اختار العشريني ماجد الخطاطبة دراسة الإدارة السياحية، وهو الآن طالب في السنة الثانية في إحدى الجامعات الأردنية الحكومية. اختياره لتخصصه جاء بحسب ما يقول "بعد دراسة مستفيضة أجراها لسوق العمل"، متوقعاً أن يؤمّن له التخصّص مردوداً مالياً مهماً، عندما ينهي دراسته المحدّدة بأربعة أعوام.
والتخصّص، الذي استحدث في الجامعات الأردنيّة قبل ثلاث سنوات، اختاره الخطاطبة "بناءً على قناعتي الشخصيّة ومن دون توجيه من أحد". لكنه يشير إلى أن معظم زملائه في القسم التحقوا بالتخصّص، إما بتوجيه من أهلهم، أو بسبب معدلاتهم المتدنية في الثانوية العامة (التوجيهي)، إذ إن هذا التخصص لا يحتاج إلى معدلات مرتفعة لدخوله.
ويشير الخطاطبة إلى أنه "ليس تخصصاً سهلاً، ويتطلب قدرة على التحدّث بلغات غير العربيّة". ويستبشر خيراً بمستقبل تخصّصه، لا سيّما مع توجّه الدولة إلى الاستثمار في السياحة، التي تشكّل عشرين في المائة من دخل الأردن.
وخلافاً للخطاطبة، الذي حدّد مستقبله بناءً على رغبته الشخصيّة واحتياجات سوق العمل في الأردن، التحقت سناء يوسف بإحدى الجامعات الخاصة لدراسة الصيدلة بناءً على رغبة عائلتها، إذ كانت قد اضطرت إلى الخضوع مرّة ثانية لامتحان الثانوية العامة، بعد أن فشلت في المرّة الأولى في تحقيق معدل يؤهلها لدراسة الصيدلة، راضخة لرغبة أهلها. وفي المرّة الثانية حصلت على معدل يؤهلها لدراسة الصيدلة في جامعة خاصة لا حكوميّة. تقول، وهي اليوم في سنتها الثالثة:"كان من الممكن أن أدرس أيّ تخصّصٍ آخر. كان يمكن أن أدرس التمريض، ولا أضطر إلى خسارة سنة دراسيّة. لكني نفّذت رغبة والدَي".
وغالباً ما يخضع الطلاب في دراستهم الجامعيّة في الأردن إلى إملاءات العائلة ورغباتها، والتي غالباً ما تكون مخالفة لاحتياجات سوق العمل المشبعة بالتخصصات المرغوبة، بحسب ما تشير وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
تخصصات راكدة
وتشير إحصائيات الوزارة إلى التحاق أعداد كبيرة من الطلاب بتخصصات راكدة ومشبعة في سوق العمل. فقد بلغ عدد الطلبة في تخصّص الإدارة العامة 53 ألفاً، على الرغم من إعلانه تخصصاً مشبعاً منذ سنوات.
في الوقت ذاته، تعاني سوق العمل من نقصٍ حادٍّ في الممرضات، يقدّره مجلس التمريض الأردني بأكثر من 2500 ممرضة. وبحسب ما يعلّل المجلس، فإن ما يحول دون سداد النقص هو عزوف معظم الأردنيّين عن توجيه بناتهم إلى هذا التخصّص نظراً لطبيعة العمل.
وعدم التناسق، بين مخرجات التعليم وسوق العمل في الأردن، يدلّ على غياب استراتيجيّة واضحة في اختيار التخصصات، وأحياناً يكون نتيجة لإقبال الطلاب الحاصلين على علامات تحصيل متدنية في الثانوية على دراسة تخصصات لا يعترف بها سوق العمل.
وهو ما دفع وزير التعليم العالي، أمين محمود، إلى توجيه الوزارة في يونيو/حزيران الماضي إلى وضع خطة استراتيجيّة لقطاع التعليم، تهدف إلى توجيه الجامعات نحو التعليم التقني والإجراءات العمليّة، وإعادة دراسة واقع التخصصات الراكدة والمشبعة في الجامعات.
تخصصات غير معترف بها
ويجد بعض الخريجين الأردنيين تخصصاتهم في خارج اعتراف ديوان الخدمة المدنية، على الرغم من موافقة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي على استحداثها. وهذا ما واجهه خريجو تخصّص الانحراف وعلم الجريمة، بحسب ما تؤكده الأستاذة المحاضرة في القسم، نسرين الكركي.
