استرضاء الحوثيين لا يثمر حلولاً: مهمة لوليسغارد بالحديدة نموذجاً

27 يوليو 2019
لم يتقدم لوليسغارد خطوة واحدة بشأن "إعادة الانتشار"(فرانس برس)
+ الخط -
خلافاً لسلفه الهولندي باتريك كاميرت، غادر الجنرال الدنماركي مايكل لوليسغارد أخيراً، المهمة الصعبة بالرقابة والإشراف على تنفيذ اتفاق مدينة الحديدة، غربي اليمن، محملاً بعبارات الثناء من قبل جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، بعدما تمكّن على مدى ما يزيد عن ستة أشهر من فترة عمله، من كسب موقف الجماعة إلى جانبه. وقدم لوليسغارد العديد من الأفكار والخطط الخاصة بتنفيذ اتفاق الحديدة، إلا أنها لم تجد طريقها إلى التنفيذ، لينهي مهمته من دون أن يكون قد تمكّن من تجاوز نقاط الخلاف المحورية بشأن هذا الملف.

وكشفت مصادر قريبة من الفريق الحكومي في لجنة تنسيق إعادة الانتشار بمدينة الحديدة، لـ"العربي الجديد"، أنّ مغادرة لوليسغارد لم تكن مفاجئة، عقب الأنباء التي جرى تداولها في الأسابيع الماضية، عن أنّ الجنرال الدنماركي الذي يحمل رتبة فريق، سينتقل إلى بلاده، حيث من المنتظر تعيينه رئيساً لهيئة الأركان هناك، وكذلك في ظلّ انتهاء الفترة الأولى للبعثة الأممية في الحديدة، والتي جدد لها مجلس الأمن الدولي في 15 يوليو/ تموز الحالي، وسط ترقّب لتسمية رئيس جديد للبعثة في الفترة المقبلة.

وكان لوليسغارد قد عيّن رئيساً للبعثة الأممية لدعم اتفاق الحديدة أواخر يناير/ كانون الثاني 2019، في مهمة مليئة بالتعقيدات. وكانت الاستقالة السريعة لسلفه، باتريك كاميرت، بعد شهر واحد من تعيينه، أبرز مؤشر على
صعوبتها.
وتتمثّل هذه التعقيدات بتثبيت وقف إطلاق النار، والإشراف وإدارة المفاوضات الخاصة بتنفيذ الخطوات الواردة في اتفاق استوكهولم المبرم في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2018 بشأن مدينة الحديدة، بوصفها المحطة المحورية للتصعيد العسكري، فضلاً عن جهود السلام الدولية بشأن اليمن.

وفي حين اصطدم كاميرت الذي كان أول رئيس للبعثة الأممية في الحديدة، بتعقيدات الواقع الخاصة بتنفيذ "إعادة الانتشار"، والتفسير المتباين الذي يبديه كل من القوات الحكومية المدعومة من "التحالف" من جهة، والحوثيين من جهة أخرى، لبنود الاتفاق، لم يتمكّن لوليسغارد على مدى ما يزيد عن نصف عام، من تجاوز العقبات المحورية، بقدر ما نجح بالتطبيع مع هذه التعقيدات، وإدارة العديد من الاجتماعات والنقاشات، على نحوٍ سمح بالصمود النسبي لاتفاق وقف إطلاق النار، لكنه لم يتقدم خطوة واحدة عملياً في الجزء الخاص بـ"إعادة الانتشار".


وعندما بدأ لوليسغارد مهمته في فبراير/ شباط الماضي، كانت أول عقبة واجهها إقناع ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين بالحضور إلى طاولة واحدة في أيٍ من مناطق سيطرة أي من الطرفين، ليضطر بعدها إلى استئجار سفينة شهيرة في عرض البحر الأحمر قبالة الحديدة، حيث قدّم المقترحات التي عُرفت بـ"خطة لوليسغارد"، لتنفيذ اتفاق الحديدة، والتي تمحورت مهمة الجنرال الدنماركي طوال الأشهر الماضية حول مضامينها.

وقسمت خطة لوليسغارد الحلّ في الحديدة إلى مرحلتين؛ الأولى تشمل انسحاب قوات الحوثيين من موانئ المدينة مسافة خمسة كيلومترات، في مقابل تراجع القوات الحكومية في المدخل الشرقي للمدينة بمسافة ما يقرب من كيلومتر. وهي المرحلة التي كان من المفترض أن تؤدي إلى تأمين الممرات الإنسانية للمساعدات والشحنات التجارية، على أن تشمل المرحلة الثانية بقية الخطوات العسكرية التي يتطلبها الاتفاق، ولا سيما بشأن إكمال "إعادة الانتشار" من قبل الطرفين في مواقع متفق بشأنها خارج مدينة الحديدة.

