12 نوفمبر 2024
"نداء تونس".. نهاية أم انطلاقة جديدة؟
تفاقمت أزمة حزب السلطة "نداء تونس" إلى حد استدعى معه تدخلاً مباشراً من مؤسس الحزب ورئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي، الذي خصص جزءاً من خطابه للشعب في 29 /11 للحديث عن الأزمة الداخلية لحزبه، وتالياً، برّر السبسي هذا التدخل بقوله إن هذا "موضوع وطني يهم استقرار البلاد وصورة تونس في الخارج"، وقال إن قوى دولية اتصلت به من أجل بذل الجهد لرأب الصدع داخل الحزب، ووقف نزيف الانشقاقات. ما يعني أن معضلة هذا الحزب تحولت إلى صداع حقيقي يؤرق أجهزة الحكم في الدولة، ويؤثر على أداء رأس الهرم فيها، بما له من آثار جانبية وامتدادات في جوانب مختلفة من العمل الحكومي والأداء البرلماني لكتلة الحزب المنشقة على نفسها.
وإذا كان خيار رئيس الجمهورية تشكيل لجنة الـ 13، بوصفها الطرف الذي سيجد حلولاً ممكنة للأزمة والوساطة بين الشقين المتصارعين داخل حزب نداء تونس، وما توصلت إليه هذه اللجنة من قراراتٍ، يمكن اختصارها في نقاط كبرى ثلاث، هي الإعداد لمؤتمر توافقي في 10 /01 /2016، ثم العمل على إعادة هيكلة الحزب، استعدادا للمؤتمر الانتخابي المرجح انعقاده، وحسب لجنة الوساطة، في يوليو/تموز 2016، غير أن ما انتهت إليه لجنة الوساطة كان خطوة نحو دفع الصراع إلى نقطة اللاعودة بين الأجنحة المتصارعة، وهو ما يمكن أن نستشفه، ببساطةٍ، من تصريحات هذه الأجنحة، فقد اعتبر زعيم الأقلية داخل الحزب، محسن مرزوق، أن "نداء تونس" في شكله الحالي انتهى، وقال إنه لن يقبل بمأسسة الأزمة، وهو موقف وجد دعماً من كتلة 32 نائباً المنشقة عن كتلة النداء الذين اعتبروا، في بيانهم في 11/ 12 /2015، تعليقاً على قرارات لجنة المصالحة "أنّ هذه الخارطة المقترحة لا تستجيب للشروط السياسية والموضوعية لحلّ الأزمة".
وجاء تعليق رئيس اللجنة التي شكلها رئيس الجمهورية للمصالحة، يوسف الشاهد، واضحا في تأكيده على حالة المفاصلة التي وصل إليها الحزب، بقوله "إن تصريحات مرزوق لا تشجّع على التوافق، ومن لا يبحث عن التوافق فمكانه خارج الحزب".
ومع هذه التطورات المتتالية التي يشهدها حزب الأغلبية في تونس، والتي يتابعها المراقبون بانتباه، يمكن أن نسجل جملة من الملاحظات الأساسية، لعل أهمها أن مراوحة شقي "نداء تونس" بين حديث بعضهم عن نهاية الحزب، وأنه في حالة وفاة إكلينيكية، يقابلها إصرار الشق الآخر على موقفه أن الحزب سيستعيد قواه، ويشهد انطلاقة فعلية، عندما يتخلص من عناصره المعطلة وذات الأجندات الشخصية، وسيكون لهذا التباعد بين الموقفين أثره المستقبلي على بنية الحزب وهيكلته، قيادة وقاعدة. فإذا كان الواضح من مواقف رئيس الجمهورية انحيازه لشق الأغلبية الذي يتولى قيادته حافظ السبسي، وأن مواقف شق الأقلية توحي بسعيه إلى تأسيس حزب جديد، يسعى إلى أن يكون وريثاً للحزب الأصلي، فإن الوقائع توحي أن المرحلة المقبلة ستشهد فرزاً حقيقياً بين الطرفين، وأن ما جرى في انتخابات 2014 لن يتكرّر، فجمهور الناخبين لن يعيد حالة الانخداع الأولى بالوعود التي قدمها قيادات "نداء تونس"، من دون أن يعني هذا أن الحزب سينتهي تماماً، بقدر ما سيتحول إلى حزب أصغر، ولكن أكثر انسجاماً وفاعليةً في صورة ما إذا تمكن من إنجاز المؤتمرات الموعودة، وأن يتخلص من شق الأقلية وبأقل الخسائر.