وتقول الكركي إن "خريجي الدفعة الأولى واجهوا مشكلة عدم اعتراف ديوان الخدمة بتخصصاتهم، وبالتالي لم يجدوا وظائف في مؤسسات الدولة".
وتدافع الكركي عن أهميّة التخصّص، الذي يختص بدراسة الجريمة والحالة النفسيّة للمجرم من خلال التعرّف على شخصيته من مختلف النواحي، مشيرة إلى أنه في إمكان الخريجين العمل في المحاكم ومراكز الإصلاح والتأهيل وحماية الأسرة. لكنها تأسف لعدم حصول ذلك.
بالنسبة إلى الطالبة، وعد العدوان، التي قبلت في الجامعة لدراسة علم نفس، فقد غيّرت تخصّصها بعد عام من الدراسة وتوجّهت إلى العلوم السياسية، هرباً من بطالة منتظرة عند تخرّجها.
تقول، وهي في سنتها الجامعيّة الثانية: "بعد أن بدأت دراسة علم النفس، وجدت أن سوق العمل مشبعة من هذا التخصص، حتى أن زملائي في القسم كانوا يتحدثون عن أن مصيرهم هو البطالة بعد التخرّج".
تشدّد العدوان على ضرورة أن يبحث الطالب عن تخصّص يوفّر له فرصة عمل بعد التخرّج، وتسأل: "ما معنى أن أضيّع سنوات في الدراسة لأصبح في صفوف البطالة".
بطالة وسوء تخطيط
تشير إحصائيات البطالة، الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة، إلى أن نسبة البطالة بلغت 11 في المائة في عام 2013 المنصرم. 16 في المائة منها هي في صفوف حملة شهادة البكالوريوس، فيما ينتظر ما يزيد على 275 ألف خريج جامعي الحصول على وظيفة في مؤسسات الدولة، بحسب أرقام ديوان الخدمة المدنيّة.
أستاذ علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية، حسين الخزاعي، يرى في "استحداث بعض التخصصات نوعاً من حبّ التغيير، أو مواكبة مستجدات العصر". ويضيف: "لدينا تخصصات في حاجة إلى ترويج في السوق، وقياس الرأي العام، قبل أن يتمّ استحداثها. فربما لا تلاقي قبولاً".
ويقول الخزاعي إن "الطلاب في الأردن يدرسون عشرين نوعَ تخصّصٍ في الهندسة. لكن لمن؟ هل لهذه التخصصات سوق في الأردن أم في الخليج؟ لدينا تخصصات على مستوى الدكتوراه يجب وقفها وإعادة النظر فيها، خصوصاً وأنها وصلت إلى حدّ التشبّع ومعدلات مرتفعة بين خريجيها". ويشير إلى وجود 275 ألف طلب توظيف أمام الخدمة المدنيّة، والنسبة الأكبر هم من طلبة الجامعات.
ويطالب الخزاعي وزارة التعليم العالي بمراجعة التخصصات الراكدة، على غرار تكنولوجيا المعلومات والحاسوب والإدارة العامة والتربية الأكاديميّة وخدمة المجتمع والتربية الخاصة والعلوم السياسيّة، بحيث تحدّد الوزارة عدد الطلاب المقبولين في تلك التخصصات بناءً على حاجة سوق العمل. ويؤكد على أن مواصلة إقبال الطلاب على دراسة تخصصات راكدة سيزيد من أزمة بطالة الجامعيين مستقبلاً، والتي عبّرت عنها تحركات احتجاجيّة في خلال السنتَين الماضيتَين للمطالبة بتوفير وظائف.
ويبلغ عدد الجامعات في الأردن 27 جامعة، منها 10 جامعات حكوميّة والبقية جامعات خاصة، تخرّج نحو 40 ألف طالب سنوياً، وهو ما لا تستوعبه سوق العمل الأردنية.
وتؤكّد أمين عام المجلس الأعلى للسكان، الدكتورة سوسن المجالي، أن التعليم العالي في الأردن لا يزال يشجّع التحصيل الجامعي الأكاديمي للتخصصات الإنسانيّة والعلوم الاجتماعيّة على حساب التعليم المهني، مما أدّى إلى تضخم أعداد الخريجين وزيادة نسب البطالة.
وتوقعت المجالي أن تزيد الجامعات أعداد المتعطلين عن العمل، والتي ستقارب 250 ألف متعطّل في عام 2015، لترتفع إلى ما يقارب 400 ألف في عام 2030.