10 نوفمبر 2024
الأردن في منعرج خطير
يخطئ المسؤولون الأردنيون عندما يتصوّرون أنّ مرحلة الربيع الربيع العربي كانت فترة عابرة صعبة، ومرّت بسلام، من دون أن ينجرّ الأردن إلى سيناريوهات خطيرة، كما حدث في دول عربية أخرى.
صحيح أنّ الأردن لم يشهد ثورةً، أو حراكاً جذرياً للتغيير، خلال تلك الأعوام، إلاّ أنّ الحراك الشعبي كان فاعلاً، وتجاوز السقوف التقليدية. وحدث زلزال داخلي على أكثر من صعيد. وفي أوقاتٍ معينة، وصلت الاحتجاجات الشعبية، في نهاية العام 2012، على ارتفاع أسعار السلع إلى مرحلة خطيرة وحسّاسة، فشهدت المملكة مئات الفعاليات الغاضبة.
مرّ ذلك كله بسلام، وحافظ الأردن على استقراره وأمنه وسلامته الوطنية، وهذا جيّد. ولكن، لا أحد يملك الضمانات بأنّ الدولة محصّنة من الأخطار والأزمات الخطيرة، بل إنّ أي قراءة دقيقة ومعمّقة، في اللحظة الراهنة، تؤشر إلى أنّ الأردن يمرّ بمنعرج خطير، ليس فقط على صعيد المحيط الإقليمي الذي يتفكّك ويتركّب من جديد، أو السؤال عن الدور الإقليمي الذي مثّل على الدوام مصدراً مهماً لقيمة الأردن الجيو استراتيجية، ولموارده الاقتصادية، بل على صعيد المعادلة الداخلية وفي صلبها.
تحاول حكومة هاني الملقي أن تحضّر الشارع لجولة جديدة من السياسات الاقتصادية والمالية التي تتضمن، هذه المرّة، تغيير سياسات الدعم في الموازنة، بدلاً من دعم السلع. يذهب الدعم إلى الأشخاص. والسبب، وفق هذه النظرية، أنّ دعم السلع يشمل الجميع، المواطنين وغيرهم، ما يكلّف الخزينة أضعاف ما هو مطلوب، في الخبز والماء والكهرباء، وفي حال تمكّنت الحكومة من توجيهه نحو المواطنين وحدهم فذلك سيوفر مئات الملايين.
على الرغم من وجاهة هذه الحجة، إلّا أنّ تقبل الرأي العام لها يكاد يكون منعدماً، وأصبحت المزاجية السلبية المفرطة في المزاج الاجتماعي تظلل العلاقة بين الدولة والمواطنين بصورة واضحة، وهو الاتجاه الذي أصبح صارخاً وسافراً، وكشفه، بجلاء شديد، استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، قبل أيام، بمناسبة مرور عام على تشكيل حكومة الرئيس هاني الملقي، إذ كشفت الأرقام عن تدنٍّ غير مسبوق، كسر الأرقام السابقة في شعبية الحكومة. ولا تقف خطورة الاستطلاع عند هذا المستوى، فقد كشف أنّ الأغلبية العظمي من قادة الرأي والشارع يرون أنّ الأمور تسير بالاتجاه الخاطئ، وأنّ هناك عدم رضا عن الأوضاع الاقتصادية، وعدم قناعة بالإصلاحات التي تمّت إلى الآن.
بالطبع، تفسّر نتائج الاستطلاع بالوضع الاقتصادي المتردي، وازدياد الضغوط على المواطنين والدولة على السواء. لكن من قال إنّ الوضع الاقتصادي مسألةٌ يمكن الاستهانة بها، بخاصة إذا كان ذلك كله متزاوجاً مع ضعف شديد ملحوظ في إدارة الحياة السياسية، وفي قناعة الناس بالحكومة ومجلس النواب؟
وفقاً للأرقام الخطيرة، ارتفعت المديونية بصورة تراجيدية، حتى وصل ما يدفعه الأردن لخدمة الدين وحدها ما يساوي 1.16 مليار دينار، ومجمل الدين 26.98 مليار دينار بزيادةٍ وصلت إلى 106.8% مقارنة بأربعة أعوام سابقة! هذا وذاك مع ارتفاع الأسعار، وتدنّي معدل النمو إلى مرحلة قياسية وصلت إلى 2 %، وارتفاع معدّلات البطالة وغلاء الأسعار، بالتوازي مع تراجع مستوى الخدمات، تحديداً في التعليم الحكومي والصحّة، وغياب الفرص والآفاق الحقيقية لنقلة نوعية في مجال الاستثمار لتحريك الأوضاع الاقتصادية الداخلية الساكنة.
بالنتيجة؛ نحن أمام انسدادين خطيرين. الأول اقتصادي ومالي وعدم قدرة من الحكومة على إحداث اختراق حقيقي، في مقابل حجم كبير من النفقات الجارية على القطاع العام العريض المترهل، وانعدام المساعدات الخارجية المباشرة للموازنة، من الأشقاء في الخليج. والثاني انسداد سياسي مع عجز الحكومة، أيضاً، سياسياً، عن الاشتباك مع الشارع، ومرافقته عبر خطوات اقتصادية جراحية مطلوبة، مرتبطة بإعادة هيكلة الدعم، وبإعادة هيكلة سوق العمل، وإعادة هيكلة الأولويات.
هناك إعادة هيكلة مطلوبة في مختلف المجالات الاقتصادية والمالية، لأنّ المعادلة الاقتصادية - السياسية تغيرت جذرياً في الأردن، لكن ما هو أهم من هذا وذاك هي إعادة هيكلة العقلية الرسمية في التعامل مع هذا المنعرج الخطير والمفصلي في تاريخ الأردن.
