01 يناير 2024
إسرائيل تغازل تركيا والعين على سورية
أدلت القائمة بأعمال السفارة الإسرائيلية في أنقرة، أميرو أورون، الأسبوع الماضي، بحديث لافت لصحيفة صباح، غازلت فيه تركيا بوضوح، وتماهت تقريباً مع النظرة التركية تجاه الأحداث والتطورات في المنطقة، وخصوصاً في سورية. وحتى في الملف الفلسطيني، حيَّدَت أورون الخلاف في ما يتعلق بحركة حماس، مبدية انفتاح حكومتها على التعاون مع السلطات التركية لتحسين الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، مما يعني قبولاً ضمنياً بموقف أنقرة الذي يربط تحسين العلاقات بين البلدين بعدة شروط؛ آخرها رفع الحصار عن القطاع الساحلي الصغير في فلسطين.
قالت الدبلوماسية الإسرائيلية الكبيرة والخبيرة بشؤون المنطقة، حسب توصيف موقع واللا ( 11أغسطس/آب) إن حكومتها ترغب في تطبيع العلاقات مع تركيا، بمجرد تشكيل حكومة ائتلافية، مع انتخابات مبكرة أو من دونها، ونوهت إلى أن من أوائل الأمور التي قام بها دوري غولد، مدير عام وزارة الخارجية الجديد، عند تسلمه منصبه، لقاؤه نظيره التركي، فريدون أوغلو، في روما، في يونيو/ حزيران الماضي، للتباحث في سبل تطبيع العلاقات.
ليس غولد دبلوماسياً عادياً؛ فهو الصديق والمستشار المقرب لرئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الذي يتولى رسمياً حقيبة الخارجية؛ مما يعني أنه الوزير الفعلي في ظل المواقف المتطرفة جداً، وحتى غير الدبلوماسية، التي تطرحها نائبة الوزير تسبيبي حوتوبيلي.
معروف أن أنقرة تطرح ثلاثة شروط لتطبيع العلاقات مع إسرائيل؛ تتمثل في الاعتذار عن جريمة أسطول الحرية، مايو/أيار 2010، والتعويض لشهدائها وجرحاها، إضافة إلى رفع الحصار عن غزة. وتم تقريباً تجاوز الشرطين الأولين، مع نقاش حول تفاصيل التعويض وآلياته، بينما يجري النقاش بشأن الشرط الثالث، والذي كان بمثابة العقدة في العلاقات منذ ذلك التاريخ.
ما قالته الدبلوماسية الإسرائيلية لا يأتي حتماً في السياق الدبلوماسي المُجَامِل؛ فقد جاء تأكيد قوي لكلامها من ياسين أقطاي، مستشار رئيس الوزراء ونائب رئيس حزب العدالة والتنمية، في قوله لصحيفة الرسالة الصادرة في غزة، ( 16 أغسطس/آب)، إن الحوارات التركية الإسرائيلية، لتجاوز جريمة الأسطول، وصلت إلى مراحلها النهائية، وقال أيضاً إن غزة تتجه نحو اتفاق شامل، في ما يتعلق برفع الحصار وفتح المعابر، مضيفاً أن القيادة التركية ناقشت مع قيادة حماس، الأسبوع الماضي، تعهدات تركية جديدة تتعلق بغزة، يُعتقد أنها ذات صلة بتوفير الضمانات للممر البحري، الذي سيربط بين ميناء غزة وشمال قبرص، وسيكون تحت رقابة دولية، تركية في جوهرها.
حرصت أورون، طوال المقابلة، على مغازلة تركيا، وقد أعلنت، بوضوح، رفضها الأعمال الإرهابية التي تعرضت لها البلاد، أخيراً، ودعمت بقوة حق أنقرة في الدفاع عن نفسها في مواجهة تلك الهجمات، وهو أمر مهم جداً ولافت، في هذا الوقت بالذات، خصوصاً في ضوء ما يشاع عن تنسيق إسرائيلي ما مع الحركات الكردية الانفصالية، وإعلان حزب الشعوب الديموقراطية، صراحة، تأييده علاقات جيدة مع إسرائيل، وإعطاء زعيمه، صلاح دمرطاش، الحق الحصري لليهود في القدس، بتصريحه الشهير: "ميدان تقسيم بالنسبة لنا كالكعبة عند المسلمين، والقدس عند اليهود".
