10 نوفمبر 2024
الأردن وتحدّي "الإخوان"
حقّق حزب جبهة العمل الإسلامي (جماعة الإخوان المسلمين) نتائج جيدة في الانتخابات البلدية واللامركزية في 15 أغسطس/ آب الجاري، وأثبتوا أنفسهم حزباً سياسياً وحيداً قادراً على إنجاز انتصاراتٍ في الانتخابات، بينما فشلت أغلب الأحزاب الأخرى في الوصول إلى نتائج مقنعة.
وعلى الرغم من "الأزمة" التي تحكم علاقة الإسلاميين (الإخوان) بالدولة، منذ أعوام طويلة، ووصول التوتر بينهما إلى مرحلةٍ غير مسبوقة في الفترة الأخيرة، خصوصاً الربيع العربي وما بعده، إلاّ أنّ منظور النخبة السياسية المقرّبة من مطبخ القرار في عمّان لم يكن سلبياً من انتصار الإسلاميين، بل اعتُبرت مشاركتهم وشهادتهم على نظافة الانتخابات مؤشراً لصالح الدولة، واستعادة ثقة الناس بمصداقية العملية السياسية.
لم يتمثل التحدّي الحقيقي، هذه المرة، بالإسلاميين، بل بدوائر شهدت انتهاكاً صارخاً لنزاهة الانتخابات من بادية الوسط، إذ تم اقتحام قاعاتٍ عبر مسلحين وسرقة الصناديق، وإلغاء الانتخابات فيها، وقرّرت الهيئة المستقلة إعادة العملية في هذه الدوائر، ما أثّر سلباً على الصورة الإيجابية عموماً للانتخابات، ليس عبر تدخل الدولة، كما كان يحصل في انتخابات سابقة، بل بسبب بعض الشرائح الاجتماعية.
والحال أنّ ما حدث في الانتخابات، أخيراً، يختزل جانباً مهماً من التحولات السياسية والثقافية والمجتمعية الكبيرة التي تواجه الدولة الأردنية، وإعادة ترتيب سلم التحدّيات، بعد أن كانت النخبة الرسمية تنظر إلى الإسلاميين بوصفهم التحدّي الرئيس في كل انتخابات. تبدلت الصورة اليوم، وأصبحت المشاركة الإسلامية مؤشراً إيجابياً على مشاركة المعارضة المدنيّة السلمية ضمن أطر العملية السياسية وتحت سقفها.
التحدي الأول الذي بدأ يتضاعف، خلال الأعوام الماضية، ويفرض نفسه على الدولة والمجتمع بصورة عامة يتمثل في حالة التنمّر والتمرّد الاجتماعي من شرائح اجتماعية، كانت تعد في العقود الماضية ركيزة رئيسة للاستقرار السياسي، لكنها بفعل الانقلاب في دور الدولة الاقتصادي، والتحولات السياسية الكبيرة، أصبحت (هذه الشرائح) في علاقةٍ غامضة متوترة مع الدولة ومؤسساتها وحكم القانون الذي تسعى الدولة إلى استعادته وتكريسه، ويتم الإشارة إليه إعلامياً بمصطلح "هيبة الدولة"، بعد أن تراجعت خلال الأعوام الماضية، بسبب اختلالات جوهرية في السياسات الرسمية الداخلية التي نحت إلى استرضاء قطاعاتٍ اجتماعية، ما عزّز حالة التنمّر المذكورة.
هذا الإدراك لاختلاف طبيعة التحديات، وموقع الإسلاميين المعتدلين في ذلك، أصبح يتنامى داخل أوساط النخب السياسية، لكنه يواجه حالة إنكارٍ من المؤسسات الرسمية التي تحاول الإبقاء على المعادلة التقليدية البالية، لكنها تواجه اليوم بحقائق واقعية، تتمثل في أنّ هيبة الدولة لا يجري تحديها من حزبٍ مؤطر ملتزم بالعمل السياسي، بل من خلال التمرّد على الدولة نفسها، ومن خلال نمو ظواهر خطيرة مثل الفساد الإداري والمخدرات والتيار الإسلامي المتطرّف، المتمثل بأنصار السلفية الجهادية الذين تضاعف عددهم، وزاد حجم نشاطهم بصورة ملحوظة خلال الأعوام الأخيرة أيضاً.
ومع أنّ الإسلاميين حازوا على نسبة جيدة من المقاعد، إلاّ أنّها تعتبر متواضعةً مع تنامي التنافس المناطقي والعشائري والجهوي الذي يأتي على أنقاض القوى السياسية الأخرى التي أصبحت بحكم المعزولة، والمحدودة شعبياً واجتماعياً، ولا تكاد تحرز شيئاً في الانتخابات النيابية.
هل ستبقى حالة الإنكار لدى المسؤولين بضرورة أخذ هذه التحولات ضمن ترسيم السياسات، ما يعني استمرار العداء والتضييق على الإسلاميين المعتدلين، وهي السياسات بشأن تحالفات الأردن الإقليمية، وخصوصاً موقف "الحلفاء" العرب من جماعة الإخوان المسلمين والديمقراطية والتيار الإسلامي السلمي عموماً، أم يحاول صانع القرار إعادة التفكير في مستقبل العلاقة مع التيار الإسلامي المعتدل، وعموده الفقري الإخوان المسلمين؟
يدفع المنطق الواقعي إلى إعادة التفكير في العلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي، ضمن القراءة الجديدة، وترسيم قواعد جديد للعبة السياسية، وتوظيف هذه القوى من أجل تعزيز مفهوم المعارضة المدنية السلمية في مواجهة أولاً، التنمّر والتمرد على الدولة، وثانياً التيارات المتطرّفة التي تؤمن بالعنف، أو بخياراتٍ راديكالية في مواجهة الدولة، وترفض العملية السياسية جملةً وتفصيلاً.
