير منطقية.
الطريف في الأمر أنّ التخبط الإسلامي في مجلس النواب تزامن مع تخبط أخطر وأسوأ في موقفهم من الدولة المدنية، إذ كان أحد قيادات حزب جبهة العمل الإسلامي قد صرّح إنّ الحزب لم يتفق على أنّ الدولة المدنية من الإسلام، قبل أن يصدروا، في اليوم التالي، تصريحاً يقولون فيه إنّهم يقبلون الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية، ليكرّروا الأخطاء نفسها التي وقع فيها أشقاؤهم المصريون، ويقعوا فريسةً سهلةً لخصومهم الذين اتهموهم بازدواجية الخطاب وعدم الوضوح.
لا تؤشر الاختبارات الأولية للإسلاميين الأردنيين، بعد عودتهم إلى "اللعبة السياسية"، على نضج كافٍ ولا استفادة من دروس المرحلة السابقة، وما يحدث حولهم، وربما خروج القيادات الحكيمة والتاريخية مع الانشقاقات التي أخرجت قيادات الجناح المعتدل من الجماعة هي ما يفسّر هذا الأداء الباهت إلى الآن.