كلما عاد الحديث عن الحزب الإسلامي وزعيمه قلب الدين حكمتيار تبادر إلى أذهان الأفغان ويلات الحروب الأهلية الدامية التي شهدتها أفغانستان، بعيد هزيمة القوات السوفياتية، وانهيار الحكومة الموالية لها في ثمانينيات القرن الماضي. كان الحزب أحد أطراف تلك الحروب. لكن على الضفة الأخرى، بات معروفاً أن الطرف الثاني هو جزء من الحكومة الأفغانية منذ 2001 بعد سقوط حكومة "طالبان". ولا يزال هؤلاء في مراكز سيادية كمنصب الرئيس التنفيذي الذي يشغله عبد الله عبد الله، ووزارة الخارجية التي يشغلها صلاح الدين رباني نجل الرئيس الأسبق برهان الدين رباني أكبر المعارضين لحكمتيار آنذاك.
لذا، فإن المعادلة التي يطرحها البعض هي أن الحزب الإسلامي وقائده قلب الدين حكمتيار الذي يوشك على توقيع اتفاقية الصلح مع الحكومة الأفغانية، ارتكب جرائم الحرب ولا مسوغ لإدخاله في المنظومة السياسية، بل لا بد من ملاحقته قانونياً. هي معادلة ناقضتها القوات الدولية والأميركية بإدخال قادة تلك الحروب في الحكومات الأفغانية المتعاقبة منذ سقوط "طالبان".
قبل العيد بيوم واحد، أصدر الحزب بياناً منسوباً لقائده حكمتيار يتحدث فيه الرجل حول الكثير من مجريات البلد، ولكن بأسلوب هادئ مرن، صبّ جل اهتمامه على المصالحة، داعياً إلى جهود مشتركة لتقوية النظام ونبذ العنف. كما أكد في جزء من البيان أن الحزب توصل إلى اتفاقية مع الحكومة، وكان التوقيع عليها وشيكاً، إلا أن الحكومة أرجأت ذلك بسبب الخلافات الداخلية.
الإيحاءات والإشارات الرسمية كلها كانت تؤكد أن الرئيس التنفيذي عبد الله عبد الله، منافس رئيس الجمهورية أثناء الانتخابات الرئاسية عام 2013، هو المناهض لدخول الحزب الإسلامي إلى العملية السياسية. وهو ما أكده مصدر مقرب من الرئاسية الأفغانية خلال حديثه مع "العربي الجديد"، قائلاً إن "عبد الله عارض بعض مواد الاتفاقية، بعد توافق الطرفين على توقيعها قبيل العيد". وأوضح أن عبد الله وأنصاره من جبهة الشمال أو الجمعية الإسلامية التي يقودها وزير الخارجية صلاح الدين رباني يحاولون إبعاد الحزب الإسلامي من الحكومة، ومن المسار السياسي في البلاد.
أما سبب هذه المحاولات لإبعاده معروف، وهو العداء الطويل بين الحزب والجمعية الإسلامية التي ظلّ يقودها برهان الدين رباني حتى سقوط "طالبان"، إذ وقفت الجمعية مع الحكومة أما الحزب الإسلامي اختار مناوأة الأجانب، وأعلن الكفاح المسلح ضد القوات الأميركية والدولية والأفغانية. بيد أن ذلك العداء ليس السبب الوحيد، بل إن المعارضين للمصالحة بين الحزب والحكومة يخشون من تقويض نفوذهم العسكري والسياسي داخل الحكومة والمؤسسات العسكرية، لا سيما أن الحزب متغلل في صفوف الحكومة، وإن كان على مستوى أقل.
المصالحة مع الحزب لن تنفع الرئيس في تقوية جبهته ضد معارضيه، بل إنها ستجمع الكثير من السياسيين والجهاديين، وستشكل قوة تعارض جبهة الشمال التي كانت وحدها تدعي أنها تمثل التيار الجهادي داخل الحكومة الأفغانية. إذا، دخول الحزب إلى كابول يعتبر تهديداً مباشراً لتلك الجبهة التي تعاني من تصدعات داخلية حادة، وتفتقر إلى قيادة توحد صفوفهم. إضافة إلى ذلك، المصالحة مع الحزب ستشجع الكثير من قيادات طالبان على الدخول إلى المنظومة السياسية، وهو ما عبّر عنه القيادي السابق في الحركة الملا معتصم أغا جان، في بيان له، بمناسبة عيد الأضحى قائلاً، إن قيادات في طالبان يتواصلون معه لأجل الوساطة بينهم وبين الحكومة الأفغانية.
كما أجبرت السلطات الإيرانية حكمتيار على الخروج من البلاد، بعدما لجأ إليها إثر دخول القوات الأميركية إلى أفغانستان. وحكمتيار ذكر في كتاباته أن السلطات الإيرانية كانت تنوي اغتياله بالتنسيق مع الأميركيين، كما فعلت مع الملا أختر منصور بعدما خرج من إيران، لكنه غير الطريق ودخل أفغانستان من خلال الجبال، وأفشل المخطط الإيراني. من هنا، فإن إيران لن ترضى بدخول الحزب الإسلامي إلى المنظومة السياسية، ما سيؤثر مباشرة على نفوذ الأحزاب الشيعية في أفغانستان، إضافة إلى تأثيره على الوضع الأمني في البلاد.
وكان قلب الدين حكمتيار أحد قادة الجهاد الذين حملوا السلاح ضد الحكومة الشيوعية الموالية للروس، وكان زعيم الحزب الإسلامي، أحد الأحزاب الجهادية السبعة التي كانت قد اتخذت من باكستان مقرا لها قبل انهيار حكومة نجيب الله الموالية للروس. ومع دخول المجاهدين إلى كابول، استفحلت الخلافات الداخلية بين المجاهدين ما أدى إلى حروب دامية، كان أحد أطرافها الحزب الإسلامي، والتي انتهت بظهور "طالبان" وسيطرتها على كابول عام 1995. ومنذ ذلك الحين، يُعد الحزب الإسلامي أحد الأحزاب القتالية ضد القوات الأميركية والأفغانية.