بالتزامن مع الجهود التي تقوم بها المعارضة السورية لتشكيل وفد يمثل تطلعات السوريين إلى جنيف، في سبيل الوصول إلى حلّ سياسي وفق القرارات الدولية، برز عدد من التحركات التي اتخذ بعضها طابعاً سياسياً، وبعضها الآخر طابعاً إنسانياً من العاصمة اللبنانية بيروت. كان العامل المشترك بينها هو الإيحاء بأن "الثورة السورية ضد النظام قد انتهت"، وأن "الحرب الآن هي بين السوريين والإرهاب"، وأن "الحديث يجب أن يكون عن سورية فيما بعد انتهاء الأزمة"، على حدّ تعبير القائمين بتلك التحركات، التي قلّلت المعارضة السورية من أهميتها، واعتبر بعض المعارضين أنها "نوع من تشويش على جهود المعارضة في جنيف"، في الوقت الذي يبدو فيه أن روسيا تسعى لزج هذه المجموعات ضمن وفد المعارضة المفاوض في جنيف 4، في 20 فبراير/شباط الحالي كمكون جديد يمكن تسميته بـ"منصة بيروت" على غرار بقية المنصات المحسوبة على ما البعض ممن يسمي نفسه معارضة الداخل، وتبدو مواقفه أقرب إلى النظام مما هي إلى المعارضة، مثل منصات دمشق وأستانة وحميميم مثلاً.
في هذا السياق، عُقد، أمس الجمعة، مؤتمر في العاصمة اللبنانية بيروت، تمّ خلاله الإعلان عن إطلاق "الكتلة الوطنية السورية"، التي تضمّ أحزابا من "معارضة الداخل" مقربة جداً من النظام. وبدا من خلال الكلمات التي ألقيت، التوجه الذي يسعى إليه المؤتمرون، والذي يقترب من توجهات النظام أكثر من خدمته لتوجهات المعارضة، إذ أكد عراب المؤتمر، لؤي حسين، أن "الحرب ضد السلطة السورية قد انتهت، والحرب ضد الإرهاب المتمثل بتنظيمي الدولة الإسلامية (داعش) والقاعدة لا تزال مستمرة". أما السفير الروسي في بيروت، ألكسندر زاسبكين، فقال لـ"العربي الجديد"، إن "روسيا تريد مشاركة وفد من الكتلة الوطنية في لقاءات جنيف، كونها تمثل تطلعات شريحة واسعة من السوريين المقيمين داخل سورية".
وتزامناً مع مؤتمر إطلاق الكتلة الوطنية استضافت بيروت يوم الخميس الماضي في فندق ريفيرا، اجتماعاً بين معارضين سوريين وموالين للبحث في "مبادرة للسلام"، هدفها إعادة ألف عائلة لاجئة في لبنان إلى سورية بضمانة روسية، كخطوة اختبارية. وذلك بحضور مستشارين في السفارات الروسية والألمانية والبلغارية لدى لبنان، إلى جانب ممثلين عن المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة وممثلين عن مبادرات سلمية، وفي غياب ممثل عن الدولة اللبنانية.
وكتب صاحب المبادرة محمد حبش على صفحته الشخصية على "فيسبوك"، إنها "بداية مشجعة وإيجابية لنشاط المبادرة السورية للسلام في بيروت، وجمع عدداً من أعضاء المبادرة مع طيف مهم من الإعلاميين والدبلوماسيين لشرح المبادرة". وكشف أن "المبادرة السورية للسلام مشروع وطني سلمي، يهدف إلى تعزيز فرص السلام وإنهاء الحرب في سورية بكل الوسائل الممكنة"، وأن "المبادرة تملك خطوط تواصل إيجابي مع النظام ومع المعارضة، ومع الأمم المتحدة ومع عدد من الدول المنخرطة في الصراع في سورية". وبيّن حبش أن "النشاط الأول الذي أعلنته المبادرة هو العمل على عودة الراغبين من النازحين السوريين في لبنان إلى قراهم وبلداتهم"، موضحاً أنه "سيقوم متطوعون تابعون للمبادرة بزيارة خيام اللاجئين في لبنان لاستلام طلبات الراغبين بالعودة وفق النموذج الذي أعدته المبادرة، وسيتم تقديم القوائم إلى الحكومة السورية عبر وزارة المصالحة".
وذكر أن "الحكومة السورية وعدت بتأمين عودة اللاجئين من نقاط الحدود عبر مواكب رسمية محمية إلى مراكز الإيواء التي فتحتها الدولة في المدن السورية، وتتوفر فيها الإغاثة الضرورية من صحة وغذاء وتعليم، إلى حين تأهيل مناطقهم. كما يمكن للاجئ أن يختار العودة الفورية إلى بلدته أو قريته إذا كانت مؤهلة". وأشار إلى أن "المشاركين من الدولة السورية طلبوا التعاون في توفير تأجيل إداري لمدة عامين للمطلوبين للجندية لمن يأتي مع اللاجئين بصفة معيل".
