أبو حسن يروي قصته مع السرطان: وحش كاسر

04 فبراير 2017
كان قوي البنية لكن المرض أنهكه (بهروز مهري/فرانس برس)
+ الخط -



أبو حسن مصري أربعيني من محافظة أسيوط، أنهكه العلاج الكيماوي والأدوية، يروي حكايته مع مرض السرطان لـ"العربي الجديد".

لم يكن يتخيل يومًا أنه سيصاب بمرض السرطان "القاتل الصامت"، فجسمه قوي ممشوق، وعوده طويل، وحياته يقضيها يوميًا بين عمله الحكومي وزراعته التي ورثها عن والده.

يقول:

كانت حياتي كلها بين أرضي التي أمتلكها من والدي المرحوم، ووظيفتي الحكومية وزيارة الأقارب، ولم أشعر يومًا بمرض أو حتى صداع في رأسي.

في أحد الأيام أصبت بانتفاخ شديد في البطن، فسّره بعض الأطباء أنه مرض القولون، تناولت العقاقير اللازمة، إلا أن المرض ازداد. طبيب آخر أكد أنني مصاب بمرض الكبد، وكان ذلك خلال يونيو/حزيران الماضي، لكن صحتي بدأت تتراجع ووزني ينقص. نصحني أحد الأقارب بالتوجه إلى مستشفى أسيوط الجامعي، وبالفعل سافرت مسافة نحو 400 كم بين قريتي وأسيوط. أصرّ يومها شقيقي الأكبر وابن شقيقتي على مرافقتي للمستشفى، وكانت الكارثة التي زلزلت كياني وكل من حولي عنما شخص الأطباء بأنني مريض بسرطان القولون. أصبت بالذهول ولم أصدق ما سمعت لخطورة المرض، الذي أعرف أنه مميت.

رفض شقيقي إبلاغ والدتي المسنّة، وأهلي وزوجتي وأطفالي الثلاثة. وقرروا الذهاب بي إلى القاهرة، وزرنا أحد الأطباء الذي أكد وجود المرض، ورأى أنه لا بد من التدخل الجراحي ونزع أجزاء مصابة من الأمعاء فورًا، وتناول العلاج الكيماوي. وأعاد الطبيب سبب المرض إلى عملي بالأرض الزراعية وتعرضي للمبيدات الحشرية، وتناولي الأكل والشراب داخل الحقل.

أجريت العملية، التي كانت تكلفتها أكثر من 60 ألف جنيه. وتحوّل منزلي بعد أن عرف الجميع بمصيبتي إلى سرادق عزاء. وبعد العملية باشرت العلاج الكيماوي في "معهد السرطان" في أسوان. أصبت بنوبات إحباط شديدة حتى اليوم، فشعور الألم مع جرعات الكيماوي لا يوصف، إنه كالسم الذي يفتت ما تبقى من خلايا جسدي، تراني أصرخ في محاولة لا إرادية منّي في تخفيف ذلك الشعور.

أشعر أن الحياة يجب أن تتوقف، لأن الشفاء أصبح حلمًا. أتمنى الموت مع كل رحلة لتناول جرعة الكيماوي في أسوان. أحاول في كل مرة أن أكتم ألمي في نفسي، خاصة أمام والدتي المسنّة وزوجتي وأولادي، لكني لا أستطيع بسبب شدة المرض، انقلبت حياتي رأساً على عقب. مُنحت إجازة مرضية من عملي، مع حرماني من كافة الحوافز.




بدأت بالعزلة، فالكيماوي سم والسرطان لعنة، والعيش مع الاثنين أمر صعب. لم أعد أحتمل لا السم الذي يسري في دمي كل شهر، ولا الإبر ولا مسكنات الألم. أصبحت لا أسمع لا أرى لا أتكلم، ولا أجيد غير الصراخ، ويوم التوجه إلى أسوان يعد أسوأ يوم في حياتي.

بدأت مؤخرًا أوصي زوجتي بحسن علاقتها بأولادها بعد وفاتي، وعدم الزواج من آخر حرصًا على حياتهم، وهي تصرخ في وجهي برفضها سماع أقوالي، كما أوصيت شقيقي برعاية أرضي التي تبلغ مساحة فدانٍ ونصف، وأن يراعي زوجتي وأولادي.

أمي امتنعت عن الأكل والزيارات، وكانت ترفض خروجي من المنزل خوفًا على حياتي، خاصة وأن الكيماوي غيّر ملامحي نهائيًا، فتساقط شعر رأسي وحاجبي، وتركزت الهالات السوداء تحت عيني. لم أعد أنام في الليل سوى ساعات قليلة، وكنت أقرأ في عيون بعض أهلي وأقاربي طلبهم من الله أن يرحمني من هذا المرض بالموت.

الصحة تاجٌ فوق رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى. مصر لم تشهد تقدماً في علاج هذا النوع من المرض سوى بالمسكنات والكيماوي، والأطباء يتعاملون مع مريض السرطان مثل أي حالة مرضية أخرى.

يتحدث أبو الحسن عن الروتين والبيروقراطية وطوابير الانتظار في معاهد الأورام في المحافظات. ويطالب الحكومة بوضع حد لهذا المرض الذي استشرى في مصر بين الجميع من الأطفال والشيوخ مرورًا بالشباب من نساء ورجال. كما دعا إلى ضرورة منع المبيدات الحشرية الضارة، التي يستلمها المزارعون ويرشون أراضيهم الزراعية لخطرها على الإنسان والحيوان معًا.

ويخلص: أتمنى على الحكومة أن تدرك حجم وعدد مرضى السرطان يوميًا الذين يترددون على المستشفيات.

دلالات