12 نوفمبر 2024
أزمة حزب وصراع حكم في تونس
تتواصل تطورات الصراع الداخلي في حزب نداء تونس، وبشكل متسارع، نحو انشقاق جديد، أو الحسم بين جناحيه، فهذا الفصيل السياسي الذي تشكّل على عجل نهاية سنة 2012 لمواجهة حكم الترويكا، وضم فرقاء سياسيين من ذوي التوجهات المختلفة والمطامح السياسية المتضاربة، سرعان ما دبّ الشقاق بين مكوناته، وليعرف تصدعات متتالية كانت بدايتها بخروج مجموعة من النواب، وتشكل حزب سياسي آخر حمل لاحقا تسمية مشروع تونس، قبل أن يغمره النسيان، ثم لتلحق به شخصيات أخرى كانت نافذة في الهيكل التنظيمي للحزب، أي مجموعة رضا بلحاج الذي كان مديرا لديوان رئيس الجمهورية، وليصل به الحال إلى الانشقاق، وتأسيس كيان حزبي صغير ينشط من خلاله على أمل العودة. ويكاد المراقبون يُجمعون على أن الخلافات السياسية التي تعصف بحزب نداء تونس الذي يستأثر بمواقع السلطة في تونس (رئاسات الجمهورية والبرلمان والحكومة) تعود إلى خلافات على المواقع والنفوذ والتأثير، والطرف الأساسي فيها نجل الرئيس والمدير التنفيذي للحزب، حافظ السبسي، الذي استطاع من موقعه أن يتخلص من كل مناوئيه في قيادة الحزب، وأن يحتكر لنفسه موقع القيادة والقدرة على التوزير والتحكم في السلطة من وراء الستار. وربما استمرأ الرجل هذه اللعبة، فهو الذي ضغط للتخلص من رئيس الحكومة السابق، الحبيب الصيد، وهو صاحب النفوذ الفعلي في أوساط الوزراء والمسؤولين التابعين لحزب نداء تونس، مستفيدا من أنه نجل رئيس الجمهورية، غير أن التطورات أخيرا تشي بانقلاب حقيقي داخل الحزب، مع بداية محاولات حافظ السبسي التخلص من رئيس الحكومة يوسف الشاهد.
كان واضحا أن الشاهد، المنتمي إلى "نداء تونس"، كان أكثر تحسبا لسلوك نجل الرئيس، متخذا خطوات استباقية لمنع التخلص منه، كما جرى لسلفه، وهو أمر يمكن تلمّسه في قدرة الشاهد على إفشال مخرجات وثيقة قرطاج الثانية، خصوصا نقطة تغيير رئيس الحكومة، حيث استطاع أن يكسب إلى جانبه دعم قوى سياسية واجتماعية حليفة، مثل حركة النهضة وحزب المبادرة،
بالإضافة إلى اتحاد الصناعة والتجارة واتحاد الفلاحين. والأهم تمكّنه من تحييد عدد مهم من نواب "نداء تونس" في البرلمان، وضمهم إلى جانبه، ما يعني أن إمكانية إعادة طرح الثقة في حكومته لم تعد أمرا ميسورا. وفي مرحلةٍ لاحقة، انتقل الشاهد إلى إعادة التمركز داخل أروقة الحزب الحاكم، فمنذ أعلن، في خطاب بثه التلفزيون الحكومي، أن حالة التعطيل والتسبب بالمشكلات السياسية إنما تعود إلى حافظ السبسي، موجها إليه الاتهام بالاسم، كان واضحا أن المعركة بين الطرفين أصبحت حادّة، فإذا كان السبسي الابن قد حاول الاستفادة من خريطة تحالفات جديدة، سواء بالتقرّب من اتحاد الشغل، وتوظيف شبكات إعلامية مناوئة لرئيس الحكومة، والتي يملكها، ويا للمفارقة، بعض من كانوا قياداتٍ في "نداء تونس"، وخرجوا منه تحت ضغط حافظ السبسي نفسه الذي يحالفونه اليوم، ففي المقابل، يستفيد يوسف الشاهد من موقعه في السلطة ليوظف جهات إعلامية وشخصيات سياسية داعمة له، بالإضافة إلى ما وجده من دعم من جهات خارجية شريكة لتونس ماليا، وتسعى نحو تثبيت الاستقرار في البلاد، والنأي بها عن النزاعات. وفي مرحلةٍ لاحقة، استطاع الشاهد تحريك قيادات في "نداء تونس" لإعادة تنشيط "الهيئة السياسية" التي أصدرت بيانا دعت فيه إلى "الاستقرار السياسي ضمانا لدحر الإرهاب". ولتؤكد في اجتماع لاحق عقد المؤتمر الثاني للحزب في سبتمبر/أيلول، وتشكيل لجنة تتولى الإعداد للمؤتمر، مؤكدة أنها الهيئة التنفيذية التي تتحمل مسؤولية تسيير الحزب بصفة جماعية، حتى المؤتمر، مع تعيين ناطق رسمي جديد.
