12 نوفمبر 2024
"المؤشر العربي".. عن الدين والسياسة
تضمنت نتائج المؤشر العربي لسنة 2015، والذي أنجزه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، جوانب مهمة تكشف عن توجهات الرأي العام العربي في قضايا مركزية. ويثير الانتباه فيه تخصيصه قسماً لدور الدين في الحياة العامة والسياسية. وتكشف القراءة العامة له أهمية حضور الدين في الحياة العامة للمجتمعات العربية التي يمكن وصفها بأنها دينية بصورة واضحة، حيث لا يزيد غير المتدينين عن نسبة 9% في مقابل 64% من المتدينين إلى حد ما و24% من فئة الشديدي التديُّن.
وهذا الحضور للمقدس في الحياة العامة لدى المجتمعات العربية موضوع المسح الذي تناوله الاستطلاع (12 دولة)، وعلى خلاف المتوقع، لم يفض إلى حالة من التعصب أو التشدد في رؤية المواطن العربي لمسائل العلاقة مع الآخر المختلف عقائدياً، وكذلك في الاختيارات السياسية. فالغالبية من المستجيبين يرفضون تكفير المختلف عقائدياً، وإن تتفاوت النسبة من بلد إلى آخر، حيث نلاحظ نسبة التسامح أكبر في الدول العربية الأكثر انفتاحاً، خصوصاً لبنان وتونس. ونلاحظ التوجهات نفسها في مسائل تأثير عامل الدين في الخيارات السياسية، حيث تميل الأغلبية إلى رفض تدخل المشايخ/ رجال الدين في التوجهات السياسية الكبرى، أو أن يتحول الدين أداة في الصراع السياسي، ويصبح مجالاً للتوظيف في تبرير السياسات الحكومية، أو في الشعارات الحزبية وفي المنافسة الانتخابية. ويثير الانتباه أن هذه التوجهات التي تسود لدى جزء مهم من الرأي العام العربي تتناقض مع السياسات الحكومية في دول عربية كثيرة، موضوع الدراسة، فدول، مثل لبنان، حيث نسبة تأييد مقولة "لا يحق للحكومة استخدام الدين للحصول على تأييد الناس لسياساتها" 68%، أو العراق حيث نسبة معارضي هذه المقولة 12% فقط، نجدها، من حيث الواقع السياسي الرسمي، تعتمد تقسيماً طائفياً حاداً وجذرياً في توزيع المناصب الحكومية، أو حتى في التعبئة الجماهيرية لدى بعض الأطراف الحزبية أو الطائفية، ما يكشف عن مدى الانفصال بين توجهات الرأي العام والتوجهات الرسمية التي تسعى إلى تكريس حالة الفرز على أساس ديني مذهبي، وإغفال بناء دولة المواطنة.
وفي ظل هذه التوجهات الرسمية، تتكرّس علاقة التداخل بين الديني والسياسي، وهو ما يكشف
عنه المؤشر، في بحثه الفصل بين الدين والسياسة، حيث تكشف نتائج الاستطلاع مدى التقارب بين نسب مؤيدي فصل الدين عن السياسة والمعارضين له، وهو ما يكشف عن مفارقة غريبة تشق المجتمعات العربية، من حيث كونها تشهد حراكاً مجتمعياً حقيقياً، من أجل الحسم في قضايا مهمة، تتعلق بطبيعة المجتمع ونمط السلوك السياسي المفترض في علاقته بالمسألة الدينية. وإذا كانت شروط التديّن لدى المواطن العربي ليست متشددة كثيراً حيث ترفض الغالبية توصيف غير الملتزم دينياً على أنه شخص سيئ، لكنها، في الوقت نفسه، تنحاز إلى السمات الأخلاقية والالتزام بالمنظومة القيمية من أجل إطلاق صفة التديّن على شخصٍ ما.
كشف مؤشر 2015 عن معطياتٍ مهمةٍ في طبيعة فهم المواطن العربي العلاقة بين الدين والسياسة، حيث نلاحظ إدراكاً عميقاً لأصل الأزمات في المنطقة التي تجد جذورها في أزمات هيكلية متعلقة بطبيعة النظام السياسي والأزمات الاجتماعية، وهو ما يفسر موقف الغالبية الرافضة تنظيم داعش (89% لديهم نظرة سلبية)، وحتى من أبدى تعاطفه معه، فإنه يحيل موقفه إلى عوامل سياسية، فهذا التنظيم "نتاج المنطقة ومجتمعاتها وصراعاتها".
ومن المهم تسجيل ملاحظة أن الميل إلى تصوّر منفتح لعلاقة الدين بالسياسة أكثر انتشاراً في الدول الأكثر ديمقراطية وتعددية من ناحية نظامها السياسي، مثل لبنان وتونس والكويت والمغرب، وأن المنتمين إلى دول أكثر انغلاقاً في نظامها السياسي هم من أبدى ميلاً أشد إلى توثيق العلاقة بين الدين والدولة (مثل السعودية) أو دول يتخذ أفرادها موقفاً سلبياً من الحياة الحزبية والديمقراطية، كما مواقف المستجيبين في الجزائر.
