"السيسي معجزة إسرائيل".. قال الحاخام

14 مارس 2015
+ الخط -

من يتابع الجدل الإسرائيلي الداخلي بشأن العلاقة مع النظام المصري الحالي، في وسعه أن يرصد ما يشي بعجز النخب الصهيونية عن استيعاب وتفسير حرص الرئيس عبد الفتاح السيسي على خدمة المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية، على هذا النحو الكثيف والواسع، والذي لم تبده حتى الولايات المتحدة الأميركية، الحليف الاستراتيجي للكيان الصهيوني. ولعل التحقيق الصحافي الموسع والعميق الذي نشره موقع "وللا" الإخباري، الإثنين الماضي، 9 مارس/آذار الجاري، وأعده الصحافي أمير تيفون عن طابع العلاقات "الحميمية" بين السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يسلط الضوء على جوانب أخرى، لم تتعرض لها قبل ذلك وسائل الإعلام. فمن خلال مقابلاتٍ أجراها مع عدد كبير من المسؤولين السياسيين والعسكريين ودبلوماسيين صهاينة لعبوا دوراً في الاتصالات بين السيسي وإسرائيل، يجزم تيفون أن مستوى التعاون الأمني والتنسيق السياسي بين إسرائيل ومصر في عهد السيسي وصل إلى حدود غير مسبوقة، وفاق أكثر التوقعات الصهيونية تفاؤلاً. ولا خلاف بين نخب الحكم الذي تحدث إليها تيفون على أن موقف السيسي الحاد والصريح ضد حركة حماس، في أثناء الحرب ضد غزة في الصيف الماضي، هو الذي ساعد نتنياه وعلى التصدي للضغوط الدولية التي مورست عليه، للاستجابة لمطالب المقاومة الفلسطينية. ونظراً لأن حرب غزة، أخيراً، من أكثر الحروب التي تركت تأثيرات عميقة على الوعي الجمعي للصهاينة، فإن تيفون يجزم بأن وقوف السيسي في أثنائها إلى جانب إسرائيل، بدون أدنى تردد، جعله أكثر الشخصيات شعبية في الكيان الصهيوني. ومن خلال الوصف الذي عرضه التحقيق، يمكن القول إن نتنياهو كان أكثر الزعماء الأجانب الذين حرص السيسي على الاتصال بهم هاتفياً، مرات كثيرة جداً. ويوضح تيفون آلية إجراء الاتصال بين السيسي ونتنياهو، حيث أفاد بأن السيسي كان يتحدث العربية، بينما تحدث نتنياهو الإنجليزية، فيما يتولى مترجم يتقن اللغتين الترجمة. ولا يفوت تيفون الإشارة إلى أن نتنياهو هو الذي أحدث التحول في موقف الإدارة الأميركية من نظام السيسي، وأنه طلب من نشطاء جماعة الضغط اليهودية النافذة "إيباك" التحرك بكثافة داخل الكونغرس وأروقة الإدارة الأميركية من أجل إجبارها على التراجع عن الموقف الأولي السلبي من نظام السيسي، وهذا ما كان.

