أسرار من أروقة أستانة: دبلوماسية موائد ومحاولات اختراق

27 يناير 2017
رئيس وفد المعارضة محمد علوش في أستانة(إلياس عمروف/فرانس برس)
+ الخط -



لم تكن مفاوضات أستانة بين المعارضة السورية المسلحة والنظام، التي عقدت يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين في العاصمة الكازاخستانية أستانة، محطة عابرة في مسيرة الثورة السورية، بل كانت مفصلاً مهماً، وفرصة للمعارضة السورية المسلحة لتأكيد الثوابت، ورفض الوصاية، وتقديم أداء سياسي مختلف. وفد المعارضة السورية المسلحة الذي وصل أستانة من أنقرة على دفعتين، كان يدرك جسامة المهمة، وأن مواجهة النظام وحلفائه على طاولات التفاوض لا تقل ضراوة عن مواجهات عسكرية مستعرة منذ أكثر من خمس سنوات.
لكن الكثير من تفاصيل مؤتمر العاصمة الكازاخستانية بقي خفياً، في ظل محاولات روسية لحرف المفاوضات عن مسارها. وفي هذا السياق، يقول عضو وفد المعارضة المسلحة، النقيب مصطفى معراتي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الروس لم يحاولوا استمالة الوفد أو أحد أعضائه إلى جانبهم، "لكنهم حاولوا إحداث شرخ بيننا وبين الهيئة العليا للمفاوضات عبر محاولة جرّنا للحديث عن قضايا سياسية، فرفضنا ذلك، وأوضحنا لهم أن المفاوضات فقط حول تثبيت وقف إطلاق النار، والقضايا الإنسانية".

ويكشف معراتي أن "الوفد سأل ضابطاً روسياً كان حاضراً للاجتماع عن أسباب سكوتهم على العمليات العسكرية من قِبل النظام السوري وحزب الله في منطقة وادي بردى، وعن تهديد ضابط روسي بحرق المنطقة، فرد الضابط بالقول: هناك 50 مقاتلاً من جبهة فتح الشام في وادي بردى، فقلنا له: هل ترانا نضحي بعشرات آلاف المدنيين من أجل خمسين مقاتلاً هم أصلاً غير موجودين إلا بمخيلة النظام، كي يكونوا ذريعة لاقتحام المنطقة وإخضاعها؟". ويشير إلى أن "الطرف الروسي أنكر أن هناك قصفاً على منطقة وادي بردى، فاتصلنا على الفور بقادة الفصائل في الوادي، فأحرج المبعوث الروسي وقال سأتصل على الفور بمركز حميميم لإرسال طائرات استطلاع". ويوضح أن مبعوث الرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف، اعترف بأنه لا وجود لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في منطقة وادي بردى، مشيراً إلى أن الوفد أوضح له أن النظام هو من قام بقصف منشأة عين الفيجة وحرم دمشق من المياه، مضيفاً: "قلنا له إن عين الفيجة تقع تحت سيطرة المعارضة منذ خمس سنوات ولم تنقطع المياه عن الملايين في العاصمة". ويكشف عن رفض الوفد تناول طعام غداء دعا إليه وزير الخارجية الكازاخستاني خيرات عبد الرحمنوف، عقب انتهاء الجلسة الافتتاحية على مائدة واحدة، مضيفاً: "اخترنا ركناً منعزلاً في المطعم وجاء الوزير الكازاخستاني وشاركنا الغداء".

من جهته، يقول أحد أعضاء الوفد المفاوض، الذي رفض كشف اسمه، لـ"العربي الجديد": "كان الهدف والمسعى واضحاً بالنسبة لنا، وهو تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار الموقّع في أنقرة في الثلاثين من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، والمطالبة بإخراج المعتقلين في سجون النظام، وفك الحصار عن المناطق المحاصرة من قبل قوات النظام ومليشيات إيرانية". ويضيف: "كنا نعلم أن الروس سيضغطون بالدخول في مسارب تفاوضية أخرى تتعلق بالحل السياسي، لخلط الأوراق، وكنا متحسبين لذلك، ورفضناه جملةً وتفصيلاً، متابعاً: "قبيل افتتاح المؤتمر رفضنا وجود وفد إيراني في القاعة، باعتبار إيران دولة محتلة، وتأخرنا نصف ساعة عن الدخول لتسجيل موقف حيال ذلك". ويشير إلى أن وفد المعارضة انتقل بعد انتهاء الجلسة الافتتاحية إلى غرفة جانبية، موضحاً أنه لم تجر أي مفاوضات مع وفد النظام لا مباشرة ولا غير مباشرة، مضيفاً: "كنا نتفاوض مع الروس بحضور الضامن التركي، وتولى الموفد الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، إدارة أول جلسة مفاوضات".


