الأحوازيون.. قمع داخلي وتجاهل "ذوي القربى"
بين آونة وأخرى، تحضر أخبار إقليم الأحواز العربي/ الإيراني في وسائل الإعلام المختلفة. ليس هذا الإقليم غائباً عن المشهد الإعلامي، والتقارير المتعلقة به تتمحور إما حول حملة اعتقالات، أو قمع مسيرات، أو تنفيذ عمليات إعدام ناشطين. وقلما تعنى المنظمات الإنسانية والحقوقية العربية بمتابعة شؤون الأقلية القومية العربية التي تقيم في ذلك الإقليم، شمال غرب إيران الذي ضمه الانتداب البريطاني عام 1925 إلى إيران. تسعون عاما مضت على سلخ ذلك الإقليم من العراق، وما زال أبناؤه يحتفظون بلباسهم العربي وبلغتهم القومية، لكنْ استعمال هذه اللغة ممنوع على أبنائها خارج نطاق الحوار الشفاهي بينهم، واسم الإقليم بات خوزستان. وأعداد هؤلاء غير معلومة لسببين، الأول، قلة الإحصائيات التي تشملهم، والثاني يعود إلى كون موجات إحلالية من السكان الفرس قد حلت في ديارهم، واختلطت بهم. ويقدر باحث إيراني، هو يوسف عزيزي، عددهم بثلاثة ملايين ونصف مليون نسمة، بينما يرفع ناشطون عرب هذا العدد إلى الضعف على الأقل.
وتتحدث تقارير منظمات دولية، مثل أمنستي وهيومان رايتس ووتش، بإسهاب وبصورة متواترة عن التمييز ضدهم، في الوظائف والتعليم، وفي مختلف مجالات التنمية. قمع الهوية القومية لهؤلاء هو عنوان سياسة التمييز التي أرسى العهد الإمبراطوري السابق، وحافظ عليها، بل زاد من وتيرتها عهد الجمهورية الإسلامية ضد هؤلاء. وإلى التمييز لأسباب قومية، هناك التمييز لدواع طائفية، فالأحوازي السني ينال من العسف أضعاف ما يلقاه الأحوازي الشيعي، على أن النسبة الأكبر من هؤلاء شيعة، علماً أن النضال ضد التمييز لا تشوبه شائبة طائفية.
يستغل الأحوازيون، في داخل بلادهم، مناسبات عادية، مثل إجراء مباراة كرة قدم أو إقامة عرس، للتعبير عن تعلقهم بانتمائهم القومي، ما يثير ثائرة سلطات الأمن الإيرانية التي سرعان ما تخوض مواجهات مع هؤلاء بالرصاص الحي. وذلك جرياً على أسلوب إيراني قارّ في قمع حرية التعبير بأشد الوسائل صلفاً ودموية. كما جرى خلال مباراة بين فريق الهلال السعودي وفريق فولاذ الإيراني، في فبراير/شباط الماضي، وكان من شأن رفع شعارات قومية بين جمهور المشجعين العرب، أن اندلعت مواجهات عنيفة، سقط فيها ثلاثة قتلى ومئات الجرحى، فيما تم اعتقال 1700 أحوازي. على أن نضال الجماهير العربية لا يقتصر على هذه المناسبات الرياضية والاجتماعية، ففي ظل ما يشبه أحكام طوارئ دائمة، تُحظر خلالها التجمعات، فقد كسرت جماهير أحوازية هذا الحظر، وسيرت مسيرات بمناسبة الذكرى العاشرة لهبّة العام 2005 التي اندلعت بعد شيوع أنباء عن خطط حكومية، لتخفيض أعداد العرب في الإقليم. وقد قتلت قوات الأمن نحو 50 متظاهراً واعتقلت مئات منهم.
