10 نوفمبر 2024
أدب الحروب الأهلية العربية
دخلت الحرب الأهلية الأدب الروائي العربي عبر البوابة اللبنانية، بعد أن كان لبنان النموذج الواضح على هذه الظروف الاجتماعية والسياسية، قبل عقود، أمّا اليوم فإنّ هذا الأدب يبرز بصورة واضحة لدى جيل شبابي صاعد من السوريين والعراقيين، من يكتبون عن الحرب الأهلية، وعن الهجرة واللجوء، ويغوصون في عميق محيط التحولات السيسيولوجية السيكولوجية التي تمرّ بها هذه المجتمعات والشعوب.
في الحالة العراقية، نجد إحدى أروع الروايات التي حازت قبل أعوام على جائزة بوكر العربية، لأحمد السعداوي "فرانكشتاين في بغداد"، وكذلك الحال نجد روايات عديدة للروائي المبدع، علي بدر، مثل "الكافرة" و"عازف الغيوم"، و"بابا سارتر" وغيرها.
في المشهد السوري، نجد الروائي خالد خليفة الذي كتب سابقاً عن الحرب الداخلية بين الإخوان المسلمين والنظام في الثمانينيات، وما أحدثته من آثار كارثية، في روايته "مديح الكراهية"، ثم كتب عن فعائل الاستبداد في المجتمع في روايته "لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة"، ثم روايته التي ولجت إلى عمق التحولات السيسيولوجية والسيكولوجية الصامتة خلال الحرب الداخلية السورية منذ العام 2011، وهي "الموت عمل شاق".
وفي أتون الحرب السورية، كتب عبدالله مكسور، أيضاً، "عائد إلى حلب"، وهي رواية عن الأوضاع الداخلية والصدامات بين الفصائل والسجون والنظام. وكانت قبل ذلك رواية مصطفى خليفة "القوقعة" عن السجن والتعذيب، في صورة مخيفةٍ مرعبة، لكنها مرآة واقعية لحالة السجون السورية، كما تثبت الشهادات التي خرجت لاحقاً، ووثقت لما كان يحدث في سجون تدمر وصيدنايا وغيرهما.
من الأدباء الذين نحتوا أثراً مهماً في ترجمة المخاوف والتحولات الناجمة عن الحروب الأهلية العربية، وهواجسنا جميعاً تجاه المستقبل، واسيني الأعرج الذي كتب إحدى أروع الروايات العربية "حكاية العربي الأخير 2084"، متيمّناً عنوان رواية أورويل الشهيرة "1984". وكتب الأعرج كذلك "مملكة الفراشة" (صدرت طبعتها الأولى في 2013)، التي سلطت الضوء على جانب آخر من أدب الحروب الداخلية- الأهلية العربية، ما أسماه الأعرج بـ"عشرية الحرب الصامتة" التي تبعت عشرية الحرب الداخلية، في الصراع بين الإسلاميين والعسكر في الجزائر، وأدت إلى آلاف القتلى والمعتقلين والمآسي.
يتناول مفهوم "الحرب الصامتة"، بصورة غير مباشرة، تجار الحروب الداخلية والأهلية، والفئات المستفيدة من مراحل الفوضى الأمنية والداخلية، وتوظيف ما يحدث لخدمة مصالح فردية، سياسية واقتصادية، وإشكالية هجرة المثقفين إلى الخارج خلال تلك الأحداث الدامية.
وميزة الأعرج تكمن في تعدّد أبعاد رواياته ومستوياتها، وخلطها بين الخيال الخصب للروائي وأحداث واقعية وقصص حقيقية، وبين العمل الأدبي والبحث العلمي، وما بين توصيف الواقع والقفز إلى المستقبل لاستشراف نتائج ما يحدث، وهو ما نلاحظه بوضوح في "مملكة الفراشة" التي تتناول الحرب الصامتة، والحرب الأهلية، و"فيسبوك" عالما افتراضيا بديلا يمثل مخرجاً وفرصة للهروب من الواقع المرير لشريحة اجتماعية واسعة من الشباب العربي اليوم.
على الرغم من أهمية هذا الأدب ومؤشرات صعوده في الأعوام الأخيرة، وبروز نخبة من الروائيين الشباب المتميزين، وقدرتهم على عبور السطح إلى العمق، لما يحدث من تحولات كبيرة وخطيرة في المجتمعات العربية منذ الأعوام الأخيرة، إلاّ أنّ جلّ ما نقرأه، إن لم يكن جميعه، يتسم بنبرة تشاؤمية، ونزعة سوداوية، وقسوة في توصيف ما يحدث، وحتى في استشراف المستقبل والتنبؤ به، وهو تحديداً ما يحضر صريحاً في رواية الأعرج "حكاية العربي الأخير".
بالضرورة، لا نطلب تسخيفاً ولا تسطيحاً للواقع، ولا تقديم تحليل مغاير لما هو قائم حالياً، ويبعث على السوداوية، لكننا نطلب أدباً روائياً يرشدنا إلى المناخات والخيارات البديلة، إلى الطرق الأخرى التي تشكل مساراً بديلاً إن توجهنا إليها، يستفيد مما حدث من حروبٍ داخلية وأهلية في العالم، سواء في أوروبا في العصور الوسطى، أو إسبانيا أو حتى تجارب آسيوية وأفريقية، فيقدم لنا دروساً مهمة منها.
