"رامبرانت شاباً": لوحاتٌ لم تُنبئ بمستقبل راسمها

28 يونيو 2020
("اختطاف أوروبا"، من المعرض)
+ الخط -

في الثانية والعشرين من عمره، رسَم رامبرانت هرمنسزون فان راين نفسه وهو يحدّق بقلق وشعرُه المنكوش أمام المرآة في زاوية مرسمه، ويَظهر جانبٌ من وجهه بأنف منتفخ والظلال تغطّي ملامحه... لوحة لم توحِ تعابيرها الخافتة وغير القوية بأنّ مستقبلاً عظيماً بانتظار راسمها بعد فترة غير طويلة.

كان الفنان الهولندي (1609 - 1669) مهتماً بالتأكيد أن هذا الرسم بورتريه ذاتي، غير متقصّد تصوير تشابه يربطه به، تقوده رغبة بالتجريب ستتبدى نتائجها لاحقاً تتمثّل بانعكاس الضوء على مساحة خدّه الأيمن، بينما يحجب الظلُّ الجانب الأيسر.

"رامبرانت شاباً" عنوان المعرض الافتراضي الذي ينظّمه حالياً "متحف أشموليان" في مدينة أكسفورد البريطانية، ويضيء على السنوات الأولى من تجربته، بين عاميْ 1624 و1634، حيث تُنبئ أعماله خلالها ببراعة في التلوين ستجد طريقها للتطوّر، لكنها خارج غايات الدرس يظلّ تقييم النقّاد ومؤرّخي الفن لها بأنها ضعيفة، بل وسيئة جداً.

تقدّم بعض اللوحات المعروضة والدي الفنان اللذين كانا في الأربعينيات عندما وُلد ونشأ مع تسعة أشقّاء، وربما يُفسّر ذلك توجُّهه في البدايات إلى رسم كبار السن، حين قرّر في السادسة عشرة أن يُصبح فنّاناً، حيث درس مبادئ الرسم في معهد للتدريب المهني، ثم انتقل إلى مركز الفنون في أمستردام، وهناك تعلّم على يد بيتر لاستمان القادم من إيطاليا؛ البلد الذي لم يتمكّن من الإقامة فيه مثل معظم فنّاني عصره، لكن دروس معلمّه شكّلت تعويضاً.

تُعرض لوحة "بائع النظارات" التي تُعدّ من أقدم أعماله المعروفة، قدّم بعدها بنحو ستّ سنوات "إرميا يرثي تدمير القدس" (1930) بزيت على قماش، وغدت علامة تدلّ على حركة دراماتيكية تحدّدها طريقة تعامله مع العتمة والنور اللذين سيواصل توزيعهما بشكل معقّد في بؤر عدّة على امتداد سطح اللوحة، ما يخلق تأويلات وانطباعات مختلفة حولها.

يتضمّنُ المعرض إحدى وثلاثين لوحة رسمها رامبرانت، وكان هو وأفراد عائلته شخصيات أساسية في بعضها، وتناول بعضها الآخر موضوعات دينية وأسطورية، إضافة إلى تسعين رسماً ومطبوعات مستعارة له من مجموعات دولية وخاصة، بالإضافة إلى لوحة بعنوان "دع الأطفال الصغار يأتون إليّ" والتي نفّذها بين عاميْ 1927 و1928، واختفت لعشرات السنوات قبل أن يُعثَر عليها عام 2016.

ويتناول في لوحاتٍ أُخرى صداقته مع يان ليفينز، وهو فنّان شاب آخر من ليدن؛ مدينته التي عاد إليها بعد إنهاء دراسته، حيث عمل الاثنان معاً بشكل وثيق، وتأثّرا ببعضهما واستكشفا نفس المواضيع، لدرجة أنه يُعتقد أنهما تشاركا في ورشة عمل نفسها، كما يتمّ التركيز على عام 1629 الذي بدأت فيه الأضواء تحيط برامبرانت، حين اشترى المبعوث الخاص للملك الإنكليزي تشارلز الأول اثنتين من لوحاته.

ويحتوي المعرض على أعماله الطباعية التي وقّعها بحرف واحد فقط من اسمه بين عامَي 1631 و1635، واستخدم هذه النسخ للوصول إلى جمهور أوسع، وبناء سمعته والحصول على دخل إضافي، مستكشفاً موضوعات جديدة ومبتكرة من خلال تقديم الطبيعة الترابية ومناظر العري، مع تعمُّد إظهار واقعيتها بتقديم بطون ممتلئة وأجساد مترهّلة.

يُعتبر العقد الأوّل من مشوار رامبرانت محورياً، بحسب بيان المنظّمين، من أجل فهم تجربته ككلّ، حيث نجد في لوحاته ومطبوعاته ورسوماته المبكّرة أسلوباً خاصّاً تحدّه صعوبات تقنية وأخطاء عديدة لا تزال أثراً باقياً فيها.

المساهمون