اقرأ أيضاً أردوغان: لن تستطيعوا منعي عن الميادين.. لن تستطيعوا إسكاتي
يتجول أردوغان في أنحاء البلاد، يفتتح المشاريع في مختلف الولايات، خاطباً في الحشود الجماهيرية وكأنه المدير المشارك للحملة الانتخابية لحزب "العدالة والتنمية" إلى جانب داود أوغلو، مما دفع أحزاب المعارضة التركية إلى تقديم أكثر من ثلاث شكاوى للهيئة العليا للانتخابات بدعوى مخالفة قوانين الدستور التي تقضي بحيادية الرئيس. لكن أردوغان يدرك كيف يتخطى ذلك قانونياً، إذ إنه يمتنع عن المشاركة في احتفالات "العدالة والتنمية"، لكنه يشارك بافتتاح المشاريع الرسمية، فما كان من الهيئة إلا أن ردت جميع الشكاوى.
رغم نيتها عدم الوقوع مرة أخرى في فخ "رد الفعل" بدل المبادرة، جرّ أردوغان أحزاب المعارضة التركية إليه، فأصبح حضوره وما يدعو إليه من نظام رئاسي محوراً لمعظم خطابات قيادات المعارضة، بدل الترويج لبرامجها الانتخابية.
واعتمد "العدالة والتنمية" على دعاية انتخابية يمكن اختصارها في ثلاثة محاور:
أولاً، وكمعظم الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة، لايزال أردوغان وداود أوغلو يزوران مختلف الولايات التركية للتذكير بوضع تركيا المزري قبل عام 2002، أي تاريخ وصول الحزب إلى الحكم والإنجازات التي تحققت في كل ولاية خلال فترة حكم الحزب من مدّ طرقات وافتتاح مشاف ومطارات ومصانع ومنشآت اجتماعية وخدمات مختلفة.
ثانياً، الدعوة إلى التحول إلى النظام الرئاسي رغم أن برنامج الحزب لم يحدد أي صفات أو معالم لنوع هذا النظام. لكن جاء ذلك عبر تذكير المواطنين بحقبة الحكومات الائتلافية التي كانت في معظمها هشة، ولم تستطع تحقيق إنجازات هامة، قبل أن يأتي حكم إعدام الرئيس المصري المعزول محمد مرسي وينكأ جميع الجراح التركية في عهود الانقلابات، فعمل أردوغان على الربط بين بين مصيره ومصير مرسي والانتخابات المقبلة والنظام الرئاسي، داعياً الناخبين (بشكل ضمني) إلى التصويت لحزب "العدالة والتنمية" لمنع تكرار المشهد الانقلابي المصري مرة أخرى في تركيا، مهاجماً وكالة "دوغان" للأخبار المعارضة التي عنونت "الحكم بالإعدام على مرسي، الذي أصبح رئيساً بفوزه بنسبة 52% من الأصوات" ، مما اعتبره أردوغان تلميحاً من قبل المعارضة إلى أنه سيواجه المصير نفسه، خصوصاً أنه انتصر في الانتخابات الرئاسية في أغسطس/آب الماضي بنفس النسبة، ليوافقه داود أوغلو لاحقاً بالقول: "ان كانوا يقصدون بذلك الإيحاء لرئيسنا السيد رجب طيب أردوغان، الفائز بنسبة 52% من الأصوات، فليعلموا أن هذه الأرض لن تشهد مجدداً إرسال رئيس جمهورية أو رئيس وزراء إلى الإعدام".
المحور الثالث يرتبط بمهاجمة أحزاب المعارضة مجتمعة مع التركيز على حزب "الشعوب الديمقراطي" (الجناح السياسي لحزب "العمال الكردستاني") كون أحد المنافسين على أصوات الأكراد بعد المواقف المرنة التي اتخذها الحزب اتجاه المتدينين عبر التحالف مع حركة "آزادي" الإسلامية في دياربكر، فسخر أردوغان كل قواه في جولاته شرق البلاد لإعادة التذكير بالصراع على الهوية بين "متدينين مظلومين وعلمانيين ديكتاتوريين"، إذ تجول حاملاً معه قرآناً ترجمته هيئة الشؤون الدينية حديثاً إلى الكردية، قائلاً "ما زلنا نواجه عقلية الحزب الواحد، أحدهم مدعوم من قبل المنظمة الإرهابية (حزب العمال الكردستاني)، فقبل 70 عاماً فرضوا الأذان باللغة التركية، والآن يريدون فرض الأذان باللغة الكردية. قبل سبعين عاماً كانوا يقولون بأن الكعبة للعرب وكعبتنا هي القصر الرئاسي في جناكالة، إنهم ينطلقون من ذات العقلية الفاشية، لا فرق بينهم على الإطلاق". وفي الغرب، حيث يحاول "الشعوب الديمقراطي" جذب أصوات الأتراك، لم يتوقف أردوغان عن الربط بينه وبين "المنظمة الإرهابية الانفصالية"، في إشارة إلى (الكردستاني) بكل ما يحمله ذلك من ذاكرة آلاف الأسر التي فقدت أبناءها في معارك مع (الكردستاني) شرق البلاد، ليرتفع التوتر بين الطرفين وتتعرض مقرات (الشعوب الديمقراطي) إلى هجمات متكررة كان آخرها، يوم الإثنين، بعبوات انفجرت في مقرّيه في كل من أضنة ومرسين. وحمل "الشعوب الديمقراطي" على الإثر "خطاب أردوغان وداود أوغلو العدائي" مسؤولية الهجمات.
وتنال حملة الحزب الحاكم من حزب "الشعب الجمهوري" المعارض، إذ تفرد القنوات التلفزيونية الموالية للحكومة مثل قناة "خبر" ساعات من بثها يومياً تعرض فيها مشاهد من معاناة المواطنين في القطاع الصحي خلال فترة رئاسة زعيم "الشعب الجمهوري" كمال كلجدار أوغلو، في أواخر التسعينيات بعد الانهيار الاقتصادي الذي تبع انقلاب 1997، وذلك في الوقت الذي لا يكف فيه أردوغان عن التأكيد أن مصير تركيا الاقتصادي سيكون مماثلاً لوضع هيئة التأمين الصحي في حال انتخاب "الشعب الجمهوري" الذي يرتكز برنامجه على الجانب الاقتصادي، ساخراً من برامج المعارضة الانتخابية التي يعتبرها غير واقعية وغير ممكنة بل ونسخة واحدة لا تختلف إلا بقيمة الحد الأدنى للأجور الذي تعد به.