01 يناير 2024
أردوغان وأوغلو.. خلاف متوقع
خرج الخلاف بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء داود أوغلو، إلى العلن، مع دعوة الأخير إلى مؤتمر استثنائي لحزب العدالة والتنمية الحاكم، يشهد انتخاب زعيم جديد للحزب، وانسحاب أوغلو نفسه من التنافس، ما يعني عملياً استقالته من رئاسة الوزراء، كون رئيس الحزب هو رئيس الوزراء، حسب الدستور الداخلي له.
ثمّة أسباب عديدة للخلاف، رئيسية وفرعية، أهمها بالطبع إصرار أوغلو على الاحتفاظ بصلاحياته التنفيذية رئيساً للوزراء، حسب الدستور الحالي، وإصرار أردوغان على التصرف وكأنه الحاكم الفعلي للبلاد، بعدما انتخابه لأول مرة من الشعب، في اقتراع حرّ ومباشر.
حسب مصادر مقربة وموثوقة منه، فإن الرئيس أردوغان اشترط على أوغلو، عند اختياره ليخلفه في منصبي رئاسة الحزب ومن ثم رئاسة الوزراء، تسريع خطوات صياغة دستور جديد يتضمن تغيير النظام من برلماني إلى رئاسي، والمضي في المعركة ضد جماعة فتح الله غولن، أو ما توصف في تركيا بالكيان الموازي، باعتباره يشكل خطراً فورياً ومباشراً على أمن البلاد ومصالحها، وتعتبر مواجهته ضمن ثوابت الأمن القومي، كما صاغها مجلس الأمن القومي.
لم يكن داود أوغلو متحمّساً أصلاً للنظام الرئاسي، مثل كثيرين، الرئيس السابق عبد الله غول ونائب رئيس الوزراء السابق بولنت أرنتش، وهما من مؤسسى حزب العدالة والتنمية. والأهم أنه لم يعتبر هذا الأمر أولوية على أجندته السياسية، نظراً لتحدياتٍ وملفات أخرى مطروحة، داخلية وخارجية، ما لم يعجب الرئيس أردوغان الذي بدا مستعجلاً لممارسة الصلاحيات والسلطات التنفيذية كاملة، بشكل صريح مباشر ومن دون مواربة.
كان داود أوغلو قد استنتج من انتخابات السابع من يونيو/ حزيران أن الأتراك صوّتوا، بشكل وبآخر، ضد النظام الرئاسي، كما ضد انخراط الرئيس أردوغان في التفاصيل السياسية اليومية. وعمل، آنذاك، على تصويب البوصلة، وإعادة اختيار مرشحي الحزب، كما البرنامج الانتخابي، وساهم ذلك، إضافة إلى ابتعاد الرئيس أردوغان عن الصورة، في الفوز الساحق في انتخابات 1 نوفمبر/ تشرين الثاني المبكرة، من دون تجاهل أخطاء المعارضة، أو إصرار أردوغان نفسه على الذهاب إلى انتخاباتٍ مبكرة، حتى مع اقتناعه بالتخفيف من حضوره السياسي والانتخابي.
أمر مماثل يمكن قوله عن ملاحقة جماعة فتح الله غولن (الكيان الموازي)، وعلى الرغم من أن العملية أو المعركة ضدهم استمرت. لكن، ليست بوتيرة عالية أو مرتفعة، وأيضاً للأسباب نفسها المتعلقة بالنظام الرئاسي، حيث أن أوغلو، مثل كثيرين في حزب العدالة والتنمية، لم يكن مؤيداً أو متحمساً من الأساس لخوض الحرب مع الجماعة، بالنظر إلى الملفات الأمنية الضاغطة ومواجهة إرهاب "داعش" وحزب العمال الكردستاني، ما جعل الملف غير ذي أولوية لدى الحكومة. ومع ذلك، اعتقد أوغلو أن المعركة عموما حُسمت، وتم كسر ظهر الجماعة الاقتصادي مع فرض الوصاية على بنك آسيا، كما تم التخفيف من حضورها الإعلامي، مع فعل الأمر نفسه على أبرز مؤسساتها ومنابرها الإعلامية، مثل صحيفة زمان ووكالة جيهان، ولا داعي بالتالي لإهدار مزيدٍ من الوقت والطاقة في معركةٍ انتهت، أو كادت.