بين الدولة التركية والحركات الانفصالية الكردية، ببعديها العسكري والسياسي، انحازت إسرائيل، كما الغرب، للدولة التركية، علماً بأن الدعم الغربي، وحتى الإسرائيلي، لتلك الحركات جاء في سياق ابتزاز أنقرة والضغط عليها للتساوق مع السياسات الغربية إلى هذه الدرجة، أو تلك، أو على الأقل عدم رفضها والاستعداد للتوصل إلى حلول وسط، كما كان الحل في الحرب ضد داعش.
كان حديث الدبلوماسية الإسرائيلية، بمجمله، لافتاً وحافلاً بالرسائل والمضامين، غير أن الأكثر أهمية تمحور في الجزء الخاص بسورية؛ كونها تبنت تماماً النظرة أو التوصيف التركي للواقع السوري، كما الأسلوب الأمثل لحل الأزمة في سورية.
قالت أورون عن حق، حتى لو أريد به باطل، أن الرئيس السوري بشار الأسد دمّر بلده، وقتل شعبه وشرّده، وأنه المسؤول الأول عما وصلت إليه الأمور في سورية، وأنه لا حلّ إلا برحيله نهائياً عن السلطة، هو ونظامه. غير أنها أضافت أن العلاقات بين تل أبيب وأنقرة لو كانت على مستوى جيد، ولو من ناحية التنسيق السياسي الدبلوماسي، لما وصلت الأمور في سورية إلى ما وصلت إليه.
واضح أن الدبلوماسية المجرّبة سعت إلى توصيل رسالة مفادها أن العلاقات الجيدة بين إسرائيل وتركيا ستكون من أسباب الاستقرار الإقليمي، وربما إنهاء الأزمة السورية التي باتت أحد عوامل القلق لأنقرة، وعلى كل المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، ومن جهة أخرى جعل بلادها أحد أسباب الاستقرار والأمن ولاعباً إقليمياً أساسياً، وليس العكس، أي أحد أسباب التوتر والأزمات في المنطقة.
قراءة المواقف التي طرحتها الدبلوماسية الإسرائيلية، ووضعها في سياق التطورات السياسية والأمنية العاصفة في المنطقة، تسمح لنا بالاستنتاج أن تل أبيب جادة في تحسين العلاقات مع أنقرة، وستسعى لتجاوز العقدة الفلسطينية، أو الغزاوية، لصالح التركيز على الملف الأهم لتل أبيب، أي الملف السوري.
تفهم تل أبيب أن أنقرة، وبعد انخراطها في الحرب ضد داعش، وتأسيس المنطقة الآمنة في الشمال، ستكون اللاعب الرئيسي، أو أحد اللاعبين الرئيسيين في رسم المستقبل، أو تحديد معالم سورية، في ما بعد الأسد، وهي تريد أن تكون على صلة وثيقة بالأحداث، كما لضمان أن لا تتأثر بالسلب من تغيير النظام الذي حافظ على الحدود الآمنة معها عقوداً، وهو أهم ما تبحث عنه تل أبيب في سورية الجديدة.
إضافة إلى تجاوز العزلة الإقليمية، وفتح قنوات اتصال دائمة مع الدول المهمة في المنطقة، لا تنظر إسرائيل الرسمية بارتياح إلى الاتفاق النووي الأميركي الإيراني، وهي تعتقد أن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، لا يمانع في استمرار طهران في سياستها الإقليمية التدميرية، أو حتى مكافأتها عليها، واعتبارها أحد عوامل الحل في سورية والعراق والمنطقة بشكل عام، والدولة العبرية تفهم أن تركيا، وعلى الرغم من حرصها على علاقة جيدة مع إيران، خصوصاً في السياق الاقتصادي، إلا أنها منزعجة، أيضاً، من المضمون أو التداعيات الإقليمية للاتفاق، وهو ما قد يخلق أرضية تعاون، أو حتى للتهدئة، بين البلدين في الحد الأدنى.
لا ترفض تركيا، من جهتها، من حيث المبدأ، تحسين العلاقات مع إسرائيل أو تطبيعها، لكنها تصر على التنفيذ الكامل لشروطها، وإذا ما التزمت إسرائيل فعلاً برفع الحصار عن غزة، ولو في سياق تفاهم غير مباشر مع حماس، فستكون أنقرة سعيدة، وستقوم بالمطلوب منها، سياسياً وأمنياً، لإنجاح التفاهم. أما في ما يتعلق بالتحالف، فهو مستبعد كلياً، بينما التنسيق أو الحوار حول قضايا سياسية واقتصادية، بما في ذلك فلسطين وسورية وغاز شرق المتوسط، فأمر آخر تبدو العاصمة التركية منفتحة تجاهه. لكن، كما دائماً، على قاعدة المصالح القومية التركية والقوانين والمواثيق الدولية وتغليب الحلول السلمية السياسية والدبلوماسية، علماً أن القضية الفلسطينية ستظل، دائماً، العائق الأساسي بين إسرائيل وتركيا، كما بين الدولة العبرية ودول كثيرة، ليس في المنطقة فقط، وإنما على مستوى العالم أيضاً.
