ليلى عراقيّة في التاسعة والثلاثين من عمرها. تروي حكايتها مع مرض السرطان، وتنقلها "العربي الجديد".
ثلاث سنوات مرّت على اكتشافي إصابتي بالسرطان الخبيث، حين كنت في السادسة والثلاثين. اللحظة التي خبرت خلالها بالتشخيص اللعين، كانت أشبه بكابوس مرعب تحوّل إلى خوف الدائم راح يسكنني. لكنّ الأمل يبقى رفيق الإنسان مهما تضاءلت نسبته.
حدث ذلك بعد ملاحظتي المتكرّرة لغدد متورّمة تحت الإبط. كان الأمر مخيفاً جداً بالنسبة إليّ. حاولت ألا أخبر أحداً وقلت في نفسي إنّه قد يكون مجرّد ورم بسيط من جرّاء ارتفاع حرارة جسمي أو لسبب آخر. حاولت إقناع نفسي بأنّه مرض عارض وسوف تختفي تلك الغدد المنتفخة من تلقاء نفسها. لكن، مع تجاهلي الأمر أو محاولتي تجاهله، كان خوف يكبر في داخلي وصوت يتردّد في رأسي بأنّ تلك الغدد المتنفّخة ليست مرضاً عابراً وليست مجرّد ورم بسيط.
كنت كلما رأيت أطفالي يلعبون في باحة المنزل تنهمر الدموع من عينَي. كيف لي أن أتركهم لو تبيّن فعلاً أنّ تلك الغدد المتورّمة هي مرض سرطانيّ؟ بقيت على هذه الحال نحو عشرة أيام. وخلال تلك المدة، كان زوجي يسألني عن سبب حزني وتعبي وإرهاقي. أخيراً، قرّرت إخباره عن مخاوفي. لم أعد أحتمل ما أشعر به. وفي يوم، بعدما عاد من عمله، أخبرته. كان هادئاً وحاول طمأنتي. وقال: "علينا الذهاب إلى الطبيب". بالفعل، ذهبنا في اليوم التالي إلى طبيب متخصص وقد رافقتنا شقيقتي. بعد الفحوصات والتحاليل المخبرية، أعلمنا الطبيب بما كنت أتخوّف منه. قال إنّ المرض منتشر في أجزاء من الجسم، ولا بدّ من علاج فوري جداً لمنع انتشاره أكثر.
على مدى شهر، كانت الدموع رفيقتي وكذلك اليأس والإحباط. كنت أشعر بأنّ الموت سوف يداهمني على حين غفلة، من دون أن أكون قد فعلت أيّ شيء لأطفالي أو حتى اطمأنيت على مستقبلهم. شقيقتي لم تتركني، بعدما أخذتُ إجازة مرضيّة من عملي. ذلك المرض غيّر مجرى حياتي. كنت أشعر بتعب شديد وبعدم قدرة على الكلام، بسبب نفسيّتي المتعبة. لم أعد قادرة على العمل في البيت، لا بل لم أعد راغبة في أيّ شيء.
مع مرور الوقت، تأقلمت مع الواقع الجديد. اتّخذ الأطباء قرارهم بإعطائي جرعات من العلاج الكيميائي. كان العلاج مرهقاً جداً. جعلني أشعر بأنّني شخص غير مرغوب فيه وكنتُ أبقى بعيدة عن كلّ الناس لأيام. كنت أخشى على أطفالي منّي ومن ملابسي. وعندما يحين موعد الجلسة التالية أكون قد دخلت في دوامة الإحباط من جديد. لا أنكر أنّ الناس كلّهم أصبحوا أكثر تعاطفاً معي. زملائي وزميلاتي في الشغل راحوا يراعونني ولا يتذمّرون إن تغيّبت عن العمل في أيام غير أيام الإجازة المرضية.
على الرغم من خوفي من الموت، إلا أنّ المضيّ بالعلاج والإيمان بالله والتقيّد بتعليمات الطبيب، كلّ ذلك جعلني أشعر في أحيان كثيرة بأنّ ثمّة أملاً كبيراً في الشفاء من المرض، وبأنّ ذلك ليس بأمر مستحيل. من أنزل المرض هو الله وهو وحده قادر على شفائي منه، خصوصاً أنّني أدعو كثيراً في صلواتي وخلوتي وخلال العلاج بأن ينجّيني الله من المرض وأن يعيد شعري الذي اختفى كلياً من رأسي. اليوم، بعد ثلاث سنوات على إصابتي بالمرض، أقول الحمد لله، حالتي أقلّ سوءاً من كثيرين.
صعوبات رحلة هذا المرض كثيرة. لعلّ تكاليف العلاج الباهظة واحدة منها. الأزمة المالية في العراق حوّلت حياة أهل البلد المصابين بالسرطان إلى جحيم. فمراكز علاج السرطان راحت تزيد أسعارها أضعافاً وأضعافاً في كلّ يوم. من جهة أخرى، وإلى جانب التكاليف المرهقة، عانيت كثيراً كما غيري من المصابين، من قلّة الإمكانات ولوازم العلاج في المراكز المتخصصة في علاج السرطان. كذلك عانيت كما غيري من المصابين من عدم اهتمام الحكومة بنا وبمرضنا الخطير. واضطررت كما غيري إلى تحمّل كلفة العلاج من حسابنا الخاص وبأسعار مرتفعة جداً.