الألمان ينتخبون برلمانهم الـ19 غداً: ميل لبقاء ميركل وترقب لنتائج اليمين الشعبوي
يتوجه الناخبون الألمان، الأحد، إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم لانتخاب برلمان (بوندستاغ) جديد للبلاد، سيكون له الدور الأساس في رسم سياسة الدولة لأربع سنوات مقبلة وانتخاب المستشار وتشريع القوانين ومراقبة عمل الحكومة وأدائها.
يتنافس على مقاعد "البوندستاغ" التاسع عشر، 42 حزباً. ومن المتوقع أن تشهد الانتخابات التي يحق لـ61،5 مليون ناخب ألماني الإدلاء بأصواتهم فيها، نسبة مشاركة مرتفعة في ظل توقعات لاستطلاعات الرأي ترجح فوز الحزب "الليبرالي الحر" بما يقارب 10 في المائة، وبالتالي عودته في هذه الدورة الانتخابية إلى البرلمان الاتحادي مع الوافد الجديد، حزب "البديل من أجل ألمانيا"، اليميني الشعبوي، بحوالى 9 في المائة، إضافة إلى القوى الممثلة حالياً ومنها "الاتحاد المسيحي الديمقراطي" الذي رشح لولاية رابعة المستشارة الحالية، أنجيلا ميركل، والذي من المتوقع أن يحصل على 36 في المائة من الأصوات، مقابل 23 في المائة للحزب "الاشتراكي الديمقراطي" بزعامة مرشحه على منصب المستشار مارتن شولتز. كما يحظى أيضاً حزب "اليسار" بنسبة 9 في المائة، و"الخضر" بنسبة 8 في المائة، وبالتالي لا يُتوقع أي خرق للأحزاب الأخرى المشاركة كون النظام الانتخابي يفرض عليها تجاوز نسبة الخمسة في المائة لدخول "البوندستاغ". وتشير هذه التوقعات إلى أن ميركل هي الأوفر حظاً للفوز، والبقاء بالتالي في منصب المستشارة لولاية رابعة.
أعلن مدير الانتخابات الاتحادية، ديتر سارايتر، أن هناك 4828 مرشحاً للانتخابات البرلمانية العامة، أغلبيتهم من رجال الأعمال والقانون والإدارة والخدمات الصحية والاجتماعية والتعليم، فيما هناك 348 من الطلاب والمتدربين المهنيين. وبيّن أن هناك 61،5 مليون ناخب يحق لهم التصويت بينهم 31،7 مليون رجل و29،8 مليون امرأة، بزيادة 3 ملايين ناخب عن انتخابات عام 2013. ويمثل من هم بين 30 و59 عاماً ما يقارب نصف الناخبين. ومن بين المرشحين 1400 امرأة معظمهن من حزب "الخضر"، أي 29 في المائة من نسبة النساء المرشحات. ويبلغ عمر أصغر المرشحين 18 عاماً وأكبرهم 89 عاماً.
ولفت سارايتر إلى أنها المرة الأولى التي يشارك فيها 42 حزباً في الانتخابات منذ إعادة توحيد البلاد، 16 منها تشارك للمرة الأولى في الانتخابات، بينها 7 أحزاب تأسست خلال العامين الأخيرين، منها "تحالف الديمقراطيين الألمان" و"حزب لجميع الأجيال" و"هيب هوب" و"حزب التغيير" و"حزب المستأجر" و"حزب النباتيين". وتشير التوقعات إلى أن تكلفة الانتخابات ستبلغ 92 مليون يورو، وستقوم بتسديدها السلطات الاتحادية للولايات، والتي يستفيد منها عادةً، الألاف من المساعدين والقيمين على العملية الانتخابية.
آلية الاقتراع والنظام الانتخابي
يدلي الناخب الألماني بصوته عن طريق الاقتراع المباشر، بوضع إشارتين على ورقة الانتخاب، أي أن للمقترع صوتين، الأول مباشر للمرشح، والثاني للحزب. فالصوت الأول يسمح بوصول 299 نائباً، أي نصف عدد النواب بطريقة مباشرة إلى "البوندستاغ" (المؤلف عادةً من 598 نائباً)، وهم الذين يحصلون على أكبر عدد من الأصوات في دائرتهم الانتخابية. والصوت الثاني يحتسب للحزب ومرشحيه الذين يحتلون مراتب متقدمة في سلم اللوائح الفدرالية، أي على مستوى الولايات. وكلما زاد عدد أصوات مرشحي الحزب في القائمة كلما أصبحت حظوظه أفضل بامتلاك كتلة أكبر في البرلمان، على أن تنضم الأسماء لاحقاً إلى لوائح اتحادية حسب حجم الولاية التي يتزعمها المرشح الأول للائحة ويشكلون النصف الثاني من أعضاء البرلمان.