ميزة الأدب الروائي هي الخيال، القادر على إيجاد طاقة إيجابية، وتقديم شيء مغاير للواقع الذي ينكب عليه الأكاديميون والباحثون، ويتفاعل معه السياسيون، هو الخيال الذي يخلق شعوراً مغايراً للطائفية والحرب الأهلية والتشاؤمية التي أوقعتنا فيها أنظمة الاستبداد والثورات المضادّة التي جرّت علينا ما نحن فيه، وهو الأدب الذي ننتظره قريباً.
في الحالة العراقية، نجد إحدى أروع الروايات التي حازت قبل أعوام على جائزة بوكر العربية، لأحمد السعداوي "فرانكشتاين في بغداد"، وكذلك الحال نجد روايات عديدة للروائي المبدع، علي بدر، مثل "الكافرة" و"عازف الغيوم"، و"بابا سارتر" وغيرها.
في المشهد السوري، نجد الروائي خالد خليفة الذي كتب سابقاً عن الحرب الداخلية بين الإخوان المسلمين والنظام في الثمانينيات، وما أحدثته من آثار كارثية، في روايته "مديح الكراهية"، ثم كتب عن فعائل الاستبداد في المجتمع في روايته "لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة"، ثم روايته التي ولجت إلى عمق التحولات السيسيولوجية والسيكولوجية الصامتة خلال الحرب الداخلية السورية منذ العام 2011، وهي "الموت عمل شاق".
وفي أتون الحرب السورية، كتب عبدالله مكسور، أيضاً، "عائد إلى حلب"، وهي رواية عن الأوضاع الداخلية والصدامات بين الفصائل والسجون والنظام. وكانت قبل ذلك رواية مصطفى خليفة "القوقعة" عن السجن والتعذيب، في صورة مخيفةٍ مرعبة، لكنها مرآة واقعية لحالة السجون السورية، كما تثبت الشهادات التي خرجت لاحقاً، ووثقت لما كان يحدث في سجون تدمر وصيدنايا وغيرهما.
من الأدباء الذين نحتوا أثراً مهماً في ترجمة المخاوف والتحولات الناجمة عن الحروب الأهلية العربية، وهواجسنا جميعاً تجاه المستقبل، واسيني الأعرج الذي كتب إحدى أروع الروايات العربية "حكاية العربي الأخير 2084"، متيمّناً عنوان رواية أورويل الشهيرة "1984". وكتب الأعرج كذلك "مملكة الفراشة" (صدرت طبعتها الأولى في 2013)، التي سلطت الضوء على جانب آخر من أدب الحروب الداخلية- الأهلية العربية، ما أسماه الأعرج بـ"عشرية الحرب الصامتة" التي تبعت عشرية الحرب الداخلية، في الصراع بين الإسلاميين والعسكر في الجزائر، وأدت إلى آلاف القتلى والمعتقلين والمآسي.
يتناول مفهوم "الحرب الصامتة"، بصورة غير مباشرة، تجار الحروب الداخلية والأهلية، والفئات المستفيدة من مراحل الفوضى الأمنية والداخلية، وتوظيف ما يحدث لخدمة مصالح فردية، سياسية واقتصادية، وإشكالية هجرة المثقفين إلى الخارج خلال تلك الأحداث الدامية.
وميزة الأعرج تكمن في تعدّد أبعاد رواياته ومستوياتها، وخلطها بين الخيال الخصب للروائي وأحداث واقعية وقصص حقيقية، وبين العمل الأدبي والبحث العلمي، وما بين توصيف الواقع والقفز إلى المستقبل لاستشراف نتائج ما يحدث، وهو ما نلاحظه بوضوح في "مملكة الفراشة" التي تتناول الحرب الصامتة، والحرب الأهلية، و"فيسبوك" عالما افتراضيا بديلا يمثل مخرجاً وفرصة للهروب من الواقع المرير لشريحة اجتماعية واسعة من الشباب العربي اليوم.
على الرغم من أهمية هذا الأدب ومؤشرات صعوده في الأعوام الأخيرة، وبروز نخبة من الروائيين الشباب المتميزين، وقدرتهم على عبور السطح إلى العمق، لما يحدث من تحولات كبيرة وخطيرة في المجتمعات العربية منذ الأعوام الأخيرة، إلاّ أنّ جلّ ما نقرأه، إن لم يكن جميعه، يتسم بنبرة تشاؤمية، ونزعة سوداوية، وقسوة في توصيف ما يحدث، وحتى في استشراف المستقبل والتنبؤ به، وهو تحديداً ما يحضر صريحاً في رواية الأعرج "حكاية العربي الأخير".
بالضرورة، لا نطلب تسخيفاً ولا تسطيحاً للواقع، ولا تقديم تحليل مغاير لما هو قائم حالياً، ويبعث على السوداوية، لكننا نطلب أدباً روائياً يرشدنا إلى المناخات والخيارات البديلة، إلى الطرق الأخرى التي تشكل مساراً بديلاً إن توجهنا إليها، يستفيد مما حدث من حروبٍ داخلية وأهلية في العالم، سواء في أوروبا في العصور الوسطى، أو إسبانيا أو حتى تجارب آسيوية وأفريقية، فيقدم لنا دروساً مهمة منها.
ميزة الأدب الروائي هي الخيال، القادر على إيجاد طاقة إيجابية، وتقديم شيء مغاير للواقع الذي ينكب عليه الأكاديميون والباحثون، ويتفاعل معه السياسيون، هو الخيال الذي يخلق شعوراً مغايراً للطائفية والحرب الأهلية والتشاؤمية التي أوقعتنا فيها أنظمة الاستبداد والثورات المضادّة التي جرّت علينا ما نحن فيه، وهو الأدب الذي ننتظره قريباً.