الأمم المراهقة

23 أكتوبر 2015
+ الخط -
تقسم الأدبيات السياسية الأمم إلى أمم عظمى وأمم صغيرة، قوية ونامية، هرمة وفتية، وهناك تقسيمات أخرى على أساس العرق أو الدين (أو تغييبهما، أو مزيج بينهما).
ومن بين الأمم وتصنيفاتها المختلفة والمتنوعة، لا بد أن لهذه المنطقة العربية التي ننتمي إليها تعريفاً خاصاً لا يشبه أي تصنيفات أخرى لأمم الأرض، ولا يصلح للمقارنة مع أحد آخر.
صحيح أن العالم يصنفنا، أولاً، أمة إسلامية، وهي هوية تعني دين الأغلبية في هذه البقعة من العالم، لكنها ليست كافية لتعريفنا أمة أو كأمم، فالاقتصاد والتركيبة الاجتماعية والتوجهات السياسية وغيرها لا تتحدد على أساس الدين.
ووفق أقرب التقسيمات المعتمدة والمتداولة، يمكن تصنيفنا أمة مراهقة، فدولنا العربية وتركيبتها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية أقرب ما تكون إلى مواصفات المراهق، بكل ما فيها.
ردات فعلنا غاضبة، وأفعالنا غير متوقعة، خطتنا للحياة مضطربة، وقابلة للتغيير كل يوم، لا نعرف ما نريد، ولا نستطيع البقاء في مكان واحد، أو على موقف واحد.
إذا أردنا أن نعبر عن غضبنا من حكامنا، انفجرنا كأي مراهق، وبدأنا ضرب رؤوسنا بالجدار. وإذا أردنا أن نخطط لاقتصاداتنا، تردّدنا مئات المرات، فنقرر أن نكون مزارعين بل صنّاعاً، أو نكتفي باستخراج ثروتنا الباطنية والإنفاق منها (كمصروف تركه لنا الأسبقون)، وإذا أردنا أن نلعب لعبة السياسة، غلبتنا ردود أفعالنا، وأمزجتنا المضطربة، وأخذنا مواقف تجرّ شعوبنا وأوطاننا إلى أسوأ المهالك (كما جرى في سورية وليبيا).
ننظر شرقاً ونذهب غرباً، لا تعجبنا القوانين ولا سلطة الأهل، نريد امتلاك أشياء لا تفيدنا، ونتخلى عن أشياء سنحتاجها لبقية حياتنا، ندمر ألعابنا ونمزق كتبنا. أجسامنا بدأت بالنمو، وصار الكبار يسمحون لنا بالجلوس معهم، ومشاركتهم أحاديثهم واهتماماتهم. لكن، ما زال لدينا ميل للعب وللهو، وحين نريد أن نفعل ذلك، نفعله بأقل قدر من الحرص والإحساس بالمسؤولية، ما زالت لدينا رغبة الصغار باللهو من دون حساب العواقب، لكننا امتلكنا قدرة الكبار البدنية. وبذلك، صار لدينا هذا الخليط الخطر.
نذهب في كل شيء إلى حده الأقصى، فإذا أردنا أن نمارس إيماننا بالله، أسسنا خلافةً، وبدأنا ذبح الآخرين بالسواطير، وإذا ما امتلكنا لعبةً ما (كرسي حكم مثلاً) ندمر العالم، كي لا نفقدها، وندمرها هي نفسها في طريقنا. نريد أن نكبر ونقوم بأفعال الكبار، لكننا نريد، في الوقت نفسه، أن نبقى صغاراً، وأن يكون هناك راشدون يصححون أخطاءنا، ويرممون حطام حياتنا، وهذا ما نفعله حين نستدعي الكبار إلى بلادنا، ليلملموا بقاياها، (وهذا ما يجري في غير دولة من منطقتنا المراهقة).
مرحلة المراهقة في حياة الانسان قد تمتد سنتين أو ثلاثاً (أو أكثر قليلاً في بعض الحالات) لكنها في حياة الأمم والشعوب قد تمتد عقوداً، وهي كذلك مرحلة حرجة وصعبة، وقد تشهد أفعالاً وتصرفات مدمرة، تترك أثرها على باقي حياة الإنسان، فكم من رجل نراه، وفي جبينه أثر لجرح غائر، تسببت به قفزة غير محسوبة في عمر المراهقة، أو ضربة سكين من مشاجرةٍ، لسبب سخيف في سن الغضب تلك. الأمم كذلك ستحتفظ بجروحها وندوبها التي تسببت بها مرحلة مراهقتها، كالتي نعيشها الآن، وما زالت جراحها طريةً في جبهات أوطاننا. وما زلنا نتسبب بها، بسبب طيشنا وعدم نضجنا، وطيش من يحكمون بلداننا.
تقول دراسات حديثة إن الاضطرابات التي يعانيها المراهق، في هذه المرحلة الحرجة والحساسة من حياته، ليس منشؤها الاضطراب الهرموني الناشئ عن دخول مرحلة البلوغ، كما كان يعتقد، بل السبب الأساسي نمو الدماغ بشكل غير متوازن، حيث تنمو أجزاء قبل أخرى، ما يتسبب بتشويه الطريقة التي يرى بها المراهق نفسه والعالم.
بهذا المعنى، نحن أمة مراهقة بالفعل، فقد نمت بعض أجزاء حياتنا، كمجتمعات، قبل أجزاء أخرى، فصرنا نستخدم أحدث وسائل التكنولوجيا في بيئة اجتماعية، تنتمي إلى قرون مضت، وتطورت اقتصادات بلداننا، من دون أن تتطور سياساتها، فصار لديها أسواق للبورصة، وشركات وأسهم واستثمارات، من دون أن يكون لديها برلمانات وانتخابات وأحزاب.

A78EE536-6120-47B0-B892-5D3084701D47
علا عباس

كاتبة وإعلامية سورية