10 نوفمبر 2024
الأردن.. الساعة الديمقراطية متوقفة
حازت حكومة هاني الملقي الأردنية، الأسبوع الماضي، على أغلبية مريحة من مجلس النواب الجديد، وبدت الحكومة غير قلقة (كالعادة) من الحصول على الثقة، على الرغم من عودة المعارضة الإسلامية إلى قبة المجلس، ولكن بأقلية محدودة.
أعطى المشهد النيابي الأولي، وخصوصاً مع مناقشات الثقة بالحكومة، مؤشراً جوهرياً لدى الرأي العام، بأنّ الانتخابات التي أتت، أخيراً، بعد تغيير قانون انتخاب الصوت الواحد، وفي حقبة ما بعد الربيع العربي، وبمشاركة الإسلاميين وقوى المعارضة الأخرى، لم تؤد إلى تغيير نوعي، ولا حتى خطوات إلى الأمام، ربما، في مسار التحول الديمقراطي، بقدر ما ثبّتت الحالة السياسية وعقارب الساعة الديمقراطية، عند المشهد المعتاد، ما قبل الربيع العربي، انتخابات ومجالس نيابية ومشاركة المعارضة، لكن من دون تداول سلطةٍ مرتبطٍ بالعملية الديمقراطية، ومن غير وجود توسيع حقيقي في قاعدة "صنع القرار".
يدفع مثل هذا "التوصيف" بجملة من التساؤلات إلى السطح عن خصوصية النموذج الأردني الذي حافظ على الاستقرار السياسي، وعبر منعرج الثورات الديمقراطية من دون تحولاتٍ جوهرية سلبية، مثلما حدث في الدول التي دخلت نفق الحروب الداخلية، أو الصراعات الطاحنة، كأغلب الجمهوريات، ولا تلك التي حققت نقلاتٍ نوعية في المسار الديمقراطي، مثل تونس والمغرب.
الأردن، مثل الممالك العربية الأخرى، لم يشهد ارتجاجات داخلية كبيرة، لكنه كان، بطبيعته الملكية وخصائصه السياسية، أقرب إلى المغرب من دول الخليج، لكن التعديلات الدستورية والتحولات السياسية لم تؤد، مثل المغرب، إلى تداول سلطةٍ وتحولات ملموسة في العملية السياسية، فكانت الانتخابات، أخيراً، نسخة كربونية عن انتخاباتٍ سابقة، ما قبل الربيع العربي.
في سياق فهم هذه الحالة، المقارنة مع التجربة المغربية مهمة، خصوصاً استنطاق الفروق بين الطرفين، الأول مرتبط بوجود معارضةٍ سياسيةٍ هناك قادرة على الحصول على أغلبيات، وبوجود تقاليد حزبية قوية، بينما شهدت العقود الماضية، في الأردن، تجفيفاً للتعدّدية الحزبية، أدى إلى ثنائية قطبية جوهرية بين الدولة والتيار المحافط من جهة والإسلاميين من جهة أخرى، بينما بقيت الألوان الأخرى محدودة وضعيفة.
يمثل القرار السياسي الأردني العامل الرئيس الثاني لتفسير الدوران حول الذات، إذ بقي مطبخ القرار متخوفاً من أي تغييراتٍ نوعية، والتف الأردن مع المعسكر المحافظ العربي المعادي للثورات الديمقراطية، والداعم للانقلاب العسكري في مصر، والذي أعاد تعريف الإسلاميين (بوصفهم حلفاء الأتراك) مصدر تهديد للاستقرار، فأصبحت المواجهة الداخلية قائمةً على ممانعة التغيير و"الحفاظ على الوضع القائم".
يعيدنا هذا وذاك إلى الحلقات المسكوت عنها في جدل التحول الديمقراطي الأردني التي تخلق هذه القناعة، لدى المسؤولين، وتتمثل، أولاً، بطبيعة البنية السياسية، وبصورة أكثر خصوصية ما يمكن أن نطلق عليها "الثنائية الديمغرافية"، الأصول الشرق أردنية والفلسطينية، التي تنمي الانقسام المجتمعي تجاه مشروع الإصلاح وأولوياته، وتعزّز من الهواجس الداخلية.
العامل الثاني هو الموقع الجيوستراتيجي للأردن الذي يخلق شكوكاً لدى طبقة القرار في مدى تحمل الدولة لتجربة ديمقراطية حقيقية، بعدما عملت تجربة العام 1955، الحكومة الحزبية اليسارية برئاسة سليمان النابلسي، على تعميق هذه القناعة في "لاوعي" المسؤولين لدينا، وكذلك تجربة العام 1989 التي أتت بنصف مجلس نواب معارض، ومثّل تجربة صعبة في السيطرة عليه والتعامل معه من مطبخ القرار حينها.
تفرض العوامل الخارجية، المرتبطة بالموقع الجيوستراتيجي، نفسها بقوة على المشهد الداخلي، سواء العلاقة مع الجوار العربي، أو القضية الفلسطينية، التي شكلت مفتاحاً دائماً لإدراك متغيرات السياسة الأردنية الداخلية.
مع ذلك، وعلى الرغم من عوامل "الممانعة" السابقة، هنالك ديناميكيات أخرى قد تفرض نفسها على مطبخ القرار، للمضي في مسار التحول الديمقراطي، وزعزعة القناعة الراسخة بخطورة هذه القفزة المطلوبة، في مقدمة ذلك الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي تمثل ضغوطاً شديدة على طبقة وسطى متململة، في القطاعين العام والخاص، تتشكّل من المهنيين والمثقفين الذين يملكون وعياً سياسياً قوياً بضرورة الإصلاح، وعدم صلاحية الحالة القائمة.
لفهم التجربة الأردنية، العوامل السابقة مفاتيح مهمة، فلو كانت الطبقة الوسطى أكثر توحداً وراء المطالب الإصلاحية وقادرة على حشد شريحة منوعة من الشارع، فإنّ النظام الأردني يمتاز أيضاً بمرونة، وبعدم الرغبة في الصدام، ما يسمح بقفزاتٍ تتجاوز الوضع الحالي المستقر ظاهرياً والمأزوم موضوعياً.