يجلس مستندًا إلى حجر بجوار مدخل ورشة الميكانيك التي يعمل فيها، يرتاح قليلًا ويلتقط أنفاسه بعد يوم من العمل الشاق. تبدو علامات الإرهاق والتعب على وجه صابر الذي لم يتجاوز الثلاثة عشرة عامًا، ورغم ذلك يحرص على صيام شهر رمضان.
الطفل المصري صابر، ترك الدراسة منذ عام تقريبًا، وحين سألناه عن الأسباب ردّ ضاحكًا وقال: "لازم أساعد والدي في المصاريف عشان العيشة بقت صعبة، وأبويا غلبان راجل على باب الله يوم معاه وعشرة لأ، وأنا أكبر إخواتي عشان كدا لازم أنزل وأساعد". وأضاف "كل واحد مننا في البيت بيحاول، أمي ساعات تروح السوق وتجيب شوية خضار تنظفهم وتبعهم للستات اللي بتكسل، أو اللي بيرجعوا من شغلهم متأخر، وأخويا الصغير بيساعدها في توصيل الطلبات، أهي العيشة ماشية".
صابر الذي لم يعرف يومًا معنى أن يستيقظ من النوم في الوقت الذي يرغب فيه، أو يخرج للتنزه مع أصدقائه في المولات الكبيرة أو مدينة الملاهي، أقصى ما يحلم به هو الحفاظ على الجنيهات القليلة التي يحصل عليها من الأسطى صاحب الورشة، والبقشيش من بعض الزبائن.
وأوضح صابر لـ"العربي الجديد" أن "أكتر حاجة بتفرحني لما بجري على البيت أدي الفلوس لأمي، وتدعيلي بصوت عالي. أصل أمي ست شقيانة طول عمرها ونفسي أريحها، وفي آخر مرة قالتلي أنها حوشت قرشين وهتروح وكالة البلح تشتريلي حاجة جديدة ألبسها في العيد". وضحكت عيناه الصغيرتان حين قال: "أصلي من زمان ما لبستش حاجة جديدة في العيد".
صابر واحد من أكثر من 3 ملايين طفل يعملون في مصر، وذلك بحسب أحدث إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الذي قدّر نسبتهم بنحو 26.4 في المائة من إجمالي الأطفال منتصف عام 2013. وهو من الأطفال الذين يعيشون ظروفًا صعبة، ويضطرون إلى العمل الذي يكون شاقًا في بعض الأحيان، ويُحرمون من فرص التعليم.
وبحسب جهاز الإحصاء بلغت نسبة المتسربين من التعليم في المرحلة الابتدائية 0.34 في المائة في مصر، في حين بلغت في المرحلة الإعدادية 6 في المائة، بين عامي 2010 و2012.
وأكد الجهاز أن نسبة الأطفال العاملين من الفئة العمرية بين 5 و17 عاماً بلغت 9.3 في المائة، في حين أن 61.9 في المائة من إجمالي الأطفال العاملين يعملون لدى أسرهم من دون أجر. وأشار الجهاز إلى أن 40 في المائة من الأطفال العاملين لم يلتحقوا بالتعليم بسبب ارتفاع النفقات التعليم وعدم كفاية دخل الأسرة، وأن 40.9 في المائة منهم توقفوا بعض الوقت عن المدرسة والعمل بسبب إصابات العمل، مقابل 2.4 في المائة توقفوا تمامًا عن العمل والمدرسة.
ولفت الجهاز إلى أن نسبة الأطفال الفقراء تبلغ 26.4 في المائة، ونسبة الأطفال الفقراء المحرومين من المأوى 13.5 في المائة، والمحرومين من الصرف الصحي 7 في المائة، و3.6 في المائة بلا مياه نقية، أما نسبة 11.8 فهم محرومون من الغذاء، و4.9 في المائة من التعليم.
وبحسب منظمات أهلية يوجد في مصر 3 ملايين طفل يبلغ متوسط ساعات عملهم 9 ساعات يومياً، ويعملون في أعمال قاسية بمخالفة القوانين والمواثيق الدولية. منهم 83 في المائة يعملون في الريف مقابل 16 في المائة في المدن. وإن 78 في المائة من هؤلاء العاملين من الذكور و21 في المائة من الإناث.
ووفقاً للدراسات الإحصائية الصادرة عن مركز الطفل العامل، فإن حجم عمالة الأطفال الذي يبلغ نحو 3 ملايين عامل، يمثل ثلث الشريحة العمرية الموجودة في التعليم الأساسي.
وتنص المادة 80 من الدستور المصري على أنه "يعد طفلاً كل من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، ولكل طفل الحق في اسم وأوراق ثبوتية، وتطعيم إجباري مجاني، ورعاية صحية وأسرية بديلة، وتغذية أساسية، ومأوى آمن، وتربية دينية، وتنمية وجدانية ومعرفية". وتنص على "أن تلتزم الدولة برعاية الطفل وحمايته من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسي والتجاري (...)، ولكل طفل الحق في التعليم المبكر في مركز للطفولة حتى السادسة من عمره، ويحظر تشغيل الطفل قبل تجاوزه سن إتمام التعليم الأساسي، كما يحظر تشغيله في الأعمال التي تعرضه للخطر".