يدرس العديد من الباحثين بروز مناخات من الحرية والتغير الديمقراطي في عدد من البلدان العربية بعد الانتفاضات الشعبية عام 2011، وفي الوقت نفسه ظهور العديد من القيود والتحديات الجديدة أما الفنانين والناشطين للتعبير عن أنفسهم.
واحدة من أبرز المواضيع التي حظيت بالاهتمام في هذا السياق تمثّلت في التجاذب بين السلطات الحكومية البيروقراطية والمستبدة وبين القوى الدينية المحافظة، والذي ترك ضغوطاته المكثفة وتأثيراته الكبيرة على واقع الثقافة والفنون في أكثر من بلد عربي.
يبيّن أهمية الاستراتيجيات الجمالية والتعبير الإبداعي في نقد الهيمنة
"الراديكالية الإبداعية في الشرق الأوسط: الثقافة واليسار العربي بعد الانتفاضات (الثقافة المكتوبة والهوية)" عنوان الكتاب الذي صدر حديثاً لأستاذة الدراسات الأفريقية والشرق أوسطية كارولين روني عن "منشورات آي. بي. توريس" ويتناول كيف أكد اليسار العربي نفسه خلال الانتفاضات الشعبية في مواجهة القمع الوحشي وسنوات من الأيديولوجية الاستبدادية والليبرالية الجديدة.
توضح المؤلّفة في مقدمة الكتاب أهمية الاستراتيجيات الجمالية والتعبير الإبداعي في نقد اليسار للخطاب الاستبدادي والتطرف الإسلامي خلال الثورات من خلال استخدام مجموعة واسعة من النصوص والمصادر، العربية وغير العربية على حد سواء.
وتبرز كيف حاول كتّاب وفنانون يساريون مصابون بخيبة الأمل واليأس، كما تسميهم، استعادة القيم الأخلاقية والتقدمية "الراديكالية"، وتدرس كذلك كيف قدّم اليسار الثقافي العربي نقداً للممارسات الدلالة للهيمنة السياسية في المنطقة، وتجادل بأنه على الرغم من طغيان تعبيرات فنية شمّلتها الانتفاضات العربية، إلا أن اليسار طرح بدائل خاصة به.
كما تشير روني إلى أن ما قدّمه اليسار الثقافي العربي لا يندرج فقط ضمن تعبيرات مباشرة، حيث تعاملوا أحياناً مع مفهوم الثورة كتحول نوعي وجذري يجد حضوره في مجالات شتى، لا ينفصل عن ضرورة تحديث المجتمع المبني على تطوّر العلوم والافكار في مختلف المجالات.
يضم الكتاب عدّة فصول، منها السياسة كمسرح في حالة الإنسان لدى حنة أرندت، ومن الاستجوابات المهيمنة إلى العلامات الثورية أو العمارة، وخيبة الأمل والاستسلام في الرواية العربية الراهنة، وطوائف الكبرياء وثقافات الشعبوية اليمينية، وشعرية الكرامة أو لماذا كانت الثورة المصرية قصيدة، وتصوير المقدّس في فن الشهيد.
يُذكر أن كارولين روني اشتركت في برنامج بحث بعنوان "عدم الثقة الراديكالية: تحليل ثقافي للتكوينات العاطفية والنفسية واللغوية للتطرف السياسي والديني" بين عامي 2009 و2012، ناقش محاور عدّة مثل ثقافات الشباب العالمية، والثقافة والحداثة الأدبية المصرية، والخيال الشعبي والربيع العربي، وغيرها.