إلى هذه الملفات، كانت للرئيس أردوغان ملاحظات على أداء الحكومة في عدة شؤون داخلية وخارجية، اقتصادية وسياسية وأمنية، لكن التحفظ الأهم كان على ملف التفاوض مع الاتحاد الأوروبي بشأن اللاجئين. ويعتقد الرئيس أن الحكومة لم تظهر الحزم اللازم، وأنه لولا تدخله شخصياً، ولغته الحازمة، وتهديده بفتح حدود تركيا مع أوروبا أمام اللاجئين، قبل توقيع الاتفاقية، لإنجازها، ومن ثم التهديد بعدم الالتزام بها، إذا ما تلاعبت أوروبا أو تخلت عن الوفاء بما عليها، لإجبار بروكسل على الالتزام، لما وصلت الأمور إلى الخواتيم السعيدة. وإلى ذلك، اعتقد الرئيس أردوغان أن أوروبا كانت معنيةً عموماً بإظهار دور رئيس الوزراء، وتقديم نصر سياسي واضح له، لتشجيعه، ولو بشكل غير مباشر، على تحدّي الرئيس، وعلى الأقل، الإصرار على التمسك بقناعاته وصلاحياته الدستورية.
إذاً، ومع إصرار الرئيس على التصرّف، وكأن الانتقال إلى النظام الرئاسى قد وقع فعلاً، وتمسك رئيس الوزراء بصلاحياته الدستورية الحالية، ولو بحدّها الأدنى، وقع الخلاف، وخرج عن السيطرة. ولكن، وبما أن موازين القوى في الحزب تميل لصالح الرئيس أردوغان، كما في الساحة السياسية بشكل عام، في ظل الإطار الأكاديمي الفكري الشائع عن أوغلو، على الرغم من نجاحه في انتخابات نوفمبر، كما نجاحه سياسياً فى إنجاز الاتفاق التأسيسي والمهم مع الاتحاد الأوروبي. وعليه، فقد استخدم أردوغان نفوذه داخل الحزب، لإحراج أوغلو، عبر سحب صلاحية تعيين قادة في المناطق والأقضية منه، ومن ثم إجباره على الانصياع والبقاء من دون صلاحياتٍ حقيقيةٍ، أو مغادرة الحزب والساحة بهدوء، ومن دون صدامٍ، يعلم أنه سيكون خاسراً فيه، وهو، كشخص وسياسي، اختار الخيار الثاني طبعاً.
سيتم اختيار زعيم آخر للحزب من التكنوقراط المفتقدين للكاريزما، أو للطموح السياسي، أقلّه في الفترة الحالية، وسيكون بمثابة نائب أو مساعد للرئيس أردوغان في الحزب، كما في الحكومة وإدارة البلاد، وسيسرّع طبعاً من خطوات كتابة دستور جديد، يتضمن تغيير النظام من برلماني إلى رئاسي، بما يكفل للرئيس أردوغان تولي مقاليد السلطة التنفيذية كاملةً، بعد انتخابات رئاسية، وربما برلمانية أيضاً، وفق الدستور الجديد.
ثمة أربعة أو خمسة أسماء مرشحة لزعامة الحزب، وبالتالي، رئاسة الوزراء، وكلها تقريباً بدون كاريزما أو حضور وطموح سياسي لافت، منهم وزيرا المواصلات والعدل بنيالي يلدريم وبكير بوزداغ، ونائبا رئيس الوزراء نعمان قوتولموش ويالتش أكدوغان، ومن المرشحين أيضاً وزير الطاقة صهر الرئيس، بيرات البيرق، ومصطفى شانليتوب الأكاديمى البارز والمقرب من أردوغان.
ويمكن القول إن انسحاب أوغلو مثل منعطفاً مهماً فى مسيرة الانتقال إلى النظام الرئاسي التي بدأت نظرياً مع انتخاب الرئيس أردوغان، صيف العام 2014، وتعيش تركيا الآن ما يشبه مرحلة انتقالية بين النظامين، البرلماني والرئاسي، بل ما بين حقبتين، أي حقبتي أتاتورك وأردوغان، ويفترص أن يجري العمل لتجاوزها بأقل الأثمان والتكاليف على الحزب، كما البلد بشكل عام. وعلى كل المستويات السياسية الاقتصادية الاجتماعية والأمنية، وهو ما عمل ويعمل عليه أردوغان، بإصراره على تعجيل وتيرة صياغة الدستور وطرحه للاستفتاء، والانتهاء من الأجندة الإصلاحية والدستورية بأسرع مدى زمني ممكن، ومن ثم التفرّغ لمواجهة الأزمات والتحديات المطروحة، ما يعني أن ملفات عديدة ستكون مؤجّلةً إلى ما بعد الورشة الدستورية. وهذا لا ينطبق طبعاً على القضية السورية التي باتت، وبامتياز، قضية داخلية، كما على المعركة المفتوحة ضد "داعش" وحزب العمال الكردستاني، في تركيا وسورية على حد سواء.