ويكشف عضو الوفد أن "وفد المعارضة قدّم ورقة للموفد الأممي تتضمّن آليات تثبيت وقف إطلاق النار، في حين لم يكن لدى وفد النظام والجانب الروسي أي أوراق مشابهة، وفق تأكيد دي ميستورا، بل أرادا التحدث في جوانب سياسية، وهنا كان رد رئيس الوفد واضحاً بأن الغاية من أستانة تثبيت وقف إطلاق النار، وليس شيئاً آخر على الإطلاق".
ويؤكد المصدر أن "ألكسندر لافرنتييف عرض على وفد المعارضة المسلحة مسودة دستور كتبها خبراء روس لسورية، فلم نوافق على استلامها، فقال المبعوث الروسي: لا نريد فرضها عليكم، ولكن اطلعوا عليها علكم تستفيدون منها، فقلنا: عن أي دستور تتحدث، وهناك 8 ملايين سوري في المنفى، و6 ملايين نازح داخل سورية، ومليونا سوري محاصرون من قبل قوات النظام والمليشيات، فضلاً عن عشرات آلاف المعتقلين، وفي ظل وجود أكثر من 60 مليشيا إيرانية داخل سورية".

ويشير المصدر إلى أن الوفد كان واضحاً برفضه "الدساتير المعلبة"، مضيفاً: "قلنا للمبعوث الروسي إن السوريين قادرون على كتابة دستورهم عندما تتهيأ الظروف لذلك، ولا حاجة لنا بدساتير تُكتب من قبل أي دولة"، مشيراً إلى أن "الوفد كان صارماً أمام المبعوث الروسي بعدم القبول بأي دور لإيران في حاضر ومستقبل سورية". 
من جهته، يقول مستشار وفد المعارضة المسلحة يحيى العريضي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه لمس حرص موسكو على خروج المؤتمر بـ"نتائج إيجابية". ويلفت إلى أن رئيس وفد النظام بشار الجعفري كان متوتراً في افتتاح المؤتمر، مضيفاً: "كان يحاول الظهور بمظهر المتماسك، ولكن كان من الواضح أنه لم يكن متوازناً، ولا مرتاحاً"، مشيراً إلى أن "وفد المعارضة كان منسجماً ومتوازناً"، مضيفاً: "قدّمنا خطاباً إعلامياً يتمتع بمصداقية عالية يأخذ سورية كلها منطلقاً وهدفاً، لاقى ترحيباً عالياً من الحاضرين للمؤتمر". ويؤكد العريضي أن الطرف الروسي يدرك الأهداف الإيرانية في سورية، ويعلم الدور الابتزازي الذي تقوم به من خلال أخذ سورية رهينة بالدفاع عن بشار الأسد، مضيفاً: "عيون العالم كلها حمراء تجاه إيران".

وتؤكد مصادر سورية أن الوفد لم يكن راضياً على البيان الثلاثي الذي صدر في أعقاب المفاوضات، مشيرة إلى أنه رفضه "جملة وتفصيلاً"، ولم يوقّع عليه ولا يتحمّل أي مسؤولية حياله. وتكشف المصادر أن "البيان لم يُعرض على وفد المعارضة أثناء التفاوض، وعندما تم تسريبه لوسائل الإعلام، أعلنّا تحفظنا على الكثير من بنوده، خصوصاً لجهة تأكيده على علمانية الدولة السورية، إذ سجلنا موقفنا حيال هذا الأمر بدعوتنا إلى دولة ديمقراطية تضمن حقوق السوريين كافة، كما أكدنا على مرجعية بيان جنيف 1 في أي مفاوضات تتعلق بتحديد مستقبل سورية، ورفضنا المطلق لأي حضور إيراني في المشهد السوري". وتشير المصادر إلى أنها لمست استعجال الروس في إنهاء المفاوضات بعدما تأكدت لهم استحالة إحداث اختراق في موقف وفد الفصائل لجهة القفز فوق محددات أستانة المتفق عليها مسبقاً، لتهميش الهيئة العليا للمفاوضات، وخلق مسار بديل لجنيف من شأنه تجميع أوراق الملف السوري كلها بيد الجانب الروسي بعيداً عن أعين المجتمع الدولي.

المساهمون