07 أكتوبر 2024
"أستانة 5" بين روسيا وأميركا
يترقّب العالم نتائج اجتماع الرئيسين، الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، في هامبورغ، على الرغم من كل الإشكالات التي تمر بها علاقة بلديهما، علما أن الاجتماع نفسه ربما هو موضع أهمية أكثر، ليس بالنسبة لمواطني الدولتين المعنيتين، وإنما بالنسبة للشعوب التي تشهد بلدانها حروبا أهلية، وتعاني من قضايا ومشكلات صعبة ومعقدة، يجري كثير منها برعاية الدولتين العظميين، أو حمايتهما أو مشاركتهما، حسب التصنيف المعروف.
في ما يخص القضية السورية، قد تبدو الإدارة الأميركية، للوهلة الأولى، في حالة تسليم بدور روسيا اليوم، أكثر من أي وقت مضى، كما يبدو من اكتفائها بالحضور مراقباً في مفاوضات آستانة، على الرغم من أن ذلك لا يعني اطلاقاً عدم قدرتها على التدخل، وخلط الأوراق، في اللحظة المناسبة.
لا يتنافى هذا التسليم، من حيث الظاهر، مع عدم الرغبة الأميركية في أن تصل امتدادات التدخل الروسي إلى كامل الأرض السورية، سيما أن روسيا استطاعت، منذ التدخل الرسمي في الصراع السوري (سبتمبر/ أيلول 2015)، تعزيز حضورها في سورية، ورسم حدود مصالحها، من خلال حركة قواتها والقوات السورية التي تدعمها، ومناطق النفوذ التي توخّت تعيينها، حسب خريطة طريق تعمل عليها، وتشتغل على فرضها على الأطراف الآخرين، باعتبار ذاتها كالمقرر أو الممسك بالورقة السورية.
الجدير ذكره أن الولايات المتحدة أقرّت بهذا الدور، في تصريح لوزير الخارجية الأميركية، أخيرا، قال فيه إن مصير الرئيس الأسد، وبالتالي مصير الصراع السوري، مرهونٌ بروسيا، في ما فهم على أنه تراجع أميركي عن وثيقة جنيف 1، من دون أن يعرف ما إذا كان ذلك مجرد تصريح للاستهلاك، أو لترضية روسيا لجرّها إلى توافقاتٍ تزيح إيران من المشهد، أو إن كان ذلك مجرّد دفع لروسيا إلى مزيدٍ من التورّط في الصراع السوري المعقد، وزيادة استنزافها فيه.
من جهةٍ أخرى، فإن سعي روسيا إلى تطوير اجتماعات أستانة، وإدخال بنودٍ تتعلق بالوضع المدني للمناطق التي لا يسيطر عليها النظام، هي من ضمن خريطة الطريق التي تعوّل موسكو عليها، بإدخال بند المصالحات والتعامل مع المجالس المحلية، باعتبارها جهة مدنية لإدارة شؤون المنطقة، بالتعاون مع المنظمات الفاعلة هناك.
وتعتقد موسكو أنها في ذلك تكون قد نجحت في الجمع بين الاتفاق العسكري الذي يمهد لمناطق آمنة، عبر وقف إطلاق النار، والفعاليات المجتمعية التي يمكن، من خلالها، متابعة ما سميت الهدن المحلية، والتي يستطيع النظام عبرها بسط سيطرته، ولو تدريجياً، عليها. كما تستطيع من إعلان ما تسمى المناطق الآمنة على الأراضي السورية توزيع مهمات مراقبة هذا "الأمان"، عبر توزيع الغنائم، أو تقاسم النفوذ، بين الدول المتصارعة على سورية من جهة، وتنفيذ مطالب الادارة الأميركية، والدول الأوروبية والعربية، في إبعاد إيران عن مناطق محدّدة على الحدود السورية الأردنية والسورية العراقية، وكذلك عن طريق الغاز الروسي في سورية.