ثمّة أسباب عديدة للخلاف، رئيسية وفرعية، أهمها بالطبع إصرار أوغلو على الاحتفاظ بصلاحياته التنفيذية رئيساً للوزراء، حسب الدستور الحالي، وإصرار أردوغان على التصرف وكأنه الحاكم الفعلي للبلاد، بعدما انتخابه لأول مرة من الشعب، في اقتراع حرّ ومباشر.
حسب مصادر مقربة وموثوقة منه، فإن الرئيس أردوغان اشترط على أوغلو، عند اختياره ليخلفه في منصبي رئاسة الحزب ومن ثم رئاسة الوزراء، تسريع خطوات صياغة دستور جديد يتضمن تغيير النظام من برلماني إلى رئاسي، والمضي في المعركة ضد جماعة فتح الله غولن، أو ما توصف في تركيا بالكيان الموازي، باعتباره يشكل خطراً فورياً ومباشراً على أمن البلاد ومصالحها، وتعتبر مواجهته ضمن ثوابت الأمن القومي، كما صاغها مجلس الأمن القومي.
لم يكن داود أوغلو متحمّساً أصلاً للنظام الرئاسي، مثل كثيرين، الرئيس السابق عبد الله غول ونائب رئيس الوزراء السابق بولنت أرنتش، وهما من مؤسسى حزب العدالة والتنمية. والأهم أنه لم يعتبر هذا الأمر أولوية على أجندته السياسية، نظراً لتحدياتٍ وملفات أخرى مطروحة، داخلية وخارجية، ما لم يعجب الرئيس أردوغان الذي بدا مستعجلاً لممارسة الصلاحيات والسلطات التنفيذية كاملة، بشكل صريح مباشر ومن دون مواربة.
كان داود أوغلو قد استنتج من انتخابات السابع من يونيو/ حزيران أن الأتراك صوّتوا، بشكل وبآخر، ضد النظام الرئاسي، كما ضد انخراط الرئيس أردوغان في التفاصيل السياسية اليومية. وعمل، آنذاك، على تصويب البوصلة، وإعادة اختيار مرشحي الحزب، كما البرنامج الانتخابي، وساهم ذلك، إضافة إلى ابتعاد الرئيس أردوغان عن الصورة، في الفوز الساحق في انتخابات 1 نوفمبر/ تشرين الثاني المبكرة، من دون تجاهل أخطاء المعارضة، أو إصرار أردوغان نفسه على الذهاب إلى انتخاباتٍ مبكرة، حتى مع اقتناعه بالتخفيف من حضوره السياسي والانتخابي.
أمر مماثل يمكن قوله عن ملاحقة جماعة فتح الله غولن (الكيان الموازي)، وعلى الرغم من أن العملية أو المعركة ضدهم استمرت. لكن، ليست بوتيرة عالية أو مرتفعة، وأيضاً للأسباب نفسها المتعلقة بالنظام الرئاسي، حيث أن أوغلو، مثل كثيرين في حزب العدالة والتنمية، لم يكن مؤيداً أو متحمساً من الأساس لخوض الحرب مع الجماعة، بالنظر إلى الملفات الأمنية الضاغطة ومواجهة إرهاب "داعش" وحزب العمال الكردستاني، ما جعل الملف غير ذي أولوية لدى الحكومة. ومع ذلك، اعتقد أوغلو أن المعركة عموما حُسمت، وتم كسر ظهر الجماعة الاقتصادي مع فرض الوصاية على بنك آسيا، كما تم التخفيف من حضورها الإعلامي، مع فعل الأمر نفسه على أبرز مؤسساتها ومنابرها الإعلامية، مثل صحيفة زمان ووكالة جيهان، ولا داعي بالتالي لإهدار مزيدٍ من الوقت والطاقة في معركةٍ انتهت، أو كادت.