قالت الدبلوماسية الإسرائيلية الكبيرة والخبيرة بشؤون المنطقة، حسب توصيف موقع واللا ( 11أغسطس/آب) إن حكومتها ترغب في تطبيع العلاقات مع تركيا، بمجرد تشكيل حكومة ائتلافية، مع انتخابات مبكرة أو من دونها، ونوهت إلى أن من أوائل الأمور التي قام بها دوري غولد، مدير عام وزارة الخارجية الجديد، عند تسلمه منصبه، لقاؤه نظيره التركي، فريدون أوغلو، في روما، في يونيو/ حزيران الماضي، للتباحث في سبل تطبيع العلاقات.
ليس غولد دبلوماسياً عادياً؛ فهو الصديق والمستشار المقرب لرئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الذي يتولى رسمياً حقيبة الخارجية؛ مما يعني أنه الوزير الفعلي في ظل المواقف المتطرفة جداً، وحتى غير الدبلوماسية، التي تطرحها نائبة الوزير تسبيبي حوتوبيلي.
معروف أن أنقرة تطرح ثلاثة شروط لتطبيع العلاقات مع إسرائيل؛ تتمثل في الاعتذار عن جريمة أسطول الحرية، مايو/أيار 2010، والتعويض لشهدائها وجرحاها، إضافة إلى رفع الحصار عن غزة. وتم تقريباً تجاوز الشرطين الأولين، مع نقاش حول تفاصيل التعويض وآلياته، بينما يجري النقاش بشأن الشرط الثالث، والذي كان بمثابة العقدة في العلاقات منذ ذلك التاريخ.
ما قالته الدبلوماسية الإسرائيلية لا يأتي حتماً في السياق الدبلوماسي المُجَامِل؛ فقد جاء تأكيد قوي لكلامها من ياسين أقطاي، مستشار رئيس الوزراء ونائب رئيس حزب العدالة والتنمية، في قوله لصحيفة الرسالة الصادرة في غزة، ( 16 أغسطس/آب)، إن الحوارات التركية الإسرائيلية، لتجاوز جريمة الأسطول، وصلت إلى مراحلها النهائية، وقال أيضاً إن غزة تتجه نحو اتفاق شامل، في ما يتعلق برفع الحصار وفتح المعابر، مضيفاً أن القيادة التركية ناقشت مع قيادة حماس، الأسبوع الماضي، تعهدات تركية جديدة تتعلق بغزة، يُعتقد أنها ذات صلة بتوفير الضمانات للممر البحري، الذي سيربط بين ميناء غزة وشمال قبرص، وسيكون تحت رقابة دولية، تركية في جوهرها.
حرصت أورون، طوال المقابلة، على مغازلة تركيا، وقد أعلنت، بوضوح، رفضها الأعمال الإرهابية التي تعرضت لها البلاد، أخيراً، ودعمت بقوة حق أنقرة في الدفاع عن نفسها في مواجهة تلك الهجمات، وهو أمر مهم جداً ولافت، في هذا الوقت بالذات، خصوصاً في ضوء ما يشاع عن تنسيق إسرائيلي ما مع الحركات الكردية الانفصالية، وإعلان حزب الشعوب الديموقراطية، صراحة، تأييده علاقات جيدة مع إسرائيل، وإعطاء زعيمه، صلاح دمرطاش، الحق الحصري لليهود في القدس، بتصريحه الشهير: "ميدان تقسيم بالنسبة لنا كالكعبة عند المسلمين، والقدس عند اليهود".
بين الدولة التركية والحركات الانفصالية الكردية، ببعديها العسكري والسياسي، انحازت إسرائيل، كما الغرب، للدولة التركية، علماً بأن الدعم الغربي، وحتى الإسرائيلي، لتلك الحركات جاء في سياق ابتزاز أنقرة والضغط عليها للتساوق مع السياسات الغربية إلى هذه الدرجة، أو تلك، أو على الأقل عدم رفضها والاستعداد للتوصل إلى حلول وسط، كما كان الحل في الحرب ضد داعش.