وبذلك تحقق روسيا لنفسها معبرا آمنا لمصالحاتٍ مع الدول الأوروبية، إضافة إلى الولايات المتحدة، ما قد يمهد الطريق أمام مبادلاتٍ بالملفات العالقة معها، من ملف الدرع الصاروخي حتى ملف العقوبات وأوكرانيا وأسعار النفط التي تبدو عليها علائم الصحوة الآن.
لا يجعلنا هذا كله ننسى أن مفاوضات أستانة تجري أساساً بين الأطراف الدولية والإقليمية المعنية، ولاسيما روسيا وإيران وتركيا، وقد انضمت، بشكل أو بآخر، إليهما، الولايات المتحدة والأردن، أي أن الأطراف المعنيين مباشرة، النظام والمعارضة، مجرّد شاهد، بعد أن خرج مصير سورية، وتقرير مصير شعبها، من أيديهما، بدليل أنه لا توجد مفاوضاتٌ مباشرة، ولا توقيع من الطرفين السوريين.
ويُفترض أن لا يُنسى، أيضاً، أن الاتفاق على هذه المنطقة أو تلك، كمناطق منخفضة التصعيد، لا يعني أن ذلك سيحصل حقا، بدليل قصف النظام درعا على الرغم من الهدنة، وبدليل التجارب السابقة، حيث استمر قصف الطيران الروسي والسوري درعا وجوبر ومناطق عديدة، إضافة إلى أن هذا الاتفاق سيواجه التعقيدات في عدة مناطق، وضمنها الشمال وإدلب تحديدا، حيث توجد جبهة النصرة. وفي الجنوب، حيث العقدة الإقليمية في الحدود مع إسرائيل والأردن، وفي الشرق، حيث تمنع الولايات المتحدة أي وجود عسكري لإيران، أو لأي ميلشيات تابعة لها.
من مصلحة الشعب السوري وقف القتال، ووضع حد للكارثة السورية، القائمة على القتل والتدمير والتشريد، التي لا تخدم إلا النظام وحلفاءه، بيد أن هذا الأمر ما زال بعيدا، بقدر البعد بين مساري أستانة وجنيف 1، أو بقدر البعد بين مصالح الدول المتصارعة ومصالح الشعب السوري.
في ما يخص القضية السورية، قد تبدو الإدارة الأميركية، للوهلة الأولى، في حالة تسليم بدور روسيا اليوم، أكثر من أي وقت مضى، كما يبدو من اكتفائها بالحضور مراقباً في مفاوضات آستانة، على الرغم من أن ذلك لا يعني اطلاقاً عدم قدرتها على التدخل، وخلط الأوراق، في اللحظة المناسبة.
لا يتنافى هذا التسليم، من حيث الظاهر، مع عدم الرغبة الأميركية في أن تصل امتدادات التدخل الروسي إلى كامل الأرض السورية، سيما أن روسيا استطاعت، منذ التدخل الرسمي في الصراع السوري (سبتمبر/ أيلول 2015)، تعزيز حضورها في سورية، ورسم حدود مصالحها، من خلال حركة قواتها والقوات السورية التي تدعمها، ومناطق النفوذ التي توخّت تعيينها، حسب خريطة طريق تعمل عليها، وتشتغل على فرضها على الأطراف الآخرين، باعتبار ذاتها كالمقرر أو الممسك بالورقة السورية.
الجدير ذكره أن الولايات المتحدة أقرّت بهذا الدور، في تصريح لوزير الخارجية الأميركية، أخيرا، قال فيه إن مصير الرئيس الأسد، وبالتالي مصير الصراع السوري، مرهونٌ بروسيا، في ما فهم على أنه تراجع أميركي عن وثيقة جنيف 1، من دون أن يعرف ما إذا كان ذلك مجرد تصريح للاستهلاك، أو لترضية روسيا لجرّها إلى توافقاتٍ تزيح إيران من المشهد، أو إن كان ذلك مجرّد دفع لروسيا إلى مزيدٍ من التورّط في الصراع السوري المعقد، وزيادة استنزافها فيه.
