"نداء تونس" إلى أين؟

22 مارس 2015

من أنصار "نداء تونس" أثناء الانتخابات البرلمانية (26 أكتوبر/2014/الأناضول)

+ الخط -

انفجر الصراع داخل حزب نداء تونس، بوتيرة متسارعة وأصبح التجاذب بين أجنحته المختلفة معلناً بشكل يهدد بنية الحزب التنظيمية، وهو ما يكشف عن التركيبة غير المتجانسة التي تشكل منها هذا الكيان الحزبي. وبعيداً عن التفاصيل الجزئية للصراع، يمكن القول إن حالة التجاذب السياسي الحاد التي يعرفها هذا الحزب يمكن تفسيرها بجملة من العوامل الهيكلية التي تشق الحزب داخلياً، وإذا كان من الطبيعي أن تعرف الأحزاب السياسية صراعاً للأجنحة وتضارباً للمصالح وللتقديرات على مستوى التصورات والممارسات، فإن ما يجري في "نداء تونس" أعقد من أن يتم توصيفه باعتباره صراعا داخلياً، يمكن حله بالعودة إلى القوانين الأساسية للحزب، وإنما هو صراع كيانات متحالفة ضمن إطار حزبي، جمعتها المصلحة وفرقتها الغنيمة.

بداية، يمكن القول إن ما يعرفه "نداء تونس" في اللحظة الراهنة من صراعات يجد جذوره في نمط تشكل هذا الكيان السياسي، باعتباره نتيجة تحالف بين روافد مختلفة، ذات مرجعيات متعددة، سواء الطرف اليساري والنقابي، أو القوى الدستورية المتحدرة من الحزب الحاكم ما قبل الثورة، بالإضافة إلى حضور قوي لرجال أعمال، لعبوا دور الممول للحزب، خدمة لمصالحهم. وكان الجامع المركزي لكل هذه الروافد السياسية يتمثل في مواجهة حكم الترويكا، والسعي إلى إطاحة حركة النهضة سياسياً، الأمر الذي أخفى مشهد الخلافات العميقة بين القوى المختلفة داخل "نداء تونس". فمنذ الانتخابات، حضرت الخلافات في وجهات النظر حول قوائم المرشحين، وصولاً إلى ميل الرافد اليساري إلى دعم مرشح رئاسي غير الباجي قائد السبسي رئيس الحزب، غير أن الفوز في الانتخابات البرلمانية والرئاسية مثل لحظة فارقة في اندلاع معركة اقتسام الغنائم وافتكاك المواقع، سواء داخل الحكومة التي عبر الجناح الدستوري بوضوح عن استيائه من إقصاء عناصره الفاعلة عن تولي مواقع فيها، أو داخل الحزب الذي استأثر فيه الجناح اليساري بالهيئة التأسيسية التي تشكل القيادة الفعلية التي تدير شؤون الحزب، في انتظار انعقاد مؤتمر الحزب. وهذه الهيئة التي تشكلت خارج المنطق الانتخابي حاول عناصرها رفض إشراك قيادات مهمة في عضويتها، الأمر الذي أفضى إلى إعلان الطرف الآخر من الصراع عن سحب الثقة من الهيئة التأسيسية، وصولاً إلى عقد مجلس وطني، دعت إليه هيئة "تصحيح المسار" بقيادة حافظ قائد السبسي، رداً على قرارات الهيئة التأسيسية، الأمر الذي اعتبره المراقبون تعزيزاً لحالة الانشقاق التي يعانيها "نداء تونس".

حملت أزمة الحزب المعلنة والمتشعبة ميسم صراع المصالح بين متنفذين ماليين وأجنحة سياسية غير متجانسة، في ظل حزب يفتقد، في ما يبدو، إلى آليات لحل النزاعات الداخلية وإدارة الصراع، ضمن أطر منضبطة، فهذا الحزب تأسس حول شخصية الباجي قائد السبسي، وجعل برامجه مرتهنة بإطاحة خصم سياسي، لم يتشكل بصورة طبيعية، فهو يفتقر إلى رابط فكري عام، يجمع منخرطيه، كما أنه لا يملك هياكل منتخبة، أو مرجعيات واضحة، يمكن الرجوع إليها، لحسم هذا الصراع، وهو أمر تجلى في التصريحات النارية لبعض قياداته التي حذرت من فكرة التوريث (توريث قيادة الحزب لنجل الباجي قائد السبسي)، بل وبلغ بها الأمر إلى حد التأكيد على وجود امتدادات لنفوذ خارجي، يتحكم في بعض هياكل الحزب، ويسيّرها وفق مشيئته. ومن الطبيعي أن يجد حزب نداء تونس نفسه في عنق الزجاجة، وهو الذي لم يملك، ومنذ التأسيس، أي قدرة على التصرف كحزب منظم ومنضبط، وإنما كان أشبه بآلة انتخابية، سخرت جهودها للفوز، وفتحت المجال لتلقي الدعم من قوى مختلفة داخلية وخارجية، خصوصاً التي تناوئ ثورات الربيع العربي، وتسعى إلى إطاحة التيار الإسلامي من الحكم، وهي، الآن، وبعد الفوز الانتخابي، تطالب بالاستحقاقات التي لأجلها 

مولت وساندت ودعمت، ففي السياسية والعمل الحزبي، لا يوجد دعم مجاني، فالأحزاب ليست جمعيات خيرية، أو منظمات إنسانية، وإنما تقوم على حسابات وغايات ووظائف، تؤديها في مصلحة أطراف محددة.

ومن الأكيد أن الجناح الدستوري، القوي من حيث الامتداد في قواعد الحزب، أو من حيث نفوذه المتوارث في أجهزة الدولة، يسعى، بصورة أو أخرى، إلى تحجيم حضور الطرف اليساري والنقابي الذي يستولي على مواقع قيادية داخل الحزب، واحتل مناصب وزارية مهمة، وهو، بالتأكيد، يسعى إلى الحفاظ على ما اكتسبه، الأمر الذي ينبئ بتصاعد الصراع داخل الحزب، وربما تشظيه، أو على الأقل، تأثره سلبياً بهذه التجاذبات.

والخطير في صراعات "نداء تونس" أثرها السلبي على أجهزة الدولة، فبوصفه حزباً حاكماً، فإن انشغال وزرائه بصراعاتهم الحزبية الداخلية، بالإضافة إلى دخول رئيس الجمهورية على الخط من أجل الفصل في المنازعات، وبشكل يناقض ما ينص عليه الدستور، أن رئيس الدولة فوق الأحزاب، قد أدى إلى ارتباك الأداء الحكومي بشكل واضح، وهو ما يتجلى في تخبط مواقف الخارجية التونسية، وتخبط الحكومة في مواجهة مشكلات عاجلة وملحة، خصوصاً في ما يتعلق بموضوع الإرهاب، حيث بدا موقف رئيس الحكومة باهتاً وعاجزاً عن توجيه رسائل قوية لجماعات العنف والتطرف من جهة، وطمأنة للشعب والشركاء في الخارج، من جهة أخرى. الأمر الذي يدفع إلى التحذير من استمرار هذا الصراع، وامتداده زمنياً، بشكل سينهك الحكومة القائمة المنهكة أصلاً. بقي أن نشير إلى أن مصير حزب نداء تونس سيكون له أثره العميق على المشهد السياسي التونسي مستقبلاً، وهو ما يفترض أن يسعى هذا الحزب إلى حل مشكلاته الداخلية، عوضاً عن محاولة تعميمها وطنياً.

B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.