وبينما تستعد موسكو لاستضافة مؤتمر حول أفغانستان، اليوم الجمعة، ومناقشة الوضع الراهن هناك، تتعالى الأصوات الأفغانية في شأن التدخل الروسي ومساعدتها للجماعات المسلحة مجدداً. وذهبت بعض القنوات المحلية، كقناة "طلوع"، إلى أبعد من ذلك، منوّهة إلى أن "جنودا ومستشارين روسيين شوهدوا في إقليم أورزجان غرب أفغانستان، وهم يتجولون بالقرب من مدينة تيرنكوت، عاصمة الإقليم".
وقد لخص الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في تصريحات صحافية، أمس الخميس، أسباب اهتمام بلاده بالموضوع الأفغاني بالقول إن "الإرهاب أكبر خطر تمثله أفغانستان التي تسودها حرب أهلية". وأضاف "هذا اتجاه خطير جداً بالنسبة لنا جميعاً". كما أشار إلى ما قال إنه رغبة بلاده في المشاركة في إيجاد حل سلمي في أفغانستان، ورفض الانتقادات التي وجهت للاتصالات الروسية بطالبان وقال: "هناك بالطبع الكثير من العناصر الأصولية في هذه المنظمة... ولكن روسيا تتعاون مع جميع القوى في أفغانستان للتمهيد للعملية السلمية". وفيما تحتفظ روسيا منذ أكثر من عشر سنوات بقاعدة عسكرية في طاجكستان، إحدى الدول المجاورة لأفغانستان، قال بوتين "آمل كثيراً ألا نضطر لاستخدام قواتنا أبداً (في أفغانستان) خاصة وحداتنا… في طاجكستان".
وعلى الرغم من فشل روسيا في إقناع الولايات المتحدة بحضور المؤتمر أو إقناع أفغانستان بمشاركة "طالبان" فيه كأحد أطراف المعضلة، إلا أنها تستعد لاستضافة المؤتمر الذي ستشارك فيه الصين وإيران والهند وروسيا وباكستان وأفغانستان. وقد رأى البعض في المؤتمر سعياً روسياً لمنح "طالبان" حيثية قانونية، لتساعدها في التصدي لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
قد تختلف رؤى ومصالح دول المنطقة ولكنها جميعاً تدرك أن المعضلة الأفغانية لا بد من حلّها، وأن استمرارها سيلقي بظلالها القاتمة على أمن المنطقة بأسرها. أما الأفغان فينظرون إلى مثل هذه الجهود بنظرة الشك، لا سيما أن موسكو هي التي تستضيف المؤتمر، في وقت تعالت الأصوات على مختلف الأصعدة، بشأن التدخل الروسي في أفغانستان ومساعدتها لطالبان.
في هذا السياق، يقول المحلل الأمني عبيد الله وزيري، لـ"العربي الجديد"، إن "موسكو تسعى من خلال انعقاد مثل هذه الاجتماعات أن تطرح نفسها مجدداً، وإلا فلماذا تساعد الجماعات المسلحة وتساند طالبان بالعتاد والأسلحة؟". وكغيره من الأفغان، لا يتوقع وزيري أن "يسفر مؤتمر موسكو عن أية نتيجة سوى محاولة موسكو طرح نفسها والتأكد على أن طالبان جهة لا بد من الاعتراف بها".
من جهته، يشير المتحدث بإسم وزارة الدفاع الأفغانية الجنرال، دولت وزيري، إلى أن "لديهم تقارير تؤكد بأن موسكو تساند طالبان، وهو خطأ قد ترتكبه موسكو على غرار ما فعلته في الكثير من الدول، لأن الحل هو مساعدة دولة قانونية للقضاء على أية جماعة تربك أمن المنطقة، لا سيما أن الجيش والقوات الأفغانية تعمل ذلك بمساعدة القوات الدولية".
وكانت جلسة خاصة للبرلمان الأفغاني قد ناقشت قبل أيام قضية التدخل الروسي في أفغانستان ومنحها السلاح، وأكد نائب رئيس البرلمان محمد نذير أحمدي زاي أن "لدى حكومة أفغانستان أدلة وشواهد تثبت تدخل الروس في أفغانستان ومساعدتها لطالبان"، مشيراً إلى أن "أفغانستان لن تبقى صامتة إزاء التدخل الروسي التي بات لا يشك فيه أحد". وشدّد على أن "أفغانستان ستقدم كل تلك الشواهد والأدلة إلى المجتمع الدولي إذا دعت الحاجة إليه".
