23 اغسطس 2020
إسرائيل نحو مزيد من "القبلية"
لطالما انشغل خبراء الجغرافيا والديمغرافيا في إسرائيل بإحصاء وتوقع عدد اليهود في كل فلسطين، وعبّروا عن قلقهم من خسارة التوازن الديمغرافي الذي يميل حالياً لصالح اليهود، بحسب الإحصاءات الإسرائيلية، ويذهبون إلى إرسال تطمينات بأن "الأغلبية اليهودية مضمونة"، وأن لا خطر على المشروع الصهيوني في المدى المنظور.
لكن، ما يتجاهله غالباً هؤلاء الخبراء، وتحديداً في جامعة حيفا، طرح السؤال الأهم، وهو: أي أغلبية يهودية؟ علمانية أم متدينة؟ هل سيبقى المجتمع الإسرائيلي موحداً، أم سيكون هناك أكثر من إسرائيل؟ ليبرالية أم فاشية؟ وما هو مصير الديمقراطية؟ وما هو مصير "جيش الشعب"؟ وما هو مصير الاقتصاد، في ظل ارتفاع نسب الولادة لدى اليهود المتدينين؟
تناول الإجابة عن السؤال رئيس تحرير صحيفة هآرتس العبرية، ألوف بن، في مقالة نشرها يوم العاشر من سبتمبر/أيلول الماضي، في ملحق الصحيفة الاقتصادي (ذي ماركير)، ويذهب فيه إلى الجزم بأنه بعد أربع سنوات لن تكون إسرائيل العلمانية الديمقراطية الغربية على ما هي عليه اليوم، بل إنها تتجه أكثر إلى مجتمع "القبائل" أو الأقليات، وهي حسب قاموسه: اليهود الحريديم (المتزمتون) والمتدينون القوميون (التيار الصهيوني المتدين الاستيطاني) والعرب الفلسطينيون داخل إسرائيل.
ولتأكيد هذا الادعاء، يلفت بن إلى معطياتٍ، نشرتها دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، والتي تقول إنه، بعد أربع سنوات، ستتراجع نسبة طلاب الصفوف الأولى الابتدائية في المدارس الرسمية العلمانية (التيار الذي أسس إسرائيل والتيار المهيمن حتى اليوم) إلى 37.2%، في حين كانت نسبتهم قبل "سنوات جيل واحد" فقط تصل إلى 60%، ما يعني أن ثلثي الطلاب في الشريحة المذكورة سيكونون من طلاب جهاز الطلاب التابع للحريديم (المتدينون المتزمتون) وجهاز التعليم العربي، وجهاز التعليم التابع للمتدينين القوميين (التيار الاستيطاني) أو ما يعرف بالصهيونية المتدينة.
ويكتب بن، بدافع القلق على مصير إسرائيل ليس دولة يهودية، وإنما دولة غربية حديثة علمانية ليبرالية، أو ما يصطلح على تسميته "دولة تل أبيب". ويؤكد بن أن تفكك أو تآكل هذه النواة المركزية الصلبة التي أسست المشروع الصهيوني الاستيطاني في فلسطين هو أهم من كل القضايا الاقتصادية التي يجري الحديث عنها في الإعلام، مثل صفقة استخراج الغاز في البحر، وحتى أهم من الصفقة الغربية مع إيران. ويكتب أن هذه "القبائل" لن تختلط في ما بينها، وتفضل تجاهل بعضها الآخر، وأن تعيش بعزلة عن الآخرين، بمعنى أن "الهوية الإسرائيلية" لن تبقى موحدة.
وتؤكد معطيات إحصائية أخرى أن نسبة الولادة والزواج لدى العرب واليهود الحريديم والمتدينين القوميين أعلى من معدلها في أوساط اليهود العلمانيين، في موازاة تراجع الهجرة من الدول الأوروبية وأميركا، وارتفاع في نسبة العلمانيين الذين يهاجرون للغرب، للدراسة أو العمل سنوات طويلة.
تضع هذه التغيرات الديمغرافية إسرائيل أمام تحديات جدية، خصوصاً أن نصف طلاب الصفوف الأولى، أي العرب والحريديم، لا يتماثلون مع الرموز الصهيونية للدولة، ولا يردّدون النشيد الوطني الصهيوني (هتكفا)، كما أن تعريف إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية مرفوض لدى المواطنين العرب، ولدى الحريديم الذين سيشكلون نصف الصفوف الابتدائية الأولى بعد فترة قصيرة.