يفتح ما تضمنه استطلاع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أفقاً مهمّاً لفهم التطورات التي عرفتها المنطقة العربية وطبيعة التغيّرات الطارئة على مزاج الرأي العام، سواء في موقفه من قضايا الديمقراطية والثورات العربية، أو في طبيعة المقاربات السائدة حول التقاطع بين الديني والسياسي. وبالإجمال، يمكن تأكيد أن ثمة رأياً عاماً عربياً يميل نحو الخروج من الأزمات التي تشهدها المنطقة، وترتبط أساساً بقضايا الاستبداد والإرهاب والتدخل الخارجي، سواء من دول الجوار أو من الدول الكبرى، ما يعني أن إمكانية تطوير هذه المجتمعات رؤاها السياسية، في أفق التحولات الديمقراطية المنشودة، أصبحت أمراً ملحاً شريطة إيجاد السبل لإبعاد أنظمة الاستبداد وتخليص الدول العربية من الهيمنة الأجنبية، وفي مقدمتها تحرير فلسطين، على الرغم ممّا كشفه الاستطلاع من تراجع نسبي في ثقة الرأي العام بثورات الربيع العربي، وشعوره بخيبة أمل في إمكان تحقيق غدٍ أفضل في أقرب وقت.
وهذا الحضور للمقدس في الحياة العامة لدى المجتمعات العربية موضوع المسح الذي تناوله الاستطلاع (12 دولة)، وعلى خلاف المتوقع، لم يفض إلى حالة من التعصب أو التشدد في رؤية المواطن العربي لمسائل العلاقة مع الآخر المختلف عقائدياً، وكذلك في الاختيارات السياسية. فالغالبية من المستجيبين يرفضون تكفير المختلف عقائدياً، وإن تتفاوت النسبة من بلد إلى آخر، حيث نلاحظ نسبة التسامح أكبر في الدول العربية الأكثر انفتاحاً، خصوصاً لبنان وتونس. ونلاحظ التوجهات نفسها في مسائل تأثير عامل الدين في الخيارات السياسية، حيث تميل الأغلبية إلى رفض تدخل المشايخ/ رجال الدين في التوجهات السياسية الكبرى، أو أن يتحول الدين أداة في الصراع السياسي، ويصبح مجالاً للتوظيف في تبرير السياسات الحكومية، أو في الشعارات الحزبية وفي المنافسة الانتخابية. ويثير الانتباه أن هذه التوجهات التي تسود لدى جزء مهم من الرأي العام العربي تتناقض مع السياسات الحكومية في دول عربية كثيرة، موضوع الدراسة، فدول، مثل لبنان، حيث نسبة تأييد مقولة "لا يحق للحكومة استخدام الدين للحصول على تأييد الناس لسياساتها" 68%، أو العراق حيث نسبة معارضي هذه المقولة 12% فقط، نجدها، من حيث الواقع السياسي الرسمي، تعتمد تقسيماً طائفياً حاداً وجذرياً في توزيع المناصب الحكومية، أو حتى في التعبئة الجماهيرية لدى بعض الأطراف الحزبية أو الطائفية، ما يكشف عن مدى الانفصال بين توجهات الرأي العام والتوجهات الرسمية التي تسعى إلى تكريس حالة الفرز على أساس ديني مذهبي، وإغفال بناء دولة المواطنة.
وفي ظل هذه التوجهات الرسمية، تتكرّس علاقة التداخل بين الديني والسياسي، وهو ما يكشف
كشف مؤشر 2015 عن معطياتٍ مهمةٍ في طبيعة فهم المواطن العربي العلاقة بين الدين والسياسة، حيث نلاحظ إدراكاً عميقاً لأصل الأزمات في المنطقة التي تجد جذورها في أزمات هيكلية متعلقة بطبيعة النظام السياسي والأزمات الاجتماعية، وهو ما يفسر موقف الغالبية الرافضة تنظيم داعش (89% لديهم نظرة سلبية)، وحتى من أبدى تعاطفه معه، فإنه يحيل موقفه إلى عوامل سياسية، فهذا التنظيم "نتاج المنطقة ومجتمعاتها وصراعاتها".
ومن المهم تسجيل ملاحظة أن الميل إلى تصوّر منفتح لعلاقة الدين بالسياسة أكثر انتشاراً في الدول الأكثر ديمقراطية وتعددية من ناحية نظامها السياسي، مثل لبنان وتونس والكويت والمغرب، وأن المنتمين إلى دول أكثر انغلاقاً في نظامها السياسي هم من أبدى ميلاً أشد إلى توثيق العلاقة بين الدين والدولة (مثل السعودية) أو دول يتخذ أفرادها موقفاً سلبياً من الحياة الحزبية والديمقراطية، كما مواقف المستجيبين في الجزائر.
يفتح ما تضمنه استطلاع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أفقاً مهمّاً لفهم التطورات التي عرفتها المنطقة العربية وطبيعة التغيّرات الطارئة على مزاج الرأي العام، سواء في موقفه من قضايا الديمقراطية والثورات العربية، أو في طبيعة المقاربات السائدة حول التقاطع بين الديني والسياسي. وبالإجمال، يمكن تأكيد أن ثمة رأياً عاماً عربياً يميل نحو الخروج من الأزمات التي تشهدها المنطقة، وترتبط أساساً بقضايا الاستبداد والإرهاب والتدخل الخارجي، سواء من دول الجوار أو من الدول الكبرى، ما يعني أن إمكانية تطوير هذه المجتمعات رؤاها السياسية، في أفق التحولات الديمقراطية المنشودة، أصبحت أمراً ملحاً شريطة إيجاد السبل لإبعاد أنظمة الاستبداد وتخليص الدول العربية من الهيمنة الأجنبية، وفي مقدمتها تحرير فلسطين، على الرغم ممّا كشفه الاستطلاع من تراجع نسبي في ثقة الرأي العام بثورات الربيع العربي، وشعوره بخيبة أمل في إمكان تحقيق غدٍ أفضل في أقرب وقت.