وعلى الرغم من "الأزمة" التي تحكم علاقة الإسلاميين (الإخوان) بالدولة، منذ أعوام طويلة، ووصول التوتر بينهما إلى مرحلةٍ غير مسبوقة في الفترة الأخيرة، خصوصاً الربيع العربي وما بعده، إلاّ أنّ منظور النخبة السياسية المقرّبة من مطبخ القرار في عمّان لم يكن سلبياً من انتصار الإسلاميين، بل اعتُبرت مشاركتهم وشهادتهم على نظافة الانتخابات مؤشراً لصالح الدولة، واستعادة ثقة الناس بمصداقية العملية السياسية.
لم يتمثل التحدّي الحقيقي، هذه المرة، بالإسلاميين، بل بدوائر شهدت انتهاكاً صارخاً لنزاهة الانتخابات من بادية الوسط، إذ تم اقتحام قاعاتٍ عبر مسلحين وسرقة الصناديق، وإلغاء الانتخابات فيها، وقرّرت الهيئة المستقلة إعادة العملية في هذه الدوائر، ما أثّر سلباً على الصورة الإيجابية عموماً للانتخابات، ليس عبر تدخل الدولة، كما كان يحصل في انتخابات سابقة، بل بسبب بعض الشرائح الاجتماعية.
والحال أنّ ما حدث في الانتخابات، أخيراً، يختزل جانباً مهماً من التحولات السياسية والثقافية والمجتمعية الكبيرة التي تواجه الدولة الأردنية، وإعادة ترتيب سلم التحدّيات، بعد أن كانت النخبة الرسمية تنظر إلى الإسلاميين بوصفهم التحدّي الرئيس في كل انتخابات. تبدلت الصورة اليوم، وأصبحت المشاركة الإسلامية مؤشراً إيجابياً على مشاركة المعارضة المدنيّة السلمية ضمن أطر العملية السياسية وتحت سقفها.
التحدي الأول الذي بدأ يتضاعف، خلال الأعوام الماضية، ويفرض نفسه على الدولة والمجتمع بصورة عامة يتمثل في حالة التنمّر والتمرّد الاجتماعي من شرائح اجتماعية، كانت تعد في العقود الماضية ركيزة رئيسة للاستقرار السياسي، لكنها بفعل الانقلاب في دور الدولة الاقتصادي، والتحولات السياسية الكبيرة، أصبحت (هذه الشرائح) في علاقةٍ غامضة متوترة مع الدولة ومؤسساتها وحكم القانون الذي تسعى الدولة إلى استعادته وتكريسه، ويتم الإشارة إليه إعلامياً بمصطلح "هيبة الدولة"، بعد أن تراجعت خلال الأعوام الماضية، بسبب اختلالات جوهرية في السياسات الرسمية الداخلية التي نحت إلى استرضاء قطاعاتٍ اجتماعية، ما عزّز حالة التنمّر المذكورة.
هذا الإدراك لاختلاف طبيعة التحديات، وموقع الإسلاميين المعتدلين في ذلك، أصبح يتنامى داخل أوساط النخب السياسية، لكنه يواجه حالة إنكارٍ من المؤسسات الرسمية التي تحاول الإبقاء على المعادلة التقليدية البالية، لكنها تواجه اليوم بحقائق واقعية، تتمثل في أنّ هيبة الدولة لا يجري تحديها من حزبٍ مؤطر ملتزم بالعمل السياسي، بل من خلال التمرّد على الدولة نفسها، ومن خلال نمو ظواهر خطيرة مثل الفساد الإداري والمخدرات والتيار الإسلامي المتطرّف، المتمثل بأنصار السلفية الجهادية الذين تضاعف عددهم، وزاد حجم نشاطهم بصورة ملحوظة خلال الأعوام الأخيرة أيضاً.
ومع أنّ الإسلاميين حازوا على نسبة جيدة من المقاعد، إلاّ أنّها تعتبر متواضعةً مع تنامي التنافس المناطقي والعشائري والجهوي الذي يأتي على أنقاض القوى السياسية الأخرى التي أصبحت بحكم المعزولة، والمحدودة شعبياً واجتماعياً، ولا تكاد تحرز شيئاً في الانتخابات النيابية.
هل ستبقى حالة الإنكار لدى المسؤولين بضرورة أخذ هذه التحولات ضمن ترسيم السياسات، ما يعني استمرار العداء والتضييق على الإسلاميين المعتدلين، وهي السياسات بشأن تحالفات الأردن الإقليمية، وخصوصاً موقف "الحلفاء" العرب من جماعة الإخوان المسلمين والديمقراطية والتيار الإسلامي السلمي عموماً، أم يحاول صانع القرار إعادة التفكير في مستقبل العلاقة مع التيار الإسلامي المعتدل، وعموده الفقري الإخوان المسلمين؟
يدفع المنطق الواقعي إلى إعادة التفكير في العلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي، ضمن القراءة الجديدة، وترسيم قواعد جديد للعبة السياسية، وتوظيف هذه القوى من أجل تعزيز مفهوم المعارضة المدنية السلمية في مواجهة أولاً، التنمّر والتمرد على الدولة، وثانياً التيارات المتطرّفة التي تؤمن بالعنف، أو بخياراتٍ راديكالية في مواجهة الدولة، وترفض العملية السياسية جملةً وتفصيلاً.