10 نوفمبر 2024
الأردن و"أفق ضائع"
يعيش الوضع المالي والاقتصادي في الأردن اليوم مرحلة حرجة، وهنالك احتجاجات متواضعة، صحيح، في الشارع، لكنّها خطيرة في سقوفها، إذ أصبحت تمسّ الملك مباشرةً، وتأخذ أبعاداً طبقية واجتماعية واضحة.
الأخطر من الهتافات والاحتجاجات ارتفاع منسوب الاحتقان والعنف الاجتماعي، إذ سجّل تقرير رسمي أنّ عمليات السطو المسلح، على بنوك ومحلات تجارية، وصلت إلى 15 حالة في أقل من شهر، أي بمعدل حالة في كل 48 ساعة. ولا يوجد تفسير حاسم لتزايد السطو المسلح والمخدرات والجريمة والتطرف، لكن إحدى أهم الفرضيات تتمثّل في دور الظروف المالية والاقتصادية، خصوصا بعد القرارات الحكومية أخيرا بشأن إزالة الدعم عن الخبز وإلغاء الإعفاءات الضريبية، ما أدى إلى موجة ارتفاع في الأسعار، تتزاوج مع معدلات غير مسبوقة من البطالة والفقر، وتراجع جوهري وكبير في الناتج المحلي الإجمالي، ما يعني غياب الاستثمارات، وركود السوق المالية والتجارية والاقتصادية، والسير نحو ظروف اقتصادية - اجتماعية أكثر صعوبة وخطورة.
دفعت هذه الأوضاع محللين وسياسيين أردنيين إلى تدوير الزوايا الحادة في علاقات الأردن بالعراق وتركيا وإيران، من أجل فتح المعابر البرية، ما يحرّك عجلة التجارة الخارجية، وقطاعات أردنية حيوية (مثل التجارة والزراعة والنقل والسياحة) كانت تعتمد، عقودا كاملة، على طريق عمان - بغداد. ومن الواضح أنّ "العامل الإيراني"، إن لم يكن عقبة في وجه الانفتاح على العراق، في الوضع الحالي، فإنّ تحسين العلاقات مع طهران سيساعد على تذليل الصعوبات وتحريك المياه الراكدة.
صحيح أنّ هنالك مشكلة حقيقية في السلوك الخارجي الإيراني في المنطقة، وتضارب في رؤية الأردن وطهران للملفات الإقليمية، لكن الحال نفسها تنطبق على إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التي ستورّط المنطقة في أزمة جديدة بعد قرار القدس، وصفقة القرن المتوقعة. مع ذلك، أعلن نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، أنّه تم التوافق على "تحييد القدس" من العلاقات الأردنية - الأميركية، على الرغم من أنّ ترامب كرّر القول إنّ القدس أصبحت خارج الحل النهائي المطلوب.
بالنتيجة، هنالك مساحة وهامش مناورة ممكن لعلاقة الأردن مع الدول الإقليمية، لحلحلة الأوضاع الاقتصادية والمالية الداخلية، ولإيجاد "هامش تكتيكي" في مواجهة ضغوط واشنطن وانحيازها السافر في القضية الفلسطينية في الفترة الأخيرة. وأيضا في مواجهة التباين الملموس بين الأردن وحلفائه العرب تجاه أولوية القضية الفلسطينية والموقف من إيران.
كما ذكر مقال سابق لصاحب هذه السطور في "العربي الجديد" (تجميد الاستدارات الأردنية)، حسمت الأيام الماضية القول، وقطع مطبخ القرار الطريق أمام أي دعوات سياسية ونخبوية نحو انفتاحاتٍ، ولو جزئية، في العلاقات الخارجية. وبالتالي سيستمر الأردن في إدارة تحالفاته التقليدية. ويبدو أنّ العامل الأميركي هو الأكثر أهمية هنا، إذ وقّع الأردن مع الإدارة الأميركية، قبل أيام، اتفاقية المساعدات لخمسة أعوام مقبلة، بواقع يتجاوز المليار دولار سنوياً، ويشمل مساعداتٍ ماليةً مباشرة وعسكرية.
إذاً، مع وجود انسداد في الأفق الخارجي، والأفق الاقتصادي والمالي الداخلي، مع عدم وجود مؤشراتٍ على تحسّن في الظروف الاقتصادية والاستثمار خلال الفترة المقبلة، فإنّ "التنفيس" الوحيد الممكن يتمثل في إدارة المعادلة الداخلية سياسياً، فيما يشبه ما قام به الحسين 1989، عندما فتح الباب للديمقراطية المغلقة، وأدخل المعارضة في الحكومة، وأطلق الميثاق الوطني الأردني (أشبه بعقد اجتماعي بين الدولة والقوى السياسية المختلفة)، ما ساعد على اجتياز الأردن محطات خطيرة ومنعرجات كبيرة، تخللتها حرب الخليج 1991، والتوتر مع الأشقاء في الخليج، وعودة المغتربين من هناك، بالإضافة إلى أزمة مع الولايات المتحدة الأميركية.