إلى هذه الملفات، كانت للرئيس أردوغان ملاحظات على أداء الحكومة في عدة شؤون داخلية وخارجية، اقتصادية وسياسية وأمنية، لكن التحفظ الأهم كان على ملف التفاوض مع الاتحاد الأوروبي بشأن اللاجئين. ويعتقد الرئيس أن الحكومة لم تظهر الحزم اللازم، وأنه لولا تدخله شخصياً، ولغته الحازمة، وتهديده بفتح حدود تركيا مع أوروبا أمام اللاجئين، قبل توقيع الاتفاقية، لإنجازها، ومن ثم التهديد بعدم الالتزام بها، إذا ما تلاعبت أوروبا أو تخلت عن الوفاء بما عليها، لإجبار بروكسل على الالتزام، لما وصلت الأمور إلى الخواتيم السعيدة. وإلى ذلك، اعتقد الرئيس أردوغان أن أوروبا كانت معنيةً عموماً بإظهار دور رئيس الوزراء، وتقديم نصر سياسي واضح له، لتشجيعه، ولو بشكل غير مباشر، على تحدّي الرئيس، وعلى الأقل، الإصرار على التمسك بقناعاته وصلاحياته الدستورية.
إذاً، ومع إصرار الرئيس على التصرّف، وكأن الانتقال إلى النظام الرئاسى قد وقع فعلاً، وتمسك رئيس الوزراء بصلاحياته الدستورية الحالية، ولو بحدّها الأدنى، وقع الخلاف، وخرج عن السيطرة. ولكن، وبما أن موازين القوى في الحزب تميل لصالح الرئيس أردوغان، كما في الساحة السياسية بشكل عام، في ظل الإطار الأكاديمي الفكري الشائع عن أوغلو، على الرغم من نجاحه في انتخابات نوفمبر، كما نجاحه سياسياً فى إنجاز الاتفاق التأسيسي والمهم مع الاتحاد الأوروبي. وعليه، فقد استخدم أردوغان نفوذه داخل الحزب، لإحراج أوغلو، عبر سحب صلاحية تعيين قادة في المناطق والأقضية منه، ومن ثم إجباره على الانصياع والبقاء من دون صلاحياتٍ حقيقيةٍ، أو مغادرة الحزب والساحة بهدوء، ومن دون صدامٍ، يعلم أنه سيكون خاسراً فيه، وهو، كشخص وسياسي، اختار الخيار الثاني طبعاً.
سيتم اختيار زعيم آخر للحزب من التكنوقراط المفتقدين للكاريزما، أو للطموح السياسي، أقلّه في الفترة الحالية، وسيكون بمثابة نائب أو مساعد للرئيس أردوغان في الحزب، كما في الحكومة وإدارة البلاد، وسيسرّع طبعاً من خطوات كتابة دستور جديد، يتضمن تغيير النظام من برلماني إلى رئاسي، بما يكفل للرئيس أردوغان تولي مقاليد السلطة التنفيذية كاملةً، بعد انتخابات رئاسية، وربما برلمانية أيضاً، وفق الدستور الجديد.
ثمة أربعة أو خمسة أسماء مرشحة لزعامة الحزب، وبالتالي، رئاسة الوزراء، وكلها تقريباً بدون كاريزما أو حضور وطموح سياسي لافت، منهم وزيرا المواصلات والعدل بنيالي يلدريم وبكير بوزداغ، ونائبا رئيس الوزراء نعمان قوتولموش ويالتش أكدوغان، ومن المرشحين أيضاً وزير الطاقة صهر الرئيس، بيرات البيرق، ومصطفى شانليتوب الأكاديمى البارز والمقرب من أردوغان.
ويمكن القول إن انسحاب أوغلو مثل منعطفاً مهماً فى مسيرة الانتقال إلى النظام الرئاسي التي بدأت نظرياً مع انتخاب الرئيس أردوغان، صيف العام 2014، وتعيش تركيا الآن ما يشبه مرحلة انتقالية بين النظامين، البرلماني والرئاسي، بل ما بين حقبتين، أي حقبتي أتاتورك وأردوغان، ويفترص أن يجري العمل لتجاوزها بأقل الأثمان والتكاليف على الحزب، كما البلد بشكل عام. وعلى كل المستويات السياسية الاقتصادية الاجتماعية والأمنية، وهو ما عمل ويعمل عليه أردوغان، بإصراره على تعجيل وتيرة صياغة الدستور وطرحه للاستفتاء، والانتهاء من الأجندة الإصلاحية والدستورية بأسرع مدى زمني ممكن، ومن ثم التفرّغ لمواجهة الأزمات والتحديات المطروحة، ما يعني أن ملفات عديدة ستكون مؤجّلةً إلى ما بعد الورشة الدستورية. وهذا لا ينطبق طبعاً على القضية السورية التي باتت، وبامتياز، قضية داخلية، كما على المعركة المفتوحة ضد "داعش" وحزب العمال الكردستاني، في تركيا وسورية على حد سواء.