من جهةٍ أخرى، فإن سعي روسيا إلى تطوير اجتماعات أستانة، وإدخال بنودٍ تتعلق بالوضع المدني للمناطق التي لا يسيطر عليها النظام، هي من ضمن خريطة الطريق التي تعوّل موسكو عليها، بإدخال بند المصالحات والتعامل مع المجالس المحلية، باعتبارها جهة مدنية لإدارة شؤون المنطقة، بالتعاون مع المنظمات الفاعلة هناك.
وتعتقد موسكو أنها في ذلك تكون قد نجحت في الجمع بين الاتفاق العسكري الذي يمهد لمناطق آمنة، عبر وقف إطلاق النار، والفعاليات المجتمعية التي يمكن، من خلالها، متابعة ما سميت الهدن المحلية، والتي يستطيع النظام عبرها بسط سيطرته، ولو تدريجياً، عليها. كما تستطيع من إعلان ما تسمى المناطق الآمنة على الأراضي السورية توزيع مهمات مراقبة هذا "الأمان"، عبر توزيع الغنائم، أو تقاسم النفوذ، بين الدول المتصارعة على سورية من جهة، وتنفيذ مطالب الادارة الأميركية، والدول الأوروبية والعربية، في إبعاد إيران عن مناطق محدّدة على الحدود السورية الأردنية والسورية العراقية، وكذلك عن طريق الغاز الروسي في سورية.
وبذلك تحقق روسيا لنفسها معبرا آمنا لمصالحاتٍ مع الدول الأوروبية، إضافة إلى الولايات المتحدة، ما قد يمهد الطريق أمام مبادلاتٍ بالملفات العالقة معها، من ملف الدرع الصاروخي حتى ملف العقوبات وأوكرانيا وأسعار النفط التي تبدو عليها علائم الصحوة الآن.
لا يجعلنا هذا كله ننسى أن مفاوضات أستانة تجري أساساً بين الأطراف الدولية والإقليمية المعنية، ولاسيما روسيا وإيران وتركيا، وقد انضمت، بشكل أو بآخر، إليهما، الولايات المتحدة والأردن، أي أن الأطراف المعنيين مباشرة، النظام والمعارضة، مجرّد شاهد، بعد أن خرج مصير سورية، وتقرير مصير شعبها، من أيديهما، بدليل أنه لا توجد مفاوضاتٌ مباشرة، ولا توقيع من الطرفين السوريين.
ويُفترض أن لا يُنسى، أيضاً، أن الاتفاق على هذه المنطقة أو تلك، كمناطق منخفضة التصعيد، لا يعني أن ذلك سيحصل حقا، بدليل قصف النظام درعا على الرغم من الهدنة، وبدليل التجارب السابقة، حيث استمر قصف الطيران الروسي والسوري درعا وجوبر ومناطق عديدة، إضافة إلى أن هذا الاتفاق سيواجه التعقيدات في عدة مناطق، وضمنها الشمال وإدلب تحديدا، حيث توجد جبهة النصرة. وفي الجنوب، حيث العقدة الإقليمية في الحدود مع إسرائيل والأردن، وفي الشرق، حيث تمنع الولايات المتحدة أي وجود عسكري لإيران، أو لأي ميلشيات تابعة لها.
من مصلحة الشعب السوري وقف القتال، ووضع حد للكارثة السورية، القائمة على القتل والتدمير والتشريد، التي لا تخدم إلا النظام وحلفاءه، بيد أن هذا الأمر ما زال بعيدا، بقدر البعد بين مساري أستانة وجنيف 1، أو بقدر البعد بين مصالح الدول المتصارعة ومصالح الشعب السوري.