خلاصة القول إنّ الوضع الحالي يحتاج إلى "رؤية جديدة" واقعية، ليصنع أفقاً أمام الناس تنظر إليه، بدلاً من التخبط في حالة الإحباط واليأس والاحتقان الخطيرة الحالية.
الأخطر من الهتافات والاحتجاجات ارتفاع منسوب الاحتقان والعنف الاجتماعي، إذ سجّل تقرير رسمي أنّ عمليات السطو المسلح، على بنوك ومحلات تجارية، وصلت إلى 15 حالة في أقل من شهر، أي بمعدل حالة في كل 48 ساعة. ولا يوجد تفسير حاسم لتزايد السطو المسلح والمخدرات والجريمة والتطرف، لكن إحدى أهم الفرضيات تتمثّل في دور الظروف المالية والاقتصادية، خصوصا بعد القرارات الحكومية أخيرا بشأن إزالة الدعم عن الخبز وإلغاء الإعفاءات الضريبية، ما أدى إلى موجة ارتفاع في الأسعار، تتزاوج مع معدلات غير مسبوقة من البطالة والفقر، وتراجع جوهري وكبير في الناتج المحلي الإجمالي، ما يعني غياب الاستثمارات، وركود السوق المالية والتجارية والاقتصادية، والسير نحو ظروف اقتصادية - اجتماعية أكثر صعوبة وخطورة.
دفعت هذه الأوضاع محللين وسياسيين أردنيين إلى تدوير الزوايا الحادة في علاقات الأردن بالعراق وتركيا وإيران، من أجل فتح المعابر البرية، ما يحرّك عجلة التجارة الخارجية، وقطاعات أردنية حيوية (مثل التجارة والزراعة والنقل والسياحة) كانت تعتمد، عقودا كاملة، على طريق عمان - بغداد. ومن الواضح أنّ "العامل الإيراني"، إن لم يكن عقبة في وجه الانفتاح على العراق، في الوضع الحالي، فإنّ تحسين العلاقات مع طهران سيساعد على تذليل الصعوبات وتحريك المياه الراكدة.
صحيح أنّ هنالك مشكلة حقيقية في السلوك الخارجي الإيراني في المنطقة، وتضارب في رؤية الأردن وطهران للملفات الإقليمية، لكن الحال نفسها تنطبق على إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التي ستورّط المنطقة في أزمة جديدة بعد قرار القدس، وصفقة القرن المتوقعة. مع ذلك، أعلن نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، أنّه تم التوافق على "تحييد القدس" من العلاقات الأردنية - الأميركية، على الرغم من أنّ ترامب كرّر القول إنّ القدس أصبحت خارج الحل النهائي المطلوب.
بالنتيجة، هنالك مساحة وهامش مناورة ممكن لعلاقة الأردن مع الدول الإقليمية، لحلحلة الأوضاع الاقتصادية والمالية الداخلية، ولإيجاد "هامش تكتيكي" في مواجهة ضغوط واشنطن وانحيازها السافر في القضية الفلسطينية في الفترة الأخيرة. وأيضا في مواجهة التباين الملموس بين الأردن وحلفائه العرب تجاه أولوية القضية الفلسطينية والموقف من إيران.
كما ذكر مقال سابق لصاحب هذه السطور في "العربي الجديد" (تجميد الاستدارات الأردنية)، حسمت الأيام الماضية القول، وقطع مطبخ القرار الطريق أمام أي دعوات سياسية ونخبوية نحو انفتاحاتٍ، ولو جزئية، في العلاقات الخارجية. وبالتالي سيستمر الأردن في إدارة تحالفاته التقليدية. ويبدو أنّ العامل الأميركي هو الأكثر أهمية هنا، إذ وقّع الأردن مع الإدارة الأميركية، قبل أيام، اتفاقية المساعدات لخمسة أعوام مقبلة، بواقع يتجاوز المليار دولار سنوياً، ويشمل مساعداتٍ ماليةً مباشرة وعسكرية.
إذاً، مع وجود انسداد في الأفق الخارجي، والأفق الاقتصادي والمالي الداخلي، مع عدم وجود مؤشراتٍ على تحسّن في الظروف الاقتصادية والاستثمار خلال الفترة المقبلة، فإنّ "التنفيس" الوحيد الممكن يتمثل في إدارة المعادلة الداخلية سياسياً، فيما يشبه ما قام به الحسين 1989، عندما فتح الباب للديمقراطية المغلقة، وأدخل المعارضة في الحكومة، وأطلق الميثاق الوطني الأردني (أشبه بعقد اجتماعي بين الدولة والقوى السياسية المختلفة)، ما ساعد على اجتياز الأردن محطات خطيرة ومنعرجات كبيرة، تخللتها حرب الخليج 1991، والتوتر مع الأشقاء في الخليج، وعودة المغتربين من هناك، بالإضافة إلى أزمة مع الولايات المتحدة الأميركية.
خلاصة القول إنّ الوضع الحالي يحتاج إلى "رؤية جديدة" واقعية، ليصنع أفقاً أمام الناس تنظر إليه، بدلاً من التخبط في حالة الإحباط واليأس والاحتقان الخطيرة الحالية.