أرض الحزن والفرح والبقشيش

20 ابريل 2015
بيدها باقة ورد. تُغريها فرحة اللقاء (فرانس برس)
+ الخط -

بيدها باقة ورد. تُغريها فرحة اللقاء. تحاول أن تحجب ناظريها عن عقارب الساعة، فتوجّههما نحو ما قد يمكن أن ينسيها الانتظار. فجأةً، تتسلّل أناملها الى داخل حقيبة يدها المفتوحة. تتحسّس مرآةً صغيرة، وقلم كحل. تنظر الى انعكاسات وجهها في المرآة، وتجدّد طلّتها. لقد صارت الآن أحلى.

في المكان ذاته، يتراصف الحزن مع الفرح. هنا مفجوعٌ يحاول أن يبدو متماسكاً أمام الناس. بالكاد يقوى على الوقوف. يتجوّل بعينيه في قاعة الوصول ذهاباً وإياباً، محدّقاً في وجوه المنتظرين. لقد خطف القدر عزيزاً له، فأرخى الموت لونه الأصفر على وجهه الشاحب. يرتعش. يحاول تهدئة زوجته قبل وصول الطائرة التي تحمل فقيده.

على مرمى خطوات، يُسمع صوت صراخ أطفال. يحاول الصغار المبتهجون اجتياز شريط حدود المستقبلين غير آبهين بأحد. ينهرهم شرطيّ بصوت عال، فيتراجعون. ثم تنهال عليهم والدتهم صفعاً وتوبيخاً. تهدّدهم بوالدهم الذي حطّت طائرته على الفور.

في إحدى زوايا مطار بيروت الدولي تجد من يبحث عن لحظة يختلي بها، يحمل هاتفه الخلوي، ويتحدث متعمّداً أن لا يسمعه أحد. وإذا اقترب أحدهم، يستعيض عن الكلام بكتابة الرسائل. على بعد بلاطة واحدة، يجلس من أثقل الانتظار خطواتهم وأجسادهم، فجلسوا على المقاعد متعبين، محولين حقائبهم الصغيرة إلى مراوح يدويّة، تنتج نسمات هواء خفيفة، وتنسّم على وجوههم التي رشحت بعرق الحرّ والانتظار.

من دون إنذار، يتسلّل الحمّالون. ينظرون الى وجوه المُستقبلين، كمن يبحث عن غنيمة. يحاولون جاهدين البحث عمّن تبدو عليه علامات الثّراء. غالباً ما يقع اختيارهم على أصحاب البدلات الرسميّة، طمعاً ببقشيش محترم.

تِك تاك. تِك تاك.

يدوي صوت كعب حذائها في المكان كأنّه طبل حرب. بزهو أنثوي، تمشي مختالةً أمام "الجمهور" كعارضة أزياء، حتى لتخال نفسك في عرض كبير. تدفع بعربة محملة بحقائب متشابهة. تبتسم، ملوّحةً بيدها لحشد من الأشخاص مثل المشاهير. تركض اليهم فتعانقهم وتكاد تفقد وعيها من شدة الحماسة.

على مرمى خطوتين، يقف الشاب متسمّراً في مكانه، جائلاً بناظريه الى أفراد أسرته. أمامه يقف والده حزيناً كمن ابتلع الهمّ. أمّا الأم فلا تقوى على إخفاء دموع عينيها المتورّمتين من شدة البكاء. تغالبها العاطفة. لعلّها المرة الأولى التي يفارق فيها حضنها. تسترسل بالكلام العاطفي وبالدعاء. "تقبرني يا ماما شو رح اشتقلك يا حبيبي".

يكتفي الإبن بالصمت والإصغاء، كمن يقدّر رغبة أمّه في الكلام. يعصر عينيه، ثم يهجم صوب أمّه وأبيه، يقبّلهما، ومن بعدها يمضي في رحلة بحث عن مستقبل يتمنّاه أفضل.

حان الآن موعد الإقلاع.
المساهمون