وتتعلق الملاحظة الثانية بتبعات أزمة الحزب على الأداء الحكومي، وانخراط رئاسة الجمهورية في صراع حزبي، ما كان لها أن تتورط فيه، حتى وإن كان رئيس الدولة هو مؤسس "نداء تونس". فالخطاب الذي ألقاه الرئيس، وكان من المفترض أن يكون موجهاً للشعب على خلفية الحادث الإرهابي الذي جد في تونس، أخيراً، تحول، في مجمله، إلى كلمة موجهة إلى القاعدة الحزبية لـ "نداء تونس"، وهو أمر كان للرئيس أن يجعله موضوعا لنشاطه خارج العمل الرسمي، وبعيداً عن كاميرات التلفزيون، غير أن هذا التداخل العرضي بين الدولة والحزب، في جوهره، لمحة من ماض غير بعيد، عندما كانت الدولة دولة الحزب الحاكم. وعلى هذا، كان من الضروري لناشطي السياسة والمنظمات الحقوقية التحذير من التورط من جديد في مثل هذه الميكانيزمات في الأداء السياسي التي تخلط بين النشاط الحزبي والأداء الرسمي صلب الدولة.
تكشف أزمة "نداء تونس"، في تجلياتها المختلفة، عن مدى هشاشة القوى الحزبية الناشئة بعد الثورة، والتي تتعرّض للتفكك، حتى وإن حققت نتائج إيجابية في الانتخابات. ويكشف التاريخ القريب للعمل السياسي التونسي بعد الثورة أن أحزاباً حققت نتائج مهمة في انتخابات أكتوبر/تشرين أول 2011 تفكّكت في ما بعد (جرى في حزب المؤتمر من أجل الجمهورية). وتحول بعضها إلى كيانات قزمية، فقدت كل حضور أو تأثير، وهو ما جرى لحزبي التكتل من أجل العمل والحريات والحزب الجمهوري. وهذا ما يحيل إلى طرح السؤال حول طبيعة اللعنة التي تلحق الأحزاب الفائزة انتخابياً في تونس ما بعد الثورة، والتي تفتقر إلى القدرة على إدارة الاختلاف داخلها، والحفاظ على وحدتها الهيكلية. ويظل الهاجس الأساسي لدى مراقبي الشأن العام في تونس أي مصير يختزنه المستقبل لحزب نداء تونس: هل ستكون نهايته قريبةً، أم أن الحسم بين شقي الأغلبية والأقلية سيكون لحظة انطلاقة جديدة لكيان سياسي أكثر تماسكاً وفاعلية.
وإذا كان خيار رئيس الجمهورية تشكيل لجنة الـ 13، بوصفها الطرف الذي سيجد حلولاً ممكنة للأزمة والوساطة بين الشقين المتصارعين داخل حزب نداء تونس، وما توصلت إليه هذه اللجنة من قراراتٍ، يمكن اختصارها في نقاط كبرى ثلاث، هي الإعداد لمؤتمر توافقي في 10 /01 /2016، ثم العمل على إعادة هيكلة الحزب، استعدادا للمؤتمر الانتخابي المرجح انعقاده، وحسب لجنة الوساطة، في يوليو/تموز 2016، غير أن ما انتهت إليه لجنة الوساطة كان خطوة نحو دفع الصراع إلى نقطة اللاعودة بين الأجنحة المتصارعة، وهو ما يمكن أن نستشفه، ببساطةٍ، من تصريحات هذه الأجنحة، فقد اعتبر زعيم الأقلية داخل الحزب، محسن مرزوق، أن "نداء تونس" في شكله الحالي انتهى، وقال إنه لن يقبل بمأسسة الأزمة، وهو موقف وجد دعماً من كتلة 32 نائباً المنشقة عن كتلة النداء الذين اعتبروا، في بيانهم في 11/ 12 /2015، تعليقاً على قرارات لجنة المصالحة "أنّ هذه الخارطة المقترحة لا تستجيب للشروط السياسية والموضوعية لحلّ الأزمة".
وجاء تعليق رئيس اللجنة التي شكلها رئيس الجمهورية للمصالحة، يوسف الشاهد، واضحا في تأكيده على حالة المفاصلة التي وصل إليها الحزب، بقوله "إن تصريحات مرزوق لا تشجّع على التوافق، ومن لا يبحث عن التوافق فمكانه خارج الحزب".