وهنا، يجب الالتفات إلى تصريحات الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، بهذا الشأن، والذي حذر من مجتمع "قبائل" مشرذم يهدد الدولة اليهودية. وإزاء هذه الاحتمالات الواقعية، يقترح ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، أي الضفة الغربية، ومنح سكانها المواطنة.
وبحسب خبراء في الديمغرافيا وعلم الاجتماع، ستنعكس هذه التغيرات على الجيش الإسرائيلي، بحيث يرفض العرب والحريديم الخدمة فيه، ما يعني تحوله إلى جيش صغير ومهني أكثر، أي لن يبقى "جيش الشعب"، كما هو اليوم بنظر الإسرائيليين، إلى درجةٍ قد يتحول فيها، هو الآخر، إلى "قبيلة" رابعة أو خامسة في إسرائيل، أو إلى قطاع اجتماعي يحارب من أجل حقوقه ومصالحه الاقتصادية، خصوصاً أن العرب والحريديم هم من الشرائح الاقتصادية الضعيفة والفقيرة، والذين يتوقع أن "يثقلوا كاهل" الدولة الاجتماعي والاقتصادي.
لكن، ما يهمنا في هذا الصدد، هو الأثر السياسي لهذه التحولات، فعلى ما يبدو، يتجه المجتمع الإسرائيلي إلى مزيد من التطرف اليميني، وتحديدا إلى اليمين "الخلاصي"، ومزيد من المواقف الفاشية المعادية لكل ما هو عربي. ولا بأس من التذكير، هنا، إلى أن نسبة الضباط في الجيش في المستويات المتوسطة والعليا، والذين يحسبون على التيار الصهيوني المتدين، في ارتفاع لافت، وهم يحملون مواقف "خلاصية" معادية للعرب، ولا بأس في استحضار ما نشرته الصحافة العبرية في أثناء العدوان على غزة، في صيف 2014، حيث قال أحد الضباط لجنوده، قبل الدخول إلى أرض المعركة، إن حربهم دينية.
هناك من يسمي ذلك إسرائيل الثالثة، وهي يمينية متدينة وعصبية، ديمقراطية أقل ويهودية أكثر، وليس هذا التحول تنجيما في الغيب، بل إن بوادره حاضرة في راهننا، فحكومة نتنياهو الحالية هي حكومة يمين متطرف، سياسياً ودينياً، ركيزتها قائمة "البيت اليهودي" التي تحسب على اليمين الاستيطاني المتدين.
ليس من الواضح إن كانت ستبقى إسرائيل الملاذ الآمن لليهود، كل اليهود.
تناول الإجابة عن السؤال رئيس تحرير صحيفة هآرتس العبرية، ألوف بن، في مقالة نشرها يوم العاشر من سبتمبر/أيلول الماضي، في ملحق الصحيفة الاقتصادي (ذي ماركير)، ويذهب فيه إلى الجزم بأنه بعد أربع سنوات لن تكون إسرائيل العلمانية الديمقراطية الغربية على ما هي عليه اليوم، بل إنها تتجه أكثر إلى مجتمع "القبائل" أو الأقليات، وهي حسب قاموسه: اليهود الحريديم (المتزمتون) والمتدينون القوميون (التيار الصهيوني المتدين الاستيطاني) والعرب الفلسطينيون داخل إسرائيل.
ولتأكيد هذا الادعاء، يلفت بن إلى معطياتٍ، نشرتها دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، والتي تقول إنه، بعد أربع سنوات، ستتراجع نسبة طلاب الصفوف الأولى الابتدائية في المدارس الرسمية العلمانية (التيار الذي أسس إسرائيل والتيار المهيمن حتى اليوم) إلى 37.2%، في حين كانت نسبتهم قبل "سنوات جيل واحد" فقط تصل إلى 60%، ما يعني أن ثلثي الطلاب في الشريحة المذكورة سيكونون من طلاب جهاز الطلاب التابع للحريديم (المتدينون المتزمتون) وجهاز التعليم العربي، وجهاز التعليم التابع للمتدينين القوميين (التيار الاستيطاني) أو ما يعرف بالصهيونية المتدينة.