وعلى الرغم من البيان الذي أصدره لاحقا المدير التنفيذي للحزب، حافظ السبسي، الذي اعتبر القرارات بمثابة انقلاب، و"أن هذه الأقلية بصدد ممارسة دور تخريبي مكشوف"، معتبرا "أن كل ما صدر عن هؤلاء لاغ وغير ملزم بأي شكل لحركة نداء تونس"، وعلى الرغم من هذا الموقف التصعيدي لشق حافظ السبسي، فإن وضعيته تبدو مهتزة، بعد أن هيمن يوسف الشاهد على كتلة الحزب النيابية، وسيطر على مكتبه السياسي. وللمرة الأولى، يجد حافظ السبسي نفسه في وضع الدفاع عن نفسه، وليشرب من الكأس نفسها التي سقى منها خصومه من قبل. ويبقى الصراع السياسي مستمرا في الحزب الحاكم، مع ما يرافقه من تأثير سلبي على الدولة، فالحزب الحاكم غير قادر على ضبط شؤونه الداخلية، ناهيك عن أن يكون قادرا على تسيير دولة بأكملها، وهو ما يستدعي إيجاد حل مستعجل لهذه الأزمات، في انتظار انتخابات 2019، وما سيرافقها من تغييرات في المشهد السياسي لها ما بعدها بالتأكيد.
كان واضحا أن الشاهد، المنتمي إلى "نداء تونس"، كان أكثر تحسبا لسلوك نجل الرئيس، متخذا خطوات استباقية لمنع التخلص منه، كما جرى لسلفه، وهو أمر يمكن تلمّسه في قدرة الشاهد على إفشال مخرجات وثيقة قرطاج الثانية، خصوصا نقطة تغيير رئيس الحكومة، حيث استطاع أن يكسب إلى جانبه دعم قوى سياسية واجتماعية حليفة، مثل حركة النهضة وحزب المبادرة،
وعلى الرغم من البيان الذي أصدره لاحقا المدير التنفيذي للحزب، حافظ السبسي، الذي اعتبر القرارات بمثابة انقلاب، و"أن هذه الأقلية بصدد ممارسة دور تخريبي مكشوف"، معتبرا "أن كل ما صدر عن هؤلاء لاغ وغير ملزم بأي شكل لحركة نداء تونس"، وعلى الرغم من هذا الموقف التصعيدي لشق حافظ السبسي، فإن وضعيته تبدو مهتزة، بعد أن هيمن يوسف الشاهد على كتلة الحزب النيابية، وسيطر على مكتبه السياسي. وللمرة الأولى، يجد حافظ السبسي نفسه في وضع الدفاع عن نفسه، وليشرب من الكأس نفسها التي سقى منها خصومه من قبل. ويبقى الصراع السياسي مستمرا في الحزب الحاكم، مع ما يرافقه من تأثير سلبي على الدولة، فالحزب الحاكم غير قادر على ضبط شؤونه الداخلية، ناهيك عن أن يكون قادرا على تسيير دولة بأكملها، وهو ما يستدعي إيجاد حل مستعجل لهذه الأزمات، في انتظار انتخابات 2019، وما سيرافقها من تغييرات في المشهد السياسي لها ما بعدها بالتأكيد.