أين رجال الدولة في الأردن؟
هو السؤال نفسه يتكرّر اليوم بعد عامين، تقريباً، على طرحه من ملك الأردن، عبدالله الثاني، (بداية 2018)، عندما تساءل، في لقائه مع إعلاميين، عن غياب رجال الدولة والسياسيين والمسؤولين السابقين، ليعود إليه كثيرون مع الأزمة الحالية اليوم (أزمة المعلمين)، لكنّه لم يعد يقتصر على رجال الدولة والمسؤولين، بل أصبح يُطرح على صعيد النخب السياسية عموماً، والقوى السياسية والحزبية، الذين تواروا عن المشهد.
ليست أزمة المعلمين وحدها التي تستدعي حواراً ونقاشاً وطنياً، بل جملة من المتغيرات الإقليمية والمحلية المفصلية، كصفقة القرن وتداعياتها، وما يحدث في المنطقة، وتداعيات فيروس كورونا، والأوضاع الاقتصادية - الاجتماعية والسياسية، فيما تبدو الحالة السياسية، عموماً، في ركود غير مفهوم!
لماذا لا نجد حواراً وطنياً عميقاً اليوم في هذه الملفات المؤثرة والمهمة؟ وأين هي النخب السياسية، هل غابت أم غيّبت؟ ولماذا لا نتناقش ونختلف؟ وأين الأصوات العقلانية الواقعية التي تسعى في حل أزمة المعلّمين التي ما تزال منذ أسابيع تشغل الشارع الأردني، مع المسيرات والمظاهرات التي يقوم بها المعلمون في أغلب المحافظات، وهم شريحة اجتماعية عريضة، تمثل طبقة كبيرة من المجتمع؟ لماذا يبدو المشهد وكأنّ الجميع ينظر ويراقب فقط. وإذا كان هنالك حديث فهو أقرب إلى التمتمات والهمسات، مع هذا الطرف أو ذاك، لا حواراً ونقاشاً واضحاً للخروج من الوضع الراهن؟ وإذا كان هنالك حظر للنشر في الجانب القضائي من الأزمة، فأين الجانب السياسي والمجتمعي منها؟
لا يقتصر الأمر على غياب الصوت المعارض سياسياً، بل حتى المؤيد الذي يحمل رواية الدولة غير موجود أيضاً، وهذا الخطير في الأمر، لأنّه مناخ ملائم تماماً لنمو سوق الشائعات والروايات المستندة إلى تكهنات وتحليلات مسكونة بعقلية المؤامرة، ما يجعل الجميع خاسراً.
المفارقة أنّ الحظر الإعلامي لم يمنع جيل الشباب من المشاركة والنشاط الإلكتروني، وأصبحنا في حالة أشبه بالحرب الإعلامية والنفسية الداخلية بين مؤيدي إجراءات الدولة ضد نقابة المعلمين والطرف الآخر الذي أظهر نشاطاً وخروجاً عن السقف التقليدي في الخطاب. ويلاحظ، أيضاً، أنّ غياب القوى السياسية المنظّمة عن الشارع أطلق، مرّة أخرى، العنان للحراكيْن، السياسي والشعبي، فلا تملك أي وصفة سياسية اليوم أن ترغم الجميع على الصمت، ولا أي قانون أو قرارات تستطيع إجبار "اللاعبين الجدد" من الناشطين في "السوشال ميديا" والشارع على الانزواء بعيداً والحديث في أمور أخرى، خارج سياق الملفات الساخنة.
تحتاج اليوم الدولة، أكثر من أيّ وقت مضى، أن تقيم حواراً وطنياً سياسياً بعيداً عن مناخات التأزيم والتخوين والترهيب المتبادل، وأن تعود إلى أن تمسك بزمام المبادرة. الدرس المهم والكبير مما يحدث حولنا في المنطقة أنّ مجابهة التحدّيات ومصادر التهديد الداخلية والخارجية يتطلب شرطاً أساسياً يتمثل بجبهة داخلية صلبة وقوية ومتماسكة، ما يستدعي، بدوره، دوراً فاعلاً للنخب والقوى السياسية والمجتمعية، وإدماج اللاعبين الجدد في المجال السياسي التمثيلي، حتى لا يبقى "الشارع" الخيار الوحيد أمامهم.
في الأثناء، وبمناسبة اليوم العالمي للشباب، فلنتذكر أنّ موضوع الشباب أصبح، بحدّ ذاته، أحد أبرز الملفات الوطنية، مع تنامي أزمة البطالة وتدحرجها إلى معدلاتٍ غير مسبوقة، وتشكّل طبقة جديدة من القيادات الشبابية التي لم تجد أطراً سياسية أو حزبية تحتويها، وما تزال تعيش في حالةٍ من الضبابية، تنظر إلى المستقبل بقلق شديد، من دون أن يكون لها تمثيل في النظام السياسي لتعبر عن هواجسها وطموحاتها ورؤيتها في سياسات مواجهة الأزمات والمشكلات التي تعاني هي منها أكثر من غيرها!
قد يبدو موضوع الشباب، في أحد جوانبه، اقتصادياً، مرتبطاً بالحقوق الأساسية في العمل والمهنة والحياة الكريمة، لكنّ ذلك لا يمكن أن ينفصل، بأي حال، عن الجانب السياسي، لأنّ هذا الجيل أيضاً يتوق إلى أن يساهم في رسم مستقبله ومستقبل بلاده.
يفترض أن تكون هنالك ورشة وطنية واسعة لمناقشة اللحظة الانتقالية الراهنة، لا حالة صمت، فأين رجال الدولة الذين يدفعون بهذا الاتجاه، ويحرّكون المياه الراكدة؟