10 نوفمبر 2024
إخوان الأردن والطريق البراغماتي
منذ عامين وجماعة الإخوان المسلمين الأمّ في الأردن (هناك جمعية جديدة حازت على الترخيص القانوني باسم الإخوان المسلمين، وأخذت الشرعية القانونية من الجماعة) مع ذراعها السياسي، حزب جبهة العمل الإسلامي، يحاولان تجاوز المرحلة الراهنة، والعودة القوية إلى اللعبة السياسية.
شملت المحاولات العودة إلى المشاركة في الانتخابات النيابية والبلدية واللا مركزية في أغسطس/ آب الماضي، وتدوير الزوايا الحادة في خطاب الحركة، ومحاولة إيجاد قنوات "تفاهم" خلفية مع المؤسسات المعنية برسم السياسة تجاه الإسلاميين في الدولة، كالقصر والدوائر الأمنية، لطيّ صفحة السنوات الخمس التي بدأت منذ لحظة الربيع العربي 2011 واستمرت إلى 2016، وكانت عجافاً في علاقتهم بالنظام، فخسروا الشرعية القانونية للجماعة، ودخلوا في مربعات معقدة وصعبة على الصعيد السياسي.
يقع في خلفية التوجهات الجديدة للإخوان، وحزبهم الإسلامي، قناعة مهمة، وصلوا إليها متآخرين، أنّ الظروف الإقليمية تغيرت، وأنّ الرهانات على الربيع العربي لتغيير قواعد اللعبة في الأردن فشلت، وأنّ البقاء تحت طائلة الأزمة العاطفية لما حدث في مصر بعد الانقلاب العسكري 2013 لم يعد مجدياً، والأهم من هذا وذاك الاعتراف بأنّ الطريق البراغماتي الذي اختاره إسلاميو تونس والمغرب هو الذي أتى أكله ونجح على الأقل في الحد من الخسائر والأضرار.
عزّزت من قناعة الإخوان الأردنيين جملة من المتغيرات والتطورات، أهمّها الوثيقة السياسية الجديدة لحركة حماس الفلسطينية، واستدارات الحركة، والتي مسّت ما كان يمثّل خطوطاً حمراء لديها، أو كان بمثابة مسار استراتيجي، تعيد اليوم "حماس" النظر فيه، من أجل البقاء والنجاة من حبل المشنقة الذي يلتف حولها.
حتى الإخوان المسلمين في مصر، هنالك مراجعات عميقة على صعيد الجناح الشبابي الكمالي، برز في مراجعات جريئة جديدة مهمة، حملت نقداً ذاتياً عميقاً لتجربة الإخوان وأخطائهم. وإذا كان الجميع يتعلّم الدروس، ويراجع نفسه؛ فلماذا إذاً يبقى إسلاميو الأردن خارج هذه الدائرة، وهم يحتاجون فعلاً لهذه المراجعة والتقييم والتقويم وإعادة النظر؟
بصورة غير مباشرة، وبلغة مختلفة قليلاً، كانت المفاهيم المفتاحية والأفكار الرئيسة التي ألمح إليها أحد أبرز قادة الحركة الإسلامية اليوم، زكي بني ارشيد، الذي سرّب أخيرا مضامين ورقة يدافع فيها عن فكرة المراجعة، وتدعو إلى المضي في فصل الدعوي عن السياسي، وتحرير جبهة العمل الإسلامي من سلطة الإخوان المسلمين، وإعادة مناقشة مفهوم المواطنة والاعتراف والقبول بالتعددية الدينية والسياسية والثقافية، وإلى إعادة فتح باب التفاوض والحوار مع الدولة، لتكييف الأوضاع القانونية للحركة الإسلامية، والتفاهم على ترسيم قواعد اللعبة بين الطرفين من جديد.
ليست هذه المرة الأولى التي يبادر فيها بني ارشيد إلى محاولة إعادة ترسيم مسار الحركة الإسلامية في الأردن، فمنذ خروجه من السجن (سجن لمنشور على صفحته على "فيسبوك" انتقد سياسات الإمارات)، وهو في نشاط مستمر وحراك دائم، لكن في مسار يبدو لكثيرين، حتى المقربين منه، مختلفاً عما سبق، وكأنّه، وهو من كان يعد من صقور الإسلاميين، أصبح مهندساً للتحول البراغماتي والفكري الجديد.
لم يرق هذا التحول لقيادات الصقور الذين يمسكون بمقاليد القيادة، وحتى لمقربين لبني ارشيد، لكنه نجح في التأثير على خط الشباب في الجماعة والجبهة، وضمّهم إلى مواقفه الجديدة، فقاد عودة الحركة إلى الانتخابات عبر تأسيس "التحالف الوطني للإصلاح"، مع آخرين ومستقلين، ثم قدم مقاربةً مختلفة عن الخطاب العام للجماعة في موضوعة الدولة المدنية، مؤكداً القبول بها، ما أثار خلافات وردودا داخلية، وها هو اليوم يشتبك مع الخطوط الحمراء من جديد!
ليس الطريق معبّداً تماماً أمام خط بني ارشيد، المتأثر بزعيم حركة النهضة التونسية، راشد الغنوشي، بعد أن اختفى بني ارشيد المتأثر بالصقور، فهناك تحدياتٌ عميقةٌ في أوساط الجماعة، بخاصة أنّ التيار الذي يفترض أن يدعمه أضحى في أغلبه خارج الجماعة، مطروداً أو مستقيلاً، والمقصود الحمائم الذين ساهم بني ارشيد نفسه في إبعادهم وتشويه صورتهم، كما أنّ هناك شكوكاً في تقبل الدولة للرجل.
