اسكتلندا

18 سبتمبر 2014
"مرّ استحقاق الاستقلال من دون "ضربة كف"(فرانس برس)
+ الخط -
تثبت اسكتلندا واستفتاؤها، اليوم، أن أوروبا أيضاً ليست بخير، وأن أزمة الهوية والدولة غير المنجزة لا تزال في ذروتها حتى في القارة العجوز، وأن شعوباً عن بكرة أبيها لا تزال تعيش في التاريخ وعلى إيقاع سنواته.

سمة يبدو أنها لا تنحصر بغُلاة السنة والشيعة عندنا، ممّن يمدّون جسراً فوق التاريخ، يصل يومنا بما سبقه قبل قرون لإسقاط ما حصل، أو بالأحرى ما قيل إنه حصل، على الحاضر والمستقبل.

أزمة الاسكتلنديين اليوم، هي أزمة البريطانيين والأوروبيين عموماً، بل أزمة كل فكر قومي يغطّ في سبات عميق حيناً ليعود ويطل برأسه كلما زادت الأزمات الاقتصادية خصوصاً. عقدة مركّبة يختصرها إقليم يعتبر أنه يعاني مظلومية تاريخية وضعته في حاضنة امبراطورية كان أحد ضحايا ميلها الطبيعي نحو التوسع. هي أزمة منطقة تعتبر أن ثرواتها تعتاش منها شعوب "أخرى"، وأن هويتها مطموسة على يد عائلة ملكية لم يعد لديها إلا الاسم وأخبار الصحف الصفراء وعدسات الباباراتزي.

أزمة اسكتلندا تختلف جذرياً عن أزمات المناطق الأوكرانية الشرقية الساعية إلى الانفصال عن الوطن الأم، لتذوب في عملاق تُطمَس هويتها في ظله كلياً. لا بل إن الحالة معكوسة؛ في أوكرانيا، مناطق تتوق للامبراطورية (السوفييتية) وتهرب من "دولة فاشلة"، بينما الاستقلاليون الاسكتلنديون يرغبون بالعودة إلى الانعزال في برد بحر الشمال.

عند التوجه نحو صناديق الاستفتاء، سيكون على كل اسكتلندي ومقيم يحق له التصويت (أنظر المفارقة كيف أنه يحق للمقيمين من غير الاسكتلنديين التصويت على الاستقلال من عدمه) أن يُحكّم عقله بحساباته ليكون قراره مصلحياً لا مبنياً على فانتازيات قومية: اقتصادياً أيّ من الخيارين سيحقق ظروفاً معيشية أفضل؟ حياتياً، هل سيكون جواز السفر البريطاني أفضل أم الاسكتلندي؟ أياً تكن النتيجة، سيسجل التاريخ نصراً جديداً للحداثة وللحضارة الغربية؛ فرغم الاستقطاب العمودي الذي يقسم الاستقلاليين والوحدويين، مرّ الاستحقاق من دون "ضربة كف"، بينما نحن، في الشرق الحزين، مستعدون لتقديم ألف قتيل من أجل خلاف على موقف للسيارات مثلاً، أو لحسم جنس الملائكة.