لكن، إن كان هذا لا يكفي، فإن آفي سيخاروف، زميل تيفون، كشف في تقرير نشره، في الأول من مارس/آذار الجاري، أن السيسي في اتصالاته بإسرائيل في أثناء الحرب على غزة أبدى امتعاضه من "تواضع" الضربات التي كان يوجهها الجيش الإسرائيلي لغزة، حيث كان يتطلع لضربات أكثر سحقاً. ويحتفي سيخاروف بالسيسي بأنه "الزعيم الوحيد في المنطقة الذي تتوافق أقواله وأفعاله عندما يتعلق الأمر بالحرب على الإسلام السياسي، ولا سيما جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس". ولم يفت سيخاروف توظيف قرار قضاء السيسي اعتبار حماس حركة إرهابية في مهاجمة أوروبا، لأن قضاءها أخرج الحركة من دائرة التنظيمات الإرهابية. ويقف الكاتب الصهيوني، تسفي بارئيل، عاجزاً عن استيعاب دوافع السيسي لاعتبار الجناح العسكري لحركة حماس تنظيماً إرهابياً، مشيراً، وبحق، إلى أنها المرة الأولى في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي التي تقدم فيها دولة عربية على مثل هذا القرار. وفي مقال نشرته صحيفة "هارتس"، في الأول من فبراير/شباط الماضي يصل بارئيل إلى استنتاج مؤلم، فقد عد اعتبار كتائب القسام تنظيماً إرهابياً "انقلاباً على المبدأ القائل إن المقاومة الفلسطينية تخدم بالضرورة المصالح العربية". لكن، ما لفت بارئيل حقيقة أنه لا يوجد، من ناحية فعلية، ما يبرر مواقف السيسي تجاه حماس، على اعتبار أن الجهة التي تتولى تنفيذ العمليات "الإرهابية" في سيناء منظمة تتبع تنظيم "الدولة الإسلامية". ويستنفر مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي لدعم السيسي في حربه داخل سيناء، على اعتبار أن إسرائيل هي الطرف الرئيس المستفيد من هذه الحرب. وفي ورقة نشرها في 3 فبراير/شباط الماضي، يجزم المركز أن الحرب التي يشنها السيسي في سيناء هي "حرب إسرائيل". لكن الحماس الصهيوني الشديد للسيسي والاحتفاء به لا يعود فقط لحجم الخدمات الاستراتيجية التي يقدمها لتل أبيب بشكل مباشر، بل تطالب النخب الإسرائيلية العالم بالوقوف إلى جانب السيسي في حروبه الإقليمية. مثلاً، صب مركز يروشليم لدراسة المجتمع والدولة الذي يرأسه دوري غولد، كبير المستشارين السياسيين لنتنياهو، غضبه على الولايات المتحدة وأوروبا لأنهما لم يدعما اقتراح السيسي استصدار قرار من مجلس الأمن، يشرع التدخل الأجنبي في ليبيا. وفي تقدير موقف نشره على موقعه بتاريخ 3 فبراير، شدد المركز على ضرورة رفض أي حل سياسي للأزمة الليبية، على اعتبار أن مثل هذا الحل سيضفي شرعية على مشاركة الإسلاميين في حكم ليبيا، وهذا يهدد أوروبا، كما يزعم المركز. وقد وصل الحرص الإسرائيلي على استقرار نظام السيسي وضمان بقائه إلى حد الانشغال باستشراف تأثير التغييرات على هرم الحكم في السعودية على مستقبل الدعم السعودي للنظام، وما إن كان هذا التطور سيؤثر على التوازنات الإقليمية، ويعزز من مكانة تركيا، وغيرها من القضايا.

عجز النخب الصهيونية عن تقديم تفسير سياسي مقنع لتهافت السيسي على تقديم العون لإسرائيل دفع مرجعيات دينية يهودية إلى تقديم تفسيرات دينية لهذه الظاهرة. فقد اعتبر الحاخام يوئيل بن نون، أحد أبرز المرجعيات الدينية في إسرائيل، وأحد أهم قادة المستوطنين في الضفة الغربية الانقلاب الذي نفذه السيسي بمثابة "معجزة" حدثت لإسرائيل. وفي مقال نشره موقع صحيفة "ميكور ريشون" اليمينية بتاريخ 6 مارس/آذار الجاري، يوضح بن نون الذي يقيم في مستوطنة "أفرات" المقامة على أراض فلسطينية مصادرة في منطقة بيت لحم أن انقلاب السيسي جنب إسرائيل العوائد الكارثية لوصول الإسلاميين إلى الحكم في مصر.

لا حاجة للسؤال: إن كان السيسي معجزة إسرائيل، فكيف سيكون بالنسبة لمصر؟