مع ذلك، يبدو الخيار الجديد استراتيجياً وعميقاً، ويسانده فيه قادة من الجماعة ممن أصبحوا يدركون أنّ الخيارات السابقة أصبحت غير سالكة ومكلفة جداً.
شملت المحاولات العودة إلى المشاركة في الانتخابات النيابية والبلدية واللا مركزية في أغسطس/ آب الماضي، وتدوير الزوايا الحادة في خطاب الحركة، ومحاولة إيجاد قنوات "تفاهم" خلفية مع المؤسسات المعنية برسم السياسة تجاه الإسلاميين في الدولة، كالقصر والدوائر الأمنية، لطيّ صفحة السنوات الخمس التي بدأت منذ لحظة الربيع العربي 2011 واستمرت إلى 2016، وكانت عجافاً في علاقتهم بالنظام، فخسروا الشرعية القانونية للجماعة، ودخلوا في مربعات معقدة وصعبة على الصعيد السياسي.
يقع في خلفية التوجهات الجديدة للإخوان، وحزبهم الإسلامي، قناعة مهمة، وصلوا إليها متآخرين، أنّ الظروف الإقليمية تغيرت، وأنّ الرهانات على الربيع العربي لتغيير قواعد اللعبة في الأردن فشلت، وأنّ البقاء تحت طائلة الأزمة العاطفية لما حدث في مصر بعد الانقلاب العسكري 2013 لم يعد مجدياً، والأهم من هذا وذاك الاعتراف بأنّ الطريق البراغماتي الذي اختاره إسلاميو تونس والمغرب هو الذي أتى أكله ونجح على الأقل في الحد من الخسائر والأضرار.
عزّزت من قناعة الإخوان الأردنيين جملة من المتغيرات والتطورات، أهمّها الوثيقة السياسية الجديدة لحركة حماس الفلسطينية، واستدارات الحركة، والتي مسّت ما كان يمثّل خطوطاً حمراء لديها، أو كان بمثابة مسار استراتيجي، تعيد اليوم "حماس" النظر فيه، من أجل البقاء والنجاة من حبل المشنقة الذي يلتف حولها.
حتى الإخوان المسلمين في مصر، هنالك مراجعات عميقة على صعيد الجناح الشبابي الكمالي، برز في مراجعات جريئة جديدة مهمة، حملت نقداً ذاتياً عميقاً لتجربة الإخوان وأخطائهم. وإذا كان الجميع يتعلّم الدروس، ويراجع نفسه؛ فلماذا إذاً يبقى إسلاميو الأردن خارج هذه الدائرة، وهم يحتاجون فعلاً لهذه المراجعة والتقييم والتقويم وإعادة النظر؟
بصورة غير مباشرة، وبلغة مختلفة قليلاً، كانت المفاهيم المفتاحية والأفكار الرئيسة التي ألمح إليها أحد أبرز قادة الحركة الإسلامية اليوم، زكي بني ارشيد، الذي سرّب أخيرا مضامين ورقة يدافع فيها عن فكرة المراجعة، وتدعو إلى المضي في فصل الدعوي عن السياسي، وتحرير جبهة العمل الإسلامي من سلطة الإخوان المسلمين، وإعادة مناقشة مفهوم المواطنة والاعتراف والقبول بالتعددية الدينية والسياسية والثقافية، وإلى إعادة فتح باب التفاوض والحوار مع الدولة، لتكييف الأوضاع القانونية للحركة الإسلامية، والتفاهم على ترسيم قواعد اللعبة بين الطرفين من جديد.
ليست هذه المرة الأولى التي يبادر فيها بني ارشيد إلى محاولة إعادة ترسيم مسار الحركة الإسلامية في الأردن، فمنذ خروجه من السجن (سجن لمنشور على صفحته على "فيسبوك" انتقد سياسات الإمارات)، وهو في نشاط مستمر وحراك دائم، لكن في مسار يبدو لكثيرين، حتى المقربين منه، مختلفاً عما سبق، وكأنّه، وهو من كان يعد من صقور الإسلاميين، أصبح مهندساً للتحول البراغماتي والفكري الجديد.
لم يرق هذا التحول لقيادات الصقور الذين يمسكون بمقاليد القيادة، وحتى لمقربين لبني ارشيد، لكنه نجح في التأثير على خط الشباب في الجماعة والجبهة، وضمّهم إلى مواقفه الجديدة، فقاد عودة الحركة إلى الانتخابات عبر تأسيس "التحالف الوطني للإصلاح"، مع آخرين ومستقلين، ثم قدم مقاربةً مختلفة عن الخطاب العام للجماعة في موضوعة الدولة المدنية، مؤكداً القبول بها، ما أثار خلافات وردودا داخلية، وها هو اليوم يشتبك مع الخطوط الحمراء من جديد!
ليس الطريق معبّداً تماماً أمام خط بني ارشيد، المتأثر بزعيم حركة النهضة التونسية، راشد الغنوشي، بعد أن اختفى بني ارشيد المتأثر بالصقور، فهناك تحدياتٌ عميقةٌ في أوساط الجماعة، بخاصة أنّ التيار الذي يفترض أن يدعمه أضحى في أغلبه خارج الجماعة، مطروداً أو مستقيلاً، والمقصود الحمائم الذين ساهم بني ارشيد نفسه في إبعادهم وتشويه صورتهم، كما أنّ هناك شكوكاً في تقبل الدولة للرجل.
مع ذلك، يبدو الخيار الجديد استراتيجياً وعميقاً، ويسانده فيه قادة من الجماعة ممن أصبحوا يدركون أنّ الخيارات السابقة أصبحت غير سالكة ومكلفة جداً.