وفي حين أعلن الطرفان القبول بتنفيذ المرحلة الأولى من الخطة، استمر الخلاف بشأن تفسير مقتضاها، إذ إنّ "إعادة الانتشار" كما يراها الحوثيون، عملية لسحب جزء من قواتهم لتبقى المناطق التي ينسحبون منها تحت سيطرتهم، من خلال تسليمها لقوات تديرها الجماعة أساساً. في حين تتمسّك الحكومة اليمنية بضرورة أن يتم تسليم المواقع التي ينسحب منها الحوثيون إلى القوات الأمنية والسلطة المحلية التي كانت قائمة في الحديدة قبل اجتياح الحوثيين لصنعاء في العام 2014، وبالتالي عدم بقاء العناصر الأمنية والقيادات المحلية المعيّنة من الجماعة. وهو الأمر الذي يمثّل العقدة المحورية في الخلافات المرتبطة بتنفيذ اتفاق ستوكهولم.

في الأثناء، وتحديداً في مايو/ أيار الماضي، وعقب مرور أشهر من دون أن تجد خطة لوليسغارد طريقها إلى التنفيذ، اضطر الأخير بالتنسيق مع المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، إلى اتخاذ قرار بالترحيب بعرض تقدّم به الحوثيون يشمل "إعادة الانتشار" في موانئ الحديدة من جانب واحد، وهي العملية التي نفذتها الجماعة بإشراف البعثة الأممية في الفترة من 11 إلى 14 مايو، بسحب جانب من قواتها من الموانئ وتسليمها إلى قوات خاضعة لسلطة الجماعة، بصورة أو بأخرى. وهو الأمر الذي كان بداية أزمة بين الفريق الأممي والحكومة اليمنية الشرعية، التي اعتبرت اعتراف الأمم المتحدة بما سمّته "مسرحية" تسليم الحوثيين موانئ الحديدة إلى قوات تابعة لهم، بأنه يمثّل تماهياً مع موقف "أنصار الله"، وقدمت على أثر ذلك شكوى رسمية ضدّ مارتن غريفيث إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس.

ومنتصف يوليو/ تموز الحالي، وقبل اجتماع مجلس الأمن الدولي لإصدار قرار بالتمديد للبعثة الأممية في الحديدة، نجح غريفيث ولوليسغارد بإعادة اجتماعات لجنة إعادة الانتشار في الحديدة، بحضور ممثلين عن الطرفين على ظهر السفينة الأممية مجدداً. لتعلن الأمم المتحدة بالتزامن مع صدور قرار التمديد لبعثتها ستة أشهر إضافية في الحديدة، عن اتفاقات توصّل إليها الطرفان في اجتماعات السفينة، وذلك بالموافقة على الإطار العملياتي لتنفيذ المرحلتين الأولى والثانية من خطة لوليسغارد. إلا أنّ التقدّم لم يتجاوز نقاط الخلاف المحورية الخاصة بهوية وطبيعة القوى الأمنية والسلطة المحلية المعنية بإدارة الحديدة.

من زاوية أخرى، ارتبط لوليسغارد بعلاقة جيدة مع الحوثيين، بدت واضحة خلال توديع الجنرال الدنماركي في صنعاء، وامتداحه بعبارات قوية من قبل مسؤولي الجماعة، على غرار تصريح نائب رئيس الأركان المعين من قبل "أنصار الله"، ورئيس فريقها في لجنة الحديدة اللواء علي الموشكي، الذي قال إنّ "الجنرال لوليسغارد قائد عسكري ذو ضمير حي، لم تستطع دول العدوان أن تشتري ضميره كما اشترت ضمائر الكثير من الناس"، في إشارة إلى دول "التحالف العربي" الذي تقوده السعودية.

الجدير بالذكر أنّ الحوثيين اصطدموا مع رئيس لجنة تنسيق إعادة الانتشار السابق، الهولندي باتريك كاميرت، منذ الأيام الأولى لتسلمه مهمته في الحديدة، واعتبروه سبباً رئيسياً لعدم تنفيذ الاتفاق الخاص بالمدينة وطالبوا بتغييره، بعدما رفض الاعتراف بخطوتهم الخاصة بـ"إعادة الانتشار" من جانب واحد. لكن الجماعة انتزعت لاحقاً اعتراف لوليسغارد بهذه الخطوة، لتنتهي مهمة الأخير، بما لم يكن بالنسبة لسلفه، بعبارات ثناء قوية من الحوثيين. غير أنّ الواقع على صعيد تنفيذ الاتفاق الخاص بالحديدة، لا يزال تقريباً كما كان منذ الأيام الأولى، ويتمثّل بصمود وقف العمليات العسكرية وبقاء الخروقات اليومية التي يتبادل فيها الطرفان الاتهامات، في مقابل تعثّر التقدم بتنفيذ "خطة إعادة الانتشار".

المساهمون