كان حديث الدبلوماسية الإسرائيلية، بمجمله، لافتاً وحافلاً بالرسائل والمضامين، غير أن الأكثر أهمية تمحور في الجزء الخاص بسورية؛ كونها تبنت تماماً النظرة أو التوصيف التركي للواقع السوري، كما الأسلوب الأمثل لحل الأزمة في سورية.
قالت أورون عن حق، حتى لو أريد به باطل، أن الرئيس السوري بشار الأسد دمّر بلده، وقتل شعبه وشرّده، وأنه المسؤول الأول عما وصلت إليه الأمور في سورية، وأنه لا حلّ إلا برحيله نهائياً عن السلطة، هو ونظامه. غير أنها أضافت أن العلاقات بين تل أبيب وأنقرة لو كانت على مستوى جيد، ولو من ناحية التنسيق السياسي الدبلوماسي، لما وصلت الأمور في سورية إلى ما وصلت إليه.
واضح أن الدبلوماسية المجرّبة سعت إلى توصيل رسالة مفادها أن العلاقات الجيدة بين إسرائيل وتركيا ستكون من أسباب الاستقرار الإقليمي، وربما إنهاء الأزمة السورية التي باتت أحد عوامل القلق لأنقرة، وعلى كل المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، ومن جهة أخرى جعل بلادها أحد أسباب الاستقرار والأمن ولاعباً إقليمياً أساسياً، وليس العكس، أي أحد أسباب التوتر والأزمات في المنطقة.
قراءة المواقف التي طرحتها الدبلوماسية الإسرائيلية، ووضعها في سياق التطورات السياسية والأمنية العاصفة في المنطقة، تسمح لنا بالاستنتاج أن تل أبيب جادة في تحسين العلاقات مع أنقرة، وستسعى لتجاوز العقدة الفلسطينية، أو الغزاوية، لصالح التركيز على الملف الأهم لتل أبيب، أي الملف السوري.
تفهم تل أبيب أن أنقرة، وبعد انخراطها في الحرب ضد داعش، وتأسيس المنطقة الآمنة في الشمال، ستكون اللاعب الرئيسي، أو أحد اللاعبين الرئيسيين في رسم المستقبل، أو تحديد معالم سورية، في ما بعد الأسد، وهي تريد أن تكون على صلة وثيقة بالأحداث، كما لضمان أن لا تتأثر بالسلب من تغيير النظام الذي حافظ على الحدود الآمنة معها عقوداً، وهو أهم ما تبحث عنه تل أبيب في سورية الجديدة.
إضافة إلى تجاوز العزلة الإقليمية، وفتح قنوات اتصال دائمة مع الدول المهمة في المنطقة، لا تنظر إسرائيل الرسمية بارتياح إلى الاتفاق النووي الأميركي الإيراني، وهي تعتقد أن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، لا يمانع في استمرار طهران في سياستها الإقليمية التدميرية، أو حتى مكافأتها عليها، واعتبارها أحد عوامل الحل في سورية والعراق والمنطقة بشكل عام، والدولة العبرية تفهم أن تركيا، وعلى الرغم من حرصها على علاقة جيدة مع إيران، خصوصاً في السياق الاقتصادي، إلا أنها منزعجة، أيضاً، من المضمون أو التداعيات الإقليمية للاتفاق، وهو ما قد يخلق أرضية تعاون، أو حتى للتهدئة، بين البلدين في الحد الأدنى.
لا ترفض تركيا، من جهتها، من حيث المبدأ، تحسين العلاقات مع إسرائيل أو تطبيعها، لكنها تصر على التنفيذ الكامل لشروطها، وإذا ما التزمت إسرائيل فعلاً برفع الحصار عن غزة، ولو في سياق تفاهم غير مباشر مع حماس، فستكون أنقرة سعيدة، وستقوم بالمطلوب منها، سياسياً وأمنياً، لإنجاح التفاهم. أما في ما يتعلق بالتحالف، فهو مستبعد كلياً، بينما التنسيق أو الحوار حول قضايا سياسية واقتصادية، بما في ذلك فلسطين وسورية وغاز شرق المتوسط، فأمر آخر تبدو العاصمة التركية منفتحة تجاهه. لكن، كما دائماً، على قاعدة المصالح القومية التركية والقوانين والمواثيق الدولية وتغليب الحلول السلمية السياسية والدبلوماسية، علماً أن القضية الفلسطينية ستظل، دائماً، العائق الأساسي بين إسرائيل وتركيا، كما بين الدولة العبرية ودول كثيرة، ليس في المنطقة فقط، وإنما على مستوى العالم أيضاً.