صحيح أنّ الأردن لم يشهد ثورةً، أو حراكاً جذرياً للتغيير، خلال تلك الأعوام، إلاّ أنّ الحراك الشعبي كان فاعلاً، وتجاوز السقوف التقليدية. وحدث زلزال داخلي على أكثر من صعيد. وفي أوقاتٍ معينة، وصلت الاحتجاجات الشعبية، في نهاية العام 2012، على ارتفاع أسعار السلع إلى مرحلة خطيرة وحسّاسة، فشهدت المملكة مئات الفعاليات الغاضبة.
مرّ ذلك كله بسلام، وحافظ الأردن على استقراره وأمنه وسلامته الوطنية، وهذا جيّد. ولكن، لا أحد يملك الضمانات بأنّ الدولة محصّنة من الأخطار والأزمات الخطيرة، بل إنّ أي قراءة دقيقة ومعمّقة، في اللحظة الراهنة، تؤشر إلى أنّ الأردن يمرّ بمنعرج خطير، ليس فقط على صعيد المحيط الإقليمي الذي يتفكّك ويتركّب من جديد، أو السؤال عن الدور الإقليمي الذي مثّل على الدوام مصدراً مهماً لقيمة الأردن الجيو استراتيجية، ولموارده الاقتصادية، بل على صعيد المعادلة الداخلية وفي صلبها.
تحاول حكومة هاني الملقي أن تحضّر الشارع لجولة جديدة من السياسات الاقتصادية والمالية التي تتضمن، هذه المرّة، تغيير سياسات الدعم في الموازنة، بدلاً من دعم السلع. يذهب الدعم إلى الأشخاص. والسبب، وفق هذه النظرية، أنّ دعم السلع يشمل الجميع، المواطنين وغيرهم، ما يكلّف الخزينة أضعاف ما هو مطلوب، في الخبز والماء والكهرباء، وفي حال تمكّنت الحكومة من توجيهه نحو المواطنين وحدهم فذلك سيوفر مئات الملايين.
على الرغم من وجاهة هذه الحجة، إلّا أنّ تقبل الرأي العام لها يكاد يكون منعدماً، وأصبحت المزاجية السلبية المفرطة في المزاج الاجتماعي تظلل العلاقة بين الدولة والمواطنين بصورة واضحة، وهو الاتجاه الذي أصبح صارخاً وسافراً، وكشفه، بجلاء شديد، استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، قبل أيام، بمناسبة مرور عام على تشكيل حكومة الرئيس هاني الملقي، إذ كشفت الأرقام عن تدنٍّ غير مسبوق، كسر الأرقام السابقة في شعبية الحكومة. ولا تقف خطورة الاستطلاع عند هذا المستوى، فقد كشف أنّ الأغلبية العظمي من قادة الرأي والشارع يرون أنّ الأمور تسير بالاتجاه الخاطئ، وأنّ هناك عدم رضا عن الأوضاع الاقتصادية، وعدم قناعة بالإصلاحات التي تمّت إلى الآن.
بالطبع، تفسّر نتائج الاستطلاع بالوضع الاقتصادي المتردي، وازدياد الضغوط على المواطنين والدولة على السواء. لكن من قال إنّ الوضع الاقتصادي مسألةٌ يمكن الاستهانة بها، بخاصة إذا كان ذلك كله متزاوجاً مع ضعف شديد ملحوظ في إدارة الحياة السياسية، وفي قناعة الناس بالحكومة ومجلس النواب؟
وفقاً للأرقام الخطيرة، ارتفعت المديونية بصورة تراجيدية، حتى وصل ما يدفعه الأردن لخدمة الدين وحدها ما يساوي 1.16 مليار دينار، ومجمل الدين 26.98 مليار دينار بزيادةٍ وصلت إلى 106.8% مقارنة بأربعة أعوام سابقة! هذا وذاك مع ارتفاع الأسعار، وتدنّي معدل النمو إلى مرحلة قياسية وصلت إلى 2 %، وارتفاع معدّلات البطالة وغلاء الأسعار، بالتوازي مع تراجع مستوى الخدمات، تحديداً في التعليم الحكومي والصحّة، وغياب الفرص والآفاق الحقيقية لنقلة نوعية في مجال الاستثمار لتحريك الأوضاع الاقتصادية الداخلية الساكنة.
بالنتيجة؛ نحن أمام انسدادين خطيرين. الأول اقتصادي ومالي وعدم قدرة من الحكومة على إحداث اختراق حقيقي، في مقابل حجم كبير من النفقات الجارية على القطاع العام العريض المترهل، وانعدام المساعدات الخارجية المباشرة للموازنة، من الأشقاء في الخليج. والثاني انسداد سياسي مع عجز الحكومة، أيضاً، سياسياً، عن الاشتباك مع الشارع، ومرافقته عبر خطوات اقتصادية جراحية مطلوبة، مرتبطة بإعادة هيكلة الدعم، وبإعادة هيكلة سوق العمل، وإعادة هيكلة الأولويات.
هناك إعادة هيكلة مطلوبة في مختلف المجالات الاقتصادية والمالية، لأنّ المعادلة الاقتصادية - السياسية تغيرت جذرياً في الأردن، لكن ما هو أهم من هذا وذاك هي إعادة هيكلة العقلية الرسمية في التعامل مع هذا المنعرج الخطير والمفصلي في تاريخ الأردن.