10 نوفمبر 2024
الأردن وجدل الدور الإقليمي
في فاصلة زمنية، انفجرت النقاشات والحوارات النخبوية والسياسية الأردنية عن جدل الدور الإقليمي، وتأثير ذلك على الأوضاع السياسية والاقتصادية، وعن العلاقة مع إسرائيل، فأصبح هذا الموضوع أيضاً مدار حديث الإعلام. ... هل فجّر ذلك كله مقال لصحافي عربي مقروء على موقعه الإلكتروني، أم عقد مؤتمر في إسرائيل بعنوان الخيار الأردني (الوطن البديل)، أم توتر العلاقات مع إسرائيل؟
لا هذا ولا ذاك، فالنقاش عن الدور الأردني كان محتدماً، تحت السطح، منذ أعوام، ولم يولد من فراغ، بل بإحساس عميق بوجود محاولات تهميش للأردن من حلفائه وأصدقائه قبل خصومه، بل وتنامي الهمس في "مطبخ القرار" عن عملية التفافية لـ"الأصدقاء العرب" على الأردن في تربيط العلاقات مع "إسرائيل"، وعن انقطاع كامل للمساعدات المالية المباشرة للأردن من الخليج، بعدما كان المنقذ دوماً للموازنة، بينما هو يراها اليوم تغرق في المديونية والعجز ولا يحرّك ساكناً.
ينقسم الأردنيون، نخباً وشارعاً، في تأطير ما يحدث إلى ثلاثة اتجاهات: يتحدث الأول عن المؤامرة، وعن وجود "مخطط مسبوك" إقليمياً ودولياً لتجويع الأردن، ودفعه إلى القبول بـ"الخيار الأردني"، أو التخلي عن الأردن بعد أن انتهى "دوره الوظيفي". يتحدث الثاني عن دبلوماسية أردنية ذكية، وقادرة على تجاوز كوارث حدثت في المنطقة العربية، وعن حفاظ الأردن على أهمية استراتيجية مرتبطة بموقعه الجيو استراتيجي وعلاقته المنفتحة على دول المنطقة، وميزته الخاصة دولة معتدلة في العلاقة مع الولايات المتحدة التي أصبحت اليوم الداعم الأول للموازنة الأردنية بقرابة بليون دينار سنوياً. الاتجاه الثالث، وكاتب هذه السطور من دعاته، يرى أنّ هنالك تحولات عميقة جوهرية، ليس فقط على صعيد الدور الأردني، بل حتى على صعيد المنطقة والمفاهيم التي حكمت سياساتها خلال العقود الماضية، فهنالك نظام إقليمي تهاوى، وآخر يتشكّل، لا بد من التموضع بصورة صحيحة فيه.
وفق هذا الاتجاه، لا يقتصر الأمر على التحولات الإقليمية، ودخول دول الأطراف إلى المعادلة الأمنية الداخلية بقوة، وخروج دول عربية محورية، بل أيضاً على صعيد داخل الدول العربية نفسها، مع انهيار قيمة السيادة في عديد من هذه الدول، وصعود الهويات الفرعية، وتفكّك الجغرافيا السياسية في قلب الشرق الأوسط، والأزمات الداخلية التي تعاني منها أغلب الدول العربية، ما يجعلنا أمام "منعرجٍ تاريخي" على أكثر من صعيد، وانتهاء حقبة وبداية أخرى، من الضروري أن تكون موطناً للتقييم وإعادة التفكير من دول المنطقة وحكوماتها ومثقفيها.
ضمن هذا الإطار، يمكن فهم جدلية الدور الأردني، وذلك لا ينفي أنّ الأردن ارتكز، في اقتصاده، بصورة كبيرة على قيمة دوره الإقليمي، وموقعه الجيو استراتيجي، سواء من زاوية أهميته لأمن إسرائيل من ناحية، أو أمن الخليج العربي من ناحيةٍ أخرى، دولة محافظة في مواجهة التيارات القومية واليسارية التي سيطرت على دول الجوار، أو حتى قدرة القيادة الأردنية على نقل الاعتماد الاقتصادي بين العراق والخليج خلال العقود السابقة، مع اعتمادٍ استثنائي على السعودية في الأوقات الحرجة عادةً.
ذلك كلّه أزفت أزفته، وانتهى مفعوله، وأصبح الأردنيون أمام الحقيقة التي حاول الملك إيصالها، أنّه لا أحد سيأتي لنجدة الأردن، ليس من باب المؤامرة، بل لأنّ التحولات الجارية فرضت هذا الواقع، فما العمل مع مديونية تصل إلى 97% من الناتج المحلي الإجمالي، وتضع مستقبل المملكة الاقتصادي على الحافّة، ومع معدلات بطالة غير مسبوقة، تصل لدى الشباب إلى 40%، وظروف مالية معقدة وصعبة، مع معدل نمو منخفض بصورة مرعبة، ويصل إلى حدّ الـ2%.
صحيح أنّ هذه التحولات الإقليمية الجارفة كبيرة، وتؤثّر على "الدور التقليدي" للأردن، وقد تعني بالضرورة نهاية أهمية موقعه الجيو استراتيجي، أو اهتزاز استقراره السياسي والاجتماعي، لكن شرط تلك النتيجة الدرامية هو ألا يتمكّن النظام من تغيير المسار واختراق الجدار وتحويل التحدّي إلى فرصة تاريخية للاعتماد على الذات، وإثبات الوجود عبر "ترتيب البيت الداخلي"، وإنجاز التحولات الاقتصادية المطلوبة في الموازنة والضرائب، وتغيير ثقافة الناس وقناعتهم تجاه إدارة اقتصادهم، وذلك كله مرتبط برسالة إعلامية قوية، وبحزمة متكاملة من السياسات والإجراءات.
