الأردن وجنوب سورية: قلق من التحولات وبحث عن ضمانات

04 يونيو 2017
حرس الحدود الأردني يتابع المعارك السورية (Getty)
+ الخط -


اجتاح القلق بشكل غير مسبوقٍ مراكز صنع القرار السياسي والعسكري الأردني، خلال متابعة تطورات المعارك في الجنوب السوري، من حدودهم الشمالية. وتعاظمت المخاوف من احتمالات تحول الأمتار القريبة من حدود المملكة إلى ساحة لمعركة مفتوحة بين المتصارعين حلفاء كانوا أم أعداء.

ورفعت التطورات الميدانية والتغيرات الدراماتيكية منسوب القلق لدى عواصم القرار في الملف السوري، فتحوّل إلى عائقٍ أمام القدرة على التكيف وتطوير سياسات توائم التغييرات المتتالية، وما رافقها من تضاؤل مساحة المناورة التي أجادتها السياسة الأردنية خلال السنوات الست الماضية.

في 6 مايو/أيار الماضي أعلن الأردن أنه ليس طرفاً في اتفاق المناطق الآمنة/ خفض التوتر في سورية ضمن "أستانة 4"، التي حضرها بصفة مراقب. نفيٌ حمل في ثناياه عدم رضى على الاتفاق، الذي اعتبرت مصادر أردنية أنه "لم يراع مصالحها".

للأردن طموح في إبقاء الحدود بعيدة عن الصراع المسلح، والأهم من ذلك بقاء الجنوب السوري بمنأى عن تواجد المليشيات الإيرانية، التي يرى فيها الأردن خطراً لا يقل عن خطر تنظيم "داعش"، حسبما أكدت تصريحات المسؤولين السياسيين والعسكريين. ومن الطموحات أيضاً إبقاء الجيش الأردني بعيداً عن الصراع في الداخل السوري، في ظلّ الاعتماد على الفصائل السورية المرتبطة به تدريباً وتمويلاً.

التحفظ الأردني على خرائط المناطق الآمنة/خفض التوتر، عبّر عنه عملياً باستضافة عمّان في 18 مايو الماضي اجتماعاً موسعاً لعسكريين وسياسيين أميركيين وروس، وبُحثتَ خلاله إعادة رسم المنطقة الآمنة في الجنوب السوري، على طول الحدود الأردنية - السورية باستثناء مثلث التنف، بدلاً من ريفي درعا والقنيطرة. وهو "أمر اصطدم مع المخطط الإيراني لفتح طريق طهران - بيروت عبر بغداد ودمشق، ومدّ سيطرة مليشياتها على مناطق الجنوب التي حررتها الفصائل من داعش".



المصادر الأردنية التي علقت على الاجتماع، أكدت أن "هدفه تحقيق المصلحة الأردنية ببقاء الجنوب السوري مستقراً"، معلنة قبولها بوجود أية قوات على الحدود مع المملكة، باستثناء عناصر تنظيم "داعش" والمليشيات الإيرانية. وفي وقتٍ لم تتضح فيه نتائج الاجتماع، الذي تزامن انتهاؤه مع غارة أميركية على قافلة عسكرية للنظام السوري برفقة إحدى المليشيات التي كانت متجهة إلى معبر التنف، الذي يضمّ قاعدة لقوات متعددة الجنسيات إلى جانب جيش مغاوير الثورة السوري، أكدت مصادر أردنية أن اجتماعا آخر سيُعقد قبل نهاية الشهر الحالي.

بدوره، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي عامر السبايلة، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، بأن "التنسيق بالنسبة للأردن نقطة مهمة تعفيه من خطر مواجهة التداعيات المحتملة والاضطلاع بمواجهات ذات تداعيات سلبية"، مؤكداً أن "الدخول الأردني على الملف إجباري بحكم الموقع الجغرافي".

وأبدى اعتقاده بأن "روسيا التي بدأ الأردن التنسيق العسكري معها في أكتوبر/ تشرين الأول 2015، باشرت في تقديم ضمانات تتوافق مع الرغبات الأردنية فيما يتعلق بالمنطقة الآمنة في الجنوب السوري". وبعيداً عن المناورات السياسية، وحجم الاستجابة للرغبات الأردنية، كشفت التطورات الميدانية، والرسائل العسكرية الأميركية والروسية في الجنوب السوري، استحالة تحقيق الرغبة الأردنية من خلال خلق واقع عسكري على الأرض يفرض نفسه على الاجتماع المنتظر من جهة، ومواقف الدول المؤثرة في سورية من جهة أخرى.

وعلى الرغم من الغارة الأميركية على قافلة النظام وحلفائه، تلمّس حلفاء الولايات المتحدة عدم جدّية الإدارة الأميركية في فرض واقع ميداني يمنحهم الأفضلية في الجنوب السوري. وهو ما تحدّث عنه قائد جيش "أسود الشرقية" طلاس سلامة لـ"العربي الجديد".



سلامة، الذي غادر الأردن قبل أيام ملتحقاً بجيشه المكون من 1600 مقاتل، أعرب عن اعتقاده بأن "الإدارة الأميركية ليست جادة في دعم حلفائها على الأرض، حتى بعد الإغارة على قوات النظام والمليشيا". وهو أمر عزّزه تصريح وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس في أعقاب الغارة من أن بلاده لن تزيد دورها في الحرب الأهلية السورية، لكنها ستدافع عن قواتها، في إشارة للقوات الأميركية المتواجدة في قاعدة التنف.

المشاعر السلبية سيطرت على العديد من قادة الفصائل في الجبهة الجنوبية، إذ رأى قائدان آخران تحدثا لـ" العربي الجديد" "استحالة صمود مقاتليهم في ظل الواقع الميداني الذي تندفع فيه قوات النظام للسيطرة على الأرض، وتتواصل فيه محاولات المليشيا الإيرانية لفتح طريق بغداد - دمشق".

من جانبه، اعتبر الخبير العسكري مأمون أبو نوار في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "هناك غيابا لاستراتيجية أميركية في سورية، وهو أمر رتّب تحديات كبيرة على الحليف الأردني، الذي يراقب استماتة النظام السوري وحليفه الإيراني لتحقيق الهدف الاستراتيجي بفتح طريق بغداد – دمشق. وهو الخط الذي يكفل إعاقة التوصل إلى اتفاق أميركي روسي يلبي الرغبة الأردنية بجعل الجنوب السوري كاملاً منطقة آمنة".

ولفت إلى "قدرة فصائل الجبهة الجنوبية (جيش أسود الشرقية وجيش مغاوير الثورة وقوات الشهيد أحمد العبدو وجيش العشائر)، التي تتشكل في مجموعة من بضعة آلاف من المقاتلين على قطع الطريق أمام النظام والمليشيا الإيرانية، لكنهم لن يتمكنوا من الاستمرار في ظلّ المعطيات الميدانية، وعدم وجود غطاء جوي دائم".

ونظر أبو نوار إلى الضربات التي نفّذتها روسيا نهاية الأسبوع الماضي بصواريخ عابرة من نوع "كاليبير" أطلقتها من غواصة وفرقاطة في البحر المتوسط على أهداف لـ" داعش" في منطقة تدمر، باعتبارها "رسالة قوة موجهة إلى أميركا، رغم كلفتها العالية، مقارنة مع الهدف، لكنها تؤكد بأنها لا تتعدى كونها رسالة قوة ترد فيها على الضربات الأميركية على حلفائها من قوات النظام والمليشيا الإيرانية".