ويعتبر الصوت الثاني الأهم انطلاقاً من أنه يقرر الأغلبية النيابية في بلد يعتمد نظاماً انتخابياً على الأساس التمثيلي النسبي. وترجح استطلاعات الرأي وصول ستة أحزاب إلى البرلمان بدلاً من أربعة موجودة حالياً. ونتيجة للنظام الانتخابي المعمول به في البلاد، سينتج عن ذلك كثرة تفويضات تحصل عليها الأحزاب من الصوت الثاني وعندها يتم توزيعها على القوائم الاتحادية، أي أنه تمكن الاستفادة فقط بالصوت الأول أو الثاني، وهذا ما يعقد عملية احتسابها عند فرز الأصوات. ومن الممكن أن يحصل حزب في ولاية ما على أصوات مباشرة أكثر من النسبة المئوية للصوت الثاني، وهذا ما يتطلب زيادة عدد نواب البرلمان، وهو ما اتفق عليه بين الكتل البرلمانية عام 2012. وبالتالي فإن التوقعات تشير إلى إمكانية وصول أكثر من 700 مرشح إلى برلمان 2017، علماً أن البرلمان الحالي يضم 630 نائباً، وهذا ما سيعتبر مؤشراً سلبياً للحياة البرلمانية.
توقعات بارتفاع نسبة المشاركة
وتوقع خبراء الانتخاب أن تصل نسبة المشاركة في الانتخابات العامة إلى 80 بالمائة. ولفت هؤلاء إلى أن أحد أسبابها قد يكون الرغبة بقطع الطريق على المستشارة ميركل للفوز بمنصب المستشارية لولاية رابعة. في المقابل، اعتبر آخرون أن الهدف من المشاركة الكثيفة هو محاولة إثبات عكس التوقعات التي أعطت حزب "البديل" أرقاماً مرتفعة تسمح له بحضور قوي ومعارضة نشطة في البرلمان بعد الانتخابات.
دخول اليمين الشعبوي إلى البرلمان
باتت الأحزاب التقليدية مقتنعة بحظوظ الحزب اليميني الشعبوي، "البديل من أجل ألمانيا"، المرتفعة للدخول للمرة الأولى إلى البرلمان الألماني الاتحادي. توقعات يغذيها تسجيل الحزب لحضور قوي خلال انتخابات برلمانات الولايات. فقد تمكن منذ عام 2014، من دخول 12 برلماناً محلياً. من هنا، فإن حصول "البديل" على مقاعد نيابية سيشكل حالة من "التطبيع الديمقراطي" مع اليمين الشعبوي على غرار ما هو حاصل في عدد من الدول الأوروبية الأخرى مثل فرنسا والنمسا وهولندا. وبالتالي سوف يتقلص أعداد نواب الكتل الأربعة الموجودة حالياً والمؤلفة من "الاتحاد المسيحي الديمقراطي" و"الاشتراكي الديمقراطي" و"الخضر" و"اليسار". وتشير التقديرات إلى أن خسارة هذه الكتل ستتخطى 90 نائباً.
ويتبنى "البديل" في حملته الانتخابية خطاباً يصوب فيه على الإسلام واللاجئين، معتبراً أنهم يهددون السلام في ألمانيا. ويقترح إنشاء سجون ألمانية في الخارج للمدانين من الأجانب. كما يصوب في خطاباته الانتخابية على المخاطر الكامنة من تزايد "أسلمة المجتمع"، وهو ما يرون فيه مصدر قلق لألمانيا. وفي هذا الصدد، كشف معهد "فورسا" في استطلاع نشره أخيراً، أن 36 في المائة فقط من الألمان يعتبرون موضوع الإسلام والهجرة والاندماج مادة دسمة لهم ومن أهم التحديات التي تواجه بلدهم، بعدما كانت النسبة قد وصلت قبل عام، إلى 59 في المائة.