كما اتهم نذير السفارة الروسية لدى كابول بالعمل ضد الحكومة الأفغانية وأن السفير الروسي لدى كابول يحث في لقاءاته مع الأفغان على الانحياز إلى "طالبان"، والعمل ضد الحكومة. وهو الأمر الذي لن يقبله الأفغان، كما أنه يخالف الأعراف الدبلوماسية.
وفي ردّ فعل لها، أصدرت السفارة الروسية أخيراً بياناً، انتقدت فيه بشدة التصريحات الأخيرة لمسؤولين أفغان، منوهة إلى أن "كبار المسؤولين في البلاد يتحدثون بشأن روسيا وعلاقاتها مع طالبان، وهي تهم لا أساس لها ولا دلائل تثبت فعلاً مساندة موسكو لطالبان". ولكن السفارة الروسية نفسها أقرت قبل فترة بأن موسكو لها علاقات مع "طالبان" وذلك لأجل الحفاظ على حياة مواطنيها وحثها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الحكومة الأفغانية.
ثمة من يرى أن موسكو لا شك أنها تساعد "طالبان" ولكنها لا تفعل ذلك مباشرة إنما عن طريق إيران، كما أنها في الوقت نفسه تسعى للمصالحة، ومؤتمر اليوم دليل على ذلك، حسبما يقول العضو في البرلمان الأفغاني، المشرف على عمليات الجيش في إقليم هلمند، الجنرال عبد الجبار قهرمان، الذي يكشف بأن "أسلحة روسية وصلت إلى طالبان ومن بينها أسلحة متطورة، ولكنها أتت إليها من خلال إيران، ذلك إما لأن طهران لديها أسلحة روسية تعطيها لطالبان أو لأن موسكو تمنح لطالبان أسلحتها من خلال طهران، ونحن نعلم أن علاقات روسيا بطالبان أتت من خلال وساطة طهران".
وبغض النظر عن المواقف الأفغانية في أفغانستان إزاء التدخل الروسي، إلا أن كابول، كما أنها تنظر إلى أعمال موسكو بنظر الشك وتهدد بإعادة النظر في علاقاتها معها إذا ما استمرت في دعمها للجماعات المسلحة، فهي كذلك تستغل مؤتمر موسكو لتبيان وجهة نظرها والتباحث مع دول المنطقة بشأن المعضلة. ولدى الحكومة الأفغانية مطلبان من مؤتمر موسكو المرتقب، هما "إصدار بيان بأن الحرب في أفغانستان تموّل من الخارج ولا بد من القضاء على بؤر الجماعات المسلحة في الخارج، لا سيما طالبان، وقطع الدعم عنها من قبل دول المنطقة، لا سيما باكستان وإيران وروسيا. والطلب الثاني، عدم تفكيك الجماعات المسلحة بعضها عن بعض".
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن أفغانستان تسعى كذلك أن تقنع موسكو ودول المنطقة كلها بأن القضاء على الجماعات المسلحة، لا سيما "داعش" لا يمكن إلا بالتعاون مع الحكومة الأفغانية وليس مع "طالبان" أو أي جماعة مسلحة أخرى. وذلك في حين يستفحل خطر "داعش" في شمال أفغانستان، بعد أن قضت عليها القوات الأفغانية والدولية في الجنوب والشرق.
ولعلّ روسيا تقول إن القوات الأميركية بمساعدة القوات الأفغانية تسعى بشكل ممنهج أن تقضي على مراكز "داعش" في الشرق والجنوب كي تدفع بها إلى الشمال الأفغاني، وبالقرب من الحدود مع دول آسيا الوسطى لتشكل خطراً عليها. لكن ليست روسيا وحدها من يواجه هذا الخطر بل حتى الصين قلقة بشأن الموضوع، بعد ورود تقارير تفيد بأن حوالي 400 من مسلحي "داعش" من عرقية الأويغور الصينية وصلوا إلى أفغانستان وأنشأوا مراكز تدريب لهم. وهو ما أدى إلى ارتفاع وتيرة النشاط الصيني في أفغانستان. لكن الفرق يكمن في أن الصين تتواصل مع الحكومة الأفغانية، مع الحفاظ على علاقاتها بـ"طالبان" من دون المساعدة، بينما موسكو تلعب على مسارين.