من جهته، قال عضو الائتلاف الوطني نصر الحريري في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يمتلك تفاصيل كاملة عن هذه التحركات، إلا أنها ليست ذات أهمية كبيرة". واعتبر أن "حضور ممثلي سفارات دول لا يعني أن هناك وزناً لهذه التحركات". وعن رأي الائتلاف بهذه المبادرات، لفت الحريري إلى أن "الشعب السوري بحاجة إلى جهود إيجابية حقيقية، تؤدي إلى حل المعضلة السورية برمتها. وهذا الحلّ يأتي ضمن جهود ومبادرات دولية شاملة، ولا تنظر إلى المواضيع بجزئية، لأن النظام لا يفهم بلغة المصالحات، فبالأمس كانت منظمة العفو الدولية تتحدث عن جرائم بشعة للنظام. بالتالي فأي حديث خارج هذا الإطار لن يجدي نفعاً مع هذا النظام، الذي لا يفهم من هذه المبادرات سوى العودة إلى حضن الوطن بمفهومه، ونتمنى أن تأتي مبادرات تؤدي إلى رفع حصار عن مناطق محاصرة إدخال مساعدات إنسانية الطلب من الدول ممارسة ضغط على النظام، من أجل الدخول بعملية سياسية حقيقية. أما العمل ضمن مبادرات جزئية وفردية، فهذا الأمر جُرّب سابقاً مع النظام وهو لا يأتي بنتائج".
واستغرب الحريري أن "يكون حزب الله الذي ارتكب كل هذه الجرائم بحق السوريين هو الضامن لمبادرة حبش"، معتبراً أنه "طالما حزب الله داعم لهذه المبادرة، فالهدف منها هو إعادة الناس بالقوة إلى حضن بشار الأسد من خلال مغريات إنسانية. وما لم تكن هذه المبادرات دولية تعالج الأمر من جذوره، فهي لن تجدي نفعاً ولن تؤدي إلى مزيد من التعقيد". وشدّد على أن "الحرب مع النظام السوري لم تنتهِ وأن الحديث عن انتهائها هو أمر غير مقبول".
ورأى أن "دعوة سفراء دول لحضور أي فعالية هو أمر سهل للغاية، وبإمكان أي جهة تقيم فعالية سياسية أو إنسانية أن تدعو سفراء دول لحضورها"، موضحاً أن "التجمّع الذي يقوم به لؤي حسين هو بهدف التشويش على المعارضة ويأتي في خدمة النظام". وأضاف المصدر أنه "هناك معلومات لست متأكداً منها بأن التجمع الذي أسسه لؤي حسين ممول إيرانياً، والإعلان عنه في هذا التوقيت بهدف المساهمة بتعزيز الفكرة التي تعمل عليها إيران وروسيا بتصوير المعارضة السورية على أنها مجموعة معارضات. ولكنه بيّن أن هذه الحركة ليس لها أي وزن، ولن تؤثر على المعارضة التي يهمها الآن التحضير لجنيف".
وبما يخص المبادرة الإنسانية التي يتزعمها حبش قال المصدر إن "هذه المبادرة هي حاجة لحزب الله قبل النظام، لأن الحزب يعاني من أزمة وجود لاجئين معارضين في مناطقه، يعتبر أنهم يساهمون بتغيير ديموغرافي ضمن تلك المناطق". وأكد أن "شخصيات مقربة من حزب الله تواصلت مع الائتلاف في وقت سابق، وقدمت طرحاً مشابهاً، يتضمن تجميع اللاجئين السوريين في لبنان ضمن مناطق تكون تحت سيطرة المعارضة، ولكن ضمن شروط تشبه شروط المصالحات التي يجريها النظام مع بعض المناطق السورية. لكن الائتلاف رد على هذه المقترحات بأنها تخريف لا يمكن له القبول بها، معتبراً أن هذه المبادرة وإن جاءت تحت اسم مبادرة إنسانية إلا أنها تشكو من غياب أي ضامن لها. وفي حال تم تطبيقها فستكون ضمن شروط النظام الذي لم تتمكن حتى الأمم المتحدة من أن تأخذ دور الضامن له من الإخلال بالشروط التي توضع قبل تطبيق أي اتفاق. بالتالي فإن أي سوري مطلوب للنظام وسيصدق هذه المبادرة سيتم اعتقاله فور عبوره الحدود السورية، كما حصل مع الكثير من أهالي المناطق التي وقعت على مصالحات مع النظام".