تقاطع في البرامج الانتخابية
تتقاطع برامج الأحزاب المتوقع وصولها إلى "البوندستاغ" في الكثير من الملفات منها العدالة الاجتماعية والأمن والهجرة والمعاش التقاعدي والنظام الضريبي وتخفيض نسبة البطالة والتعليم. وركز برنامج "الاتحاد المسيحي الديمقراطي" بزعامة ميركل، والذي روج لحملته تحت شعار "ألمانيا بلد يطيب العيش فيه"، على ملفات الأسرة والعمل وخفض الضرائب والأمن، واعداً بزيادة 15 ألف عنصر لقوات الشرطة، فيما انصب اهتمام الحزب "الاشتراكي الديمقراطي" على التعليم والتقاعد والمساواة في الأجر والأمن ومكافحة الإرهاب.
وخصص حزب "البديل من أجل ألمانيا" حملته الانتخابية التي حملت عنوان "ألمانيا ثقي بنفسك"، للدعاية ضد الإسلام واللاجئين وطالب بمكافحة الجريمة بشكل خاص لدى الأجانب. كما حمل في برنامجه مجموعة من المقترحات تشمل حظر ارتداء النقاب والحجاب لموظفات الدوائر الحكومية الرسمية وإلغاء تدريس اختصاص العلوم الإسلامية المعتمد في عدد من الجامعات الألمانية، إلى حظر بناء المآذن وإلزامية تسجيل المساجد. وهذا كله بعدما بدّل من طروحاته عند تأسيسه، ومنها مناهضة للعولمة ومعارضة الاتحاد الأوروبي والعملة الموحدة، اليورو.
كذلك، خاض الحزب "الليبرالي الحر" حملته تحت عنوان "دعونا نفكر بشكل جيد". وسعى خلال الحملة إلى مخاطبة الناخبين بملفات تؤرقهم ومنها التقاعد وخفض البطالة والأمن. واعتبر أنه من المهم إخضاع المؤسسات الأمنية للمراقبة مع رفضه الاحتفاظ بالبيانات الشخصية للأفراد وضرورة التوفيق بين الأمن والحرية واحترام الحقوق الأساسية في دولة القانون.
وفي ما يتعلق بالسياسة الدفاعية، يعتزم حزب ميركل، وحتى عام 2025، زيادة ميزانية الدفاع حتى 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، كما يطالب "حلف شمال الأطلسي" والولايات المتحدة. وهذا ما ترفضه أحزاب "الخضر" و"اليسار" و"الاشتراكي الديمقراطي" الذي قال مرشحه، شولتز أخيراً، إن "هذا يتطلب رفع ميزانية الدفاع السنوية من 35 مليار يورو إلى حدود 65 مليارا تقريباً، والأفضل أن نضخ تلك الأموال في البنية التحتية والتطوير والابتكار والاستثمار في الطاقات الشبابية"، بحسب تعبيره.
مصير الرئيس الحالي للبرلمان
بعد 37 عاماً قضاها في البرلمان، بينها 12 سنة رئيساً له، قرر الرئيس نوربرت لاميرت، المنتمي إلى الحزب "المسيحي الديمقراطي" اعتزال العمل السياسي والذهاب إلى التقاعد في نهاية تستحق التقدير برأي السياسيين الألمان. وهو السياسي الذي انتخب لأول مرة عام 1980 كعضو في البرلمان الألماني وانتخب رئيساً له عام 2005. ومعروف عنه بأنه لم يكن حزبياً أبداً.
ولتفادي احتمال ترؤس الجلسة الافتتاحية للبرلمان الجديد من قبل حزب "البديل من أجل ألمانيا" في حال فوز مرشحه فلهيلم فون غوتبيرغ (77 عاماً) بصفته رئيساً للسن، اقترح لاميرت تغيير القاعدة وتبنتها الأغلبية البرلمانية، وتقوم على أن يترأس الجلسة النائب الذي يتمتع بأطول فترة عمل في البرلمان. وفي هذه الحالة، قد يدير الجلسة الافتتاحية "المسيحي الديمقراطي"، من خلال وزير المالية الحالي، فولفغانغ شويبله، الذي يحجز أحد المقاعد البرلمانية منذ عام 1972. وهذا ما دفع حزب "البديل" لاعتبار ما حصل مناورة سياسية بحتة للائتلاف الذي يشكل أكثرية في البرلمان، وذلك لمنعه من القدرة على افتتاح أولى جلسات "البوندستاغ" المقبل.