ومع هذه التطورات المتتالية التي يشهدها حزب الأغلبية في تونس، والتي يتابعها المراقبون بانتباه، يمكن أن نسجل جملة من الملاحظات الأساسية، لعل أهمها أن مراوحة شقي "نداء تونس" بين حديث بعضهم عن نهاية الحزب، وأنه في حالة وفاة إكلينيكية، يقابلها إصرار الشق الآخر على موقفه أن الحزب سيستعيد قواه، ويشهد انطلاقة فعلية، عندما يتخلص من عناصره المعطلة وذات الأجندات الشخصية، وسيكون لهذا التباعد بين الموقفين أثره المستقبلي على بنية الحزب وهيكلته، قيادة وقاعدة. فإذا كان الواضح من مواقف رئيس الجمهورية انحيازه لشق الأغلبية الذي يتولى قيادته حافظ السبسي، وأن مواقف شق الأقلية توحي بسعيه إلى تأسيس حزب جديد، يسعى إلى أن يكون وريثاً للحزب الأصلي، فإن الوقائع توحي أن المرحلة المقبلة ستشهد فرزاً حقيقياً بين الطرفين، وأن ما جرى في انتخابات 2014 لن يتكرّر، فجمهور الناخبين لن يعيد حالة الانخداع الأولى بالوعود التي قدمها قيادات "نداء تونس"، من دون أن يعني هذا أن الحزب سينتهي تماماً، بقدر ما سيتحول إلى حزب أصغر، ولكن أكثر انسجاماً وفاعليةً في صورة ما إذا تمكن من إنجاز المؤتمرات الموعودة، وأن يتخلص من شق الأقلية وبأقل الخسائر.
وتتعلق الملاحظة الثانية بتبعات أزمة الحزب على الأداء الحكومي، وانخراط رئاسة الجمهورية في صراع حزبي، ما كان لها أن تتورط فيه، حتى وإن كان رئيس الدولة هو مؤسس "نداء تونس". فالخطاب الذي ألقاه الرئيس، وكان من المفترض أن يكون موجهاً للشعب على خلفية الحادث الإرهابي الذي جد في تونس، أخيراً، تحول، في مجمله، إلى كلمة موجهة إلى القاعدة الحزبية لـ "نداء تونس"، وهو أمر كان للرئيس أن يجعله موضوعا لنشاطه خارج العمل الرسمي، وبعيداً عن كاميرات التلفزيون، غير أن هذا التداخل العرضي بين الدولة والحزب، في جوهره، لمحة من ماض غير بعيد، عندما كانت الدولة دولة الحزب الحاكم. وعلى هذا، كان من الضروري لناشطي السياسة والمنظمات الحقوقية التحذير من التورط من جديد في مثل هذه الميكانيزمات في الأداء السياسي التي تخلط بين النشاط الحزبي والأداء الرسمي صلب الدولة.
تكشف أزمة "نداء تونس"، في تجلياتها المختلفة، عن مدى هشاشة القوى الحزبية الناشئة بعد الثورة، والتي تتعرّض للتفكك، حتى وإن حققت نتائج إيجابية في الانتخابات. ويكشف التاريخ القريب للعمل السياسي التونسي بعد الثورة أن أحزاباً حققت نتائج مهمة في انتخابات أكتوبر/تشرين أول 2011 تفكّكت في ما بعد (جرى في حزب المؤتمر من أجل الجمهورية). وتحول بعضها إلى كيانات قزمية، فقدت كل حضور أو تأثير، وهو ما جرى لحزبي التكتل من أجل العمل والحريات والحزب الجمهوري. وهذا ما يحيل إلى طرح السؤال حول طبيعة اللعنة التي تلحق الأحزاب الفائزة انتخابياً في تونس ما بعد الثورة، والتي تفتقر إلى القدرة على إدارة الاختلاف داخلها، والحفاظ على وحدتها الهيكلية. ويظل الهاجس الأساسي لدى مراقبي الشأن العام في تونس أي مصير يختزنه المستقبل لحزب نداء تونس: هل ستكون نهايته قريبةً، أم أن الحسم بين شقي الأغلبية والأقلية سيكون لحظة انطلاقة جديدة لكيان سياسي أكثر تماسكاً وفاعلية.