الأغنية الوطنية اللبنانية: أنشودة يرددها الآلاف

07 نوفمبر 2019
صوت فيروز الأكثر تعبيراً في المناسبات الوطنية (فرانس برس)
+ الخط -
في التسعينيات من القرن الماضي، هدأ صوت المدافع في لبنان، وانتهت الحرب الأهلية اللبنانية بعد 15 عاماً من الصراع الطائفي، وآلاف الضحايا. حرب، لم توحد اللبنانيين على شيء إلّا على بعض الأغاني والأناشيد التي ردّدوها بعيداً عن خطهم السياسي والطائفي. وحده صوت فيروز، خلال سنوات الحرب، كان مرافقاً للناس، سواءً عبر الإذاعات التي عاشت عصرها الذهبي، أو عبر وسائل الإعلام التي كانت مُتاحة وقتذاك.

يعيش اللبنانيون، منذ ما يقارب الثلاثين عاماً، خوفاً مستمرّاً من حالة الانقسام الداخلي. في حين تتحدّث الأغاني عن "وِحدة وطنية"، ليست موجودة على أرض الواقع. بلغت الأغنية الوطنية أوجها مع بداية حركات المقاومة في العالم العربي. من دون شك، فإن للقضية الفلسطينية نصيباً كبيراً من هذه الأغاني، التي تستمد نجاحها من نبض الشارع، أو من خلال الدعوة إلى المقاومة، وحمل البندقية. ربما كان للقاهرة، أيضاً، توجّه في صناعة هذه الأغنية ونجاحها، ما حقق انتشاراً واسعاً لا يقل حماسة عن الحماس المعنوي الذي كان العرب يواجهون به قوى الاحتلال. بطبيعة الحال، لم يغب صوت فيروز في تلك المرحلة عن التوقيع على أغاني القضية. "زهرة المدائن"، مثلاً، كانت الأغنية الحلم لفلسطين، فهي تغني لمن دافع واستشهد، وتنادي المعابد. وهكذا، تابع الرحابنة بمجموعة أخرى من الأغاني، منها "أجراس العودة"، و"يا ربوع بلادي" و"سنرجع يوماً".
فيروز التي حملت هموم الشعوب غناءً، لم تبخل على بلدها بسلسلة من الأغاني التي خرجت من مسرحيات قدّمتها، واتخذت طوال سنوات الحرب اللبنانية خطاً موحداً عبر الإذاعات، منها "احكيلي عن بلدي"، و"سيف فليشهر". وحتى عام 1982 عندما أطلقت "إسوارة العروس"، للشاعر جوزف حرب والملحن فيلمون وهبي. جاءت هذه الأغنية على إثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وكذلك فعل، بعد وقت قليل، وديع الصافي؛ فقدم "الله معك يا بيت صامد في الجنوب" كصرخة في وجه الاحتلال الإسرائيلي، وأصبحت من أشهر الأغاني التي تروي حكاية طويلة من الاحتلال والمقاومة.
من جهته، كان مارسيل خليفة حاضراً أيضاً طول تلك الفترة، من خلال أناشيد عرفت طريقاً إلى النجاح، وأصبحت تردد ومنها أغنية "يا بيارق الثوار طلعوا"، و"إني اخترتك يا وطني"، وكذلك ظهر كل من أحمد قعبور وخالد الهبر.
بدأت الحرب الأهلية اللبنانية في 13 نيسان/ إبريل 1975. توقفت فيروز طوال أعوام الحرب الأهلية اللبنانية عن الغناء، لكي لا تُحسب ضمن فئة معينة، ورفضت ترك منزلها في بيروت رغم تعرضه للقصف ونجاتها. وفي عام 1994، بعد انتهاء ويلات الحرب الطائفية، غنت السيدة فيروز، في ساحة الشهداء الشاهدة على الدمار الذي خلفته القذائف والنيران. وقفت أمام الآلاف، وقيل يومها إن لبنان أسدل الستارة على الحرب الضروس التي شهدها. فيروز غنت يومها لكل أبناء الشعب، في حفل أقيم وسط بيروت التجاري، وحاول وقتها رئيس الوزراء الأسبق الراحل رفيق الحريري تبني الحدث، لكنه لم يفلح، واختارت فيروز بعدها التواصل مع جمهورها في حفلات لا تستثمر باسمها، كمهرجانات بيت الدين وبعلبك.
في الثمانينيات، ظهرت مغنية جديدة تُدعى جوليا، بعد أن أصدرت أغنية "غابت شمس الحق"، من ألحان شقيقها زياد بطرس. يبلغ عمر أغنية "غابت شمس الحق" اليوم 28 عاماً بحسب الصفحة الرسمية لجوليا بطرس على تويتر. تحولت هذه الأغنية إلى ما يشبه النشيد الوطني. ولا تمر مناسبة وطنية إلا ويسمعها اللبنانيون بعيداً عن أي اصطفاف داخلي يجرى الترويج له. وربما تزامنت أغنية "غابت شمس الحق" مع إصدار ماجدة الرومي أغنية "بيروت ست الدنيا"، عام 1988. يومها، كان الشارع اللبناني منقسماً بين حكومتين، لكن كلمات الشاعر الراحل نزار قباني وألحان الموسيقار جمال سلامة (اعترف بأنها كانت جواز عبور له بسبب نجاحها) أعادت شيئاً من الأمل للناس بعد فترات من القصف، الأغنية لا تزال حتى اليوم ترافق المناسبات الوطنية، أو تلك التي تتعلق ببيروت، كونها تسمي العاصمة باسمها.

الأوضاع السياسية في لبنان غير مستقرة، وهذا ربما ما يدفع الجيل الثاني من المغنين إلى استغلال أحداث الشارع، والخروج، أو إصدار أغانٍ جديدة تماشياً مع المناسبة. في شباط 2005، وبعد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، تنادى عدد من الفنانين وغنوا "لا ما خلصت الحكاية". حالة من تقليد لما أطلقه أحمد العريان 1998 وسُمّي بأوبريت "الحلم العربي". نال شهرة بعد الانتفاضة الفلسطينية بوجه الاحتلال عام 2000.

بإمكاننا القول إن الأغنية الوطنية في لبنان هدأت بعد حادثة اغتيال رفيق الحريري، وما خرج بعدها كان من قبيل الانخراط أو التماهي مع المناسبات الوطنية او الأحداث المستجدة. وهكذا يمكن أن تسمى الأغنية اليوم أغنية "مناسبة"، لا يكتب لها العمر الطويل، بدليل ما حصل في الساحات التي عرفت انتفاضة حقيقية؛ فلم تفلح محاولات من بعض الشعراء أو الملحنين أو المغنين التسلق على المناسبة، تماماً كما حصل مؤخراً عندما أصدر قلة أغاني خاصة بالحراك المدني الذي يشغل لبنان هذه الأيام، لكنها لم تلق الصدى الذي عرفه اللبنانيون، ورددوا عبر مكبرات الصوت التي غزت الساحات من أغاني فيروز وجوليا وصباح ووديع الصافي وأحمد قعبور وغيرها.
المساهمون