الأردن على مفترق طريق، ربما هذا هو العنوان الحقيقي لجدلية الدور والمكانة.
لا هذا ولا ذاك، فالنقاش عن الدور الأردني كان محتدماً، تحت السطح، منذ أعوام، ولم يولد من فراغ، بل بإحساس عميق بوجود محاولات تهميش للأردن من حلفائه وأصدقائه قبل خصومه، بل وتنامي الهمس في "مطبخ القرار" عن عملية التفافية لـ"الأصدقاء العرب" على الأردن في تربيط العلاقات مع "إسرائيل"، وعن انقطاع كامل للمساعدات المالية المباشرة للأردن من الخليج، بعدما كان المنقذ دوماً للموازنة، بينما هو يراها اليوم تغرق في المديونية والعجز ولا يحرّك ساكناً.
ينقسم الأردنيون، نخباً وشارعاً، في تأطير ما يحدث إلى ثلاثة اتجاهات: يتحدث الأول عن المؤامرة، وعن وجود "مخطط مسبوك" إقليمياً ودولياً لتجويع الأردن، ودفعه إلى القبول بـ"الخيار الأردني"، أو التخلي عن الأردن بعد أن انتهى "دوره الوظيفي". يتحدث الثاني عن دبلوماسية أردنية ذكية، وقادرة على تجاوز كوارث حدثت في المنطقة العربية، وعن حفاظ الأردن على أهمية استراتيجية مرتبطة بموقعه الجيو استراتيجي وعلاقته المنفتحة على دول المنطقة، وميزته الخاصة دولة معتدلة في العلاقة مع الولايات المتحدة التي أصبحت اليوم الداعم الأول للموازنة الأردنية بقرابة بليون دينار سنوياً. الاتجاه الثالث، وكاتب هذه السطور من دعاته، يرى أنّ هنالك تحولات عميقة جوهرية، ليس فقط على صعيد الدور الأردني، بل حتى على صعيد المنطقة والمفاهيم التي حكمت سياساتها خلال العقود الماضية، فهنالك نظام إقليمي تهاوى، وآخر يتشكّل، لا بد من التموضع بصورة صحيحة فيه.
وفق هذا الاتجاه، لا يقتصر الأمر على التحولات الإقليمية، ودخول دول الأطراف إلى المعادلة الأمنية الداخلية بقوة، وخروج دول عربية محورية، بل أيضاً على صعيد داخل الدول العربية نفسها، مع انهيار قيمة السيادة في عديد من هذه الدول، وصعود الهويات الفرعية، وتفكّك الجغرافيا السياسية في قلب الشرق الأوسط، والأزمات الداخلية التي تعاني منها أغلب الدول العربية، ما يجعلنا أمام "منعرجٍ تاريخي" على أكثر من صعيد، وانتهاء حقبة وبداية أخرى، من الضروري أن تكون موطناً للتقييم وإعادة التفكير من دول المنطقة وحكوماتها ومثقفيها.
ضمن هذا الإطار، يمكن فهم جدلية الدور الأردني، وذلك لا ينفي أنّ الأردن ارتكز، في اقتصاده، بصورة كبيرة على قيمة دوره الإقليمي، وموقعه الجيو استراتيجي، سواء من زاوية أهميته لأمن إسرائيل من ناحية، أو أمن الخليج العربي من ناحيةٍ أخرى، دولة محافظة في مواجهة التيارات القومية واليسارية التي سيطرت على دول الجوار، أو حتى قدرة القيادة الأردنية على نقل الاعتماد الاقتصادي بين العراق والخليج خلال العقود السابقة، مع اعتمادٍ استثنائي على السعودية في الأوقات الحرجة عادةً.
ذلك كلّه أزفت أزفته، وانتهى مفعوله، وأصبح الأردنيون أمام الحقيقة التي حاول الملك إيصالها، أنّه لا أحد سيأتي لنجدة الأردن، ليس من باب المؤامرة، بل لأنّ التحولات الجارية فرضت هذا الواقع، فما العمل مع مديونية تصل إلى 97% من الناتج المحلي الإجمالي، وتضع مستقبل المملكة الاقتصادي على الحافّة، ومع معدلات بطالة غير مسبوقة، تصل لدى الشباب إلى 40%، وظروف مالية معقدة وصعبة، مع معدل نمو منخفض بصورة مرعبة، ويصل إلى حدّ الـ2%.
صحيح أنّ هذه التحولات الإقليمية الجارفة كبيرة، وتؤثّر على "الدور التقليدي" للأردن، وقد تعني بالضرورة نهاية أهمية موقعه الجيو استراتيجي، أو اهتزاز استقراره السياسي والاجتماعي، لكن شرط تلك النتيجة الدرامية هو ألا يتمكّن النظام من تغيير المسار واختراق الجدار وتحويل التحدّي إلى فرصة تاريخية للاعتماد على الذات، وإثبات الوجود عبر "ترتيب البيت الداخلي"، وإنجاز التحولات الاقتصادية المطلوبة في الموازنة والضرائب، وتغيير ثقافة الناس وقناعتهم تجاه إدارة اقتصادهم، وذلك كله مرتبط برسالة إعلامية قوية، وبحزمة متكاملة من السياسات والإجراءات.
الأردن على مفترق طريق، ربما هذا هو العنوان الحقيقي لجدلية الدور والمكانة.