ويكتب بن، بدافع القلق على مصير إسرائيل ليس دولة يهودية، وإنما دولة غربية حديثة علمانية ليبرالية، أو ما يصطلح على تسميته "دولة تل أبيب". ويؤكد بن أن تفكك أو تآكل هذه النواة المركزية الصلبة التي أسست المشروع الصهيوني الاستيطاني في فلسطين هو أهم من كل القضايا الاقتصادية التي يجري الحديث عنها في الإعلام، مثل صفقة استخراج الغاز في البحر، وحتى أهم من الصفقة الغربية مع إيران. ويكتب أن هذه "القبائل" لن تختلط في ما بينها، وتفضل تجاهل بعضها الآخر، وأن تعيش بعزلة عن الآخرين، بمعنى أن "الهوية الإسرائيلية" لن تبقى موحدة.
وتؤكد معطيات إحصائية أخرى أن نسبة الولادة والزواج لدى العرب واليهود الحريديم والمتدينين القوميين أعلى من معدلها في أوساط اليهود العلمانيين، في موازاة تراجع الهجرة من الدول الأوروبية وأميركا، وارتفاع في نسبة العلمانيين الذين يهاجرون للغرب، للدراسة أو العمل سنوات طويلة.
تضع هذه التغيرات الديمغرافية إسرائيل أمام تحديات جدية، خصوصاً أن نصف طلاب الصفوف الأولى، أي العرب والحريديم، لا يتماثلون مع الرموز الصهيونية للدولة، ولا يردّدون النشيد الوطني الصهيوني (هتكفا)، كما أن تعريف إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية مرفوض لدى المواطنين العرب، ولدى الحريديم الذين سيشكلون نصف الصفوف الابتدائية الأولى بعد فترة قصيرة.
وهنا، يجب الالتفات إلى تصريحات الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، بهذا الشأن، والذي حذر من مجتمع "قبائل" مشرذم يهدد الدولة اليهودية. وإزاء هذه الاحتمالات الواقعية، يقترح ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، أي الضفة الغربية، ومنح سكانها المواطنة.
وبحسب خبراء في الديمغرافيا وعلم الاجتماع، ستنعكس هذه التغيرات على الجيش الإسرائيلي، بحيث يرفض العرب والحريديم الخدمة فيه، ما يعني تحوله إلى جيش صغير ومهني أكثر، أي لن يبقى "جيش الشعب"، كما هو اليوم بنظر الإسرائيليين، إلى درجةٍ قد يتحول فيها، هو الآخر، إلى "قبيلة" رابعة أو خامسة في إسرائيل، أو إلى قطاع اجتماعي يحارب من أجل حقوقه ومصالحه الاقتصادية، خصوصاً أن العرب والحريديم هم من الشرائح الاقتصادية الضعيفة والفقيرة، والذين يتوقع أن "يثقلوا كاهل" الدولة الاجتماعي والاقتصادي.
لكن، ما يهمنا في هذا الصدد، هو الأثر السياسي لهذه التحولات، فعلى ما يبدو، يتجه المجتمع الإسرائيلي إلى مزيد من التطرف اليميني، وتحديدا إلى اليمين "الخلاصي"، ومزيد من المواقف الفاشية المعادية لكل ما هو عربي. ولا بأس من التذكير، هنا، إلى أن نسبة الضباط في الجيش في المستويات المتوسطة والعليا، والذين يحسبون على التيار الصهيوني المتدين، في ارتفاع لافت، وهم يحملون مواقف "خلاصية" معادية للعرب، ولا بأس في استحضار ما نشرته الصحافة العبرية في أثناء العدوان على غزة، في صيف 2014، حيث قال أحد الضباط لجنوده، قبل الدخول إلى أرض المعركة، إن حربهم دينية.
هناك من يسمي ذلك إسرائيل الثالثة، وهي يمينية متدينة وعصبية، ديمقراطية أقل ويهودية أكثر، وليس هذا التحول تنجيما في الغيب، بل إن بوادره حاضرة في راهننا، فحكومة نتنياهو الحالية هي حكومة يمين متطرف، سياسياً ودينياً، ركيزتها قائمة "البيت اليهودي" التي تحسب على اليمين الاستيطاني المتدين.
ليس من الواضح إن كانت ستبقى إسرائيل الملاذ الآمن لليهود، كل اليهود.