فرنسا الترامبية

08 ابريل 2017

ماريان لوبان.. هل تصل إلى رئاسة فرنسا؟ (3/4/2017/Getty)

+ الخط -
مع بدء العد العكسي لموعد الانتخابات الفرنسية، المقررة في 23 أبريل/ نيسان، يزداد المشهد غموضاً، ويصبح أعتى المحللين والعارفين بدهاليز السياسة الفرنسية عاجزين عن توقع الخطوة التالية. ويقول العارفون ببنية المجتمع الفرنسي وتقلبات توجهاته إن هذه الانتخابات عصية على التنبؤ، وإن ما سيجري في دورتيها، الأولى في 23 أبريل/ نيسان والثانية في 7 مايو/ أيار، سيكون أشبه بضربات جزاء ترجيحية في مباراة كرة قدم، حيث لن نعرف النتيجة، حتى تسديد آخر واحدةٍ من الضربات العشر. 

صحيح أن استطلاعات الرأي تعطي الأفضلية حتى اللحظة لإيمانويل ماكرون، الوزير السابق في حكومة الرئيس الحالي، فرانسوا هولاند، ومؤسس حزب "إلى الأمام"، أحدث الأحزاب على الساحة السياسية الفرنسية، لكن هذه الأفضلية لا تعطيه أكثر من 26 % من أصوات الناخبين، وهي نسبة قد تكون كافيةً ليحتل المركز الأول في الدورة الأولى، لكنها لا تعني شيئاً بالنسبة للدورة الثانية التي ستبقى مفتوحة لكل الاحتمالات.
وتعطي الاستطلاعات نفسها مرشحة اليمين المتطرّف، ماري لوبان، المرتبة الثانية بفارق نقطتين إلى أربع نقاط عن ماكرون الذي ازدادت حظوظه، بعد إثارة قضية الوظائف الوهمية التي أطاحت مرشح يمين الوسط، فرانسوا فيون، ودفعت 70% من الفرنسيين (بحسب استطلاعات الرأي) للمطالبة بانسحابه من السباق الرئاسي، ودفعت فرنسيا واحدا على الأقل إلى ضربه بالبيض في أثناء لقاء انتخابي.
مشكلة الانتخابات الحالية في فرنسا عدم وجود مرشحين أقوياء، وعدم وجود برامج انتخابية
تمثل شرائح واسعة، فالملفات التي تهم الرأي العام الفرنسي كثيرة، والموقف منها هو ما يحدّد شعبية هذا المرشح أو ذاك، وترتيب الأولويات بالنسبة للناخبين لا يتطابق، بالضرورة، مع أولويات المرشحين والأحزاب الرئيسية، فالموقف من الاتحاد الأوروبي يتقدّم على الموقف من اللاجئين لدى شريحةٍ من الناخبين، فيما تتقدم الملفات الاقتصادية على باقي الملفات بالنسبة لشريحةٍ أخرى، وهكذا، استمر المشهد بالتشتت، حتى اقترب موعد الانتخابات وبقي أمامه أقل من شهر، و60% من الناخبين لم يحسموا قرارهم بعد، ولم يجدوا في كل المرشحين، وكل البرامج المعروضة أمامهم، ما يلبي تطلعاتهم، ويعبر عن توجهاتهم، وعن رؤيتهم مستقبل بلادهم للسنوات المقبلة.
بدأ الاضطراب في هذه الانتخابات منذ بدايات التحضير لها، حيث أعلن الرئيس فرانسوا هولاند عدم نيته الترشح، بناء على استطلاعات الرأي التي أشارت إلى عدم وجود أي فرصة له للفوز، فانسحب، ليفسح المجال لرئيس حكومته السابق، مانويل فالس، والذي أطاحه أعضاء حزبه في الانتخابات التمهيدية، وكذلك إقصاء المرشحين القويين، آلان جوبيه والرئيس السابق نيكولا ساركوزي، في الانتخابات التمهيدية. عندها بدا أن فيون هو المرشح القوي الذي سيدخل الإليزيه، وبدأت وسائل الإعلام الفرنسية تتعامل معه على أنه ترودو فرنسا (جاستين ترودو رئيس وزراء كندا صاحب الشعبية الكبيرة عالميا) لكن إثارة قضية الوظيفة الوهمية التي أسندها إلى زوجته، حين كان نائباً كبرت وتوسعت، وأطاحت طموحاته للوصول إلى الإليزيه.
في انتخابات سابقة، حدثت مفاجآت كثيرة، وقد فشلت استطلاعات الرأي في توقع المرشحين اللذين سيصلان إلى الدورة الثانية في انتخابات العامين 2002 و1995، ففي الأولى نال جان ماري لوبان زعيم اليمين المتطرف 20% من أصوات الناخبين، في حين كانت استطلاعات الرأي تتوقع حصوله على نسبةٍ مهملةٍ من أصوات الناخبين. وفي الثانية فاز جاك شيراك بالانتخابات، حين كانت الاستطلاعات تتوقع حصوله على 5% من الأصوات، وكانت تتوقع انحصار المنافسة في الدورة الثانية بين ليونيل جوسبان وإدوار بالادور.
لكن الانتخابات، هذه المرة، ستكون أكثر اضطرابا وتشتتا، و60% من الناخبين الذين لم يحسموا قراراتهم بعد، يقول نصفهم إنهم لن يشاركوا في الانتخابات على الأرجح، ما يزيد من فرصة فوز لوبان مرشحة اليمين المتطرّف التي بات من شبه المؤكد أنها ستحتل المرتبة الثانية، وبالتالي ستصل إلى الدورة الثانية المفتوحة على كل الاحتمالات.
وعلى الرغم من أن البرنامج الانتخابي للمرشحة اليمينية يثير لغطاً كبيرا، خصوصا في موقفها المتشدّد من الهجرة الشرعية وغير الشرعية، وموقفها السلبي من الاتحاد الأوروبي، لكن هذا الفراغ في لائحة المرشحين سيعطيها فرصةً جديةً قد تحرف مسار السياسة الفرنسية، وتذهب بفرنسا إلى المجهول، أو إلى ما أسمته إحدى الصحف "فرنسا الترامبية".
A78EE536-6120-47B0-B892-5D3084701D47
علا عباس

كاتبة وإعلامية سورية