في أجواء التمييز الصارخ والقمع الدموي الذي تشتد وتيرته من عام إلى عام، وانسداد الآفاق أمام تغيير هذا الواقع القاتم، يلجأ بعض النشطاء إلى العمل المسلح ضد السلطات، وثمة كتائب ومنظمات، منها خصوصاً حركة النضال العربي لتحرير الأحواز، تنشط في هذا المجال، على أن السلطات تعمد إلى قمع أشد المعارضين سلمية، وتنعت الحركات السياسية، مثل حزب التضامن الديمقراطي والمنظمة الوطنية لتحرير الأحواز والجبهة الشعبية الديمقراطية الأحوازية، وجملة العرب الأحواز المعارضين لسياسة العسف والتمييز بأنهم جميعهم انفصاليون. ولم يسبق للسلطات أن أبدت، ولو على سبيل التمويه أو المناورة، أية بادرة حسن نية تجاه حقوق هؤلاء، وعلى الأقل الحقوق الثقافية واللغوية. إذ درجت السلطات على التعامل معهم كأعداء داخليين يتعين إخضاعهم بصورة كلية، مع إنكار أية حقوق خاصة بهم.
لا يرتبط الأحواز بجهات خارجية، وخصوصاً عربية خارج إيران. وبينما كان يُفترض أن يكون ذلك مدعاة لحسن التعامل معهم من السلطات الإيرانية، إلا أن هذه السلطات استخلصت نتيجة معاكسة: فما دام هؤلاء لا يتمتعون بأي غطاء خارجي، إذن، يتعين الاستفادة من هذا الواقع للانفراد بهم، وتوقيع أقسى العقوبات الجماعية والممنهجة ضدهم. خلال الحرب العراقية الإيرانية، سعى صدام حسين إلى استثمار قضية عرب الأحواز، وبات لتلك القضية، آنذاك في عقد الثمانينيات، حضور بارز في الخطاب البعثي العراقي، من دون أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي ملموس على الأحوازيين. ومع انتهاء الحرب في العام 1989، انحسر هذا الاستثمار السياسي والإعلامي، بعد أن بطلت الحاجة إليه. لكن، وكرد فعل عليه، عمدت تيارات واسعة من اليسار العربي إلى تجاهل قضية الأحواز بصورة شبه تامة، مخافة أن تلحقها شبهة التشبّه بالنعرة القومية البعثية، وكأنه تحق معاقبة طرف على خطأ ارتكبه، او استثمار سعى إليه طرف آخر.
وما زال هذا التجاهل مستمراً، حتى لدى ناقدي السياسات الإيرانية، علماً أن أقليات قومية أخرى، في مقدمها أكراد إيران (10 في المائة من السكان) ليسوا أفضل حالاً أو حظاً في الاهتمام بهم. فمن المعهود أن تتم متابعة أوضاع أكراد تركيا والعراق وسورية، بينما يُحرم الأكراد في إيران من هذه المتابعة الإعلامية والسياسية، إلا على أضيق نطاق. وقد نجحت السياسات الإيرانية "الطموحة" والتدخلية في المنطقة، منذ مطلع الألفية الثالثة على الأقل، والستار الحديدي الستاليني على أوضاع الأقليات، وعلى مصادر الأخبار عنها. نجحت في صرف الأنظار عن أوضاع الأقليات القومية في الداخل الإيراني، عرب وأكراد وتركمان وبلوش وجيلاك، والدينية، مسيحيون ويهود. ويقدّم هذا التجاهل خدمة لا تُقدّر بثمن للسلطات، ويلحق ضررا بالغاً بموجبات التضامن البشري، وبالأقليات القومية والدينية في نظام شمولي توليتاري يُنكر التعددية (سوى كأعداد ونسب رياضية) ويعتبر التنوع الثقافي والقومي خطراً ماحقاً عليه، فيعمد إلى سياسة التذويب والتفريس، وإسدال ستار من الصمت الحديدي على ما يجري داخل حدود الجمهورية، بحق غير الإيرانيين، أو من لا يتبعون ولاية الفقيه. وللعرب الأحواز قسط وافر من هذه السياسة، لكنهم، للحق، نجحوا في إبقاء قضيتهم حيّة، فقد ناضلوا طويلا ضد سياسات الإمبراطورية الشاهنشاهية، وكان نصيبهم بعد انتصار الثورة على الشاه، الثورة التي شاركوا بها، المزيد من القمع لهم، على أيدي أولي الأمر في الجمهورية الإسلامية.