24 أكتوبر 2024
"آفاق تونس" والائتلاف الحكومي
شكل فوز حزب آفاق تونس في الانتخابات البرلمانية التونسية سنة 2014 بثمانية مقاعد إنجازاً لافتاً بالنسبة لحزبٍ حديث النشأة، ولا يستند سياسيوه إلى خلفية نضالية، زمن الحكم الاستبدادي، ولم يُعرف لهم حضور واضح على مستوى النشاط الشعبي أو تقديم البدائل.
وتأكد حضور هذا الحزب من خلال تحوله إلى شريك فعلي في حكومة الحبيب الصيد، حيث نال ثلاث وزارات، ربما بما لا يتلاءم مع حجم كتلته البرلمانية التي لا تتجاوز 10 مقاعد (بعد انضمام نائبين إليه لم يتم انتخابهم على قوائمه).
ولا يخفي الحزب توجهاته الليبرالية في المجال الاقتصادي، وحرصه على التعامل مع الجهات الاقتصادية الدولية النافذة، وهو ما تجلى في إصراره على نيل وزارة الاستثمار والتعاون الدولي، غير أن الخطوات التي اتخذها الوزير المكلف (المنتمي لحزب آفاق تونس) أثارت جملة من الإشكالات، سواء في الوسط الحكومي، أو في البرلمان، وحتى في الأوساط الشعبية ومنها قضية العقد المبرم مع بنك لازار الفرنسي، لهيكلة المخطط التنموي المقبل، وقد أثارت جدلاً سياسياً وردود أفعال وتعليقات وصلت إلى حد "الاتهام بالمس من سيادة تونس". وكانت الهيئة الوطنية للمحامين التونسيين قد طالبت رئيس الحكومة، الحبيب الصيد، بالبحث حول إبرام وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي، ياسين إبراهيم، عقد دراساتٍ لإعداد مخطّط التنمية 2016/2020 مع بنك أعمال فرنسي، وبشروط تتناقض مع أحكام الصّفقات العمومية. كما أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل تعليق مشاركته في كل لجان المخطط التوجيهي إلى حين تمكينه من مختلف المعطيات والوثائق المتصلة بالمسألة. وهو ما اضطر رئيس الحكومة إلى إلغاء الاتفاق، وقد تقرّر حينها إجراء مناقصة دولية لطلب عروض، وفق التراتيب الجاري بها العمل، ووفق كراس شروط محددة. وشاع حينها أن الوزير يتصرّف خارج التوافق الحكومي.
غير أن المواقف الأخيرة للحزب جعلته في موقع متوتر مع باقي شركائه في السلطة، وخصوصاً بعد رفض كتلته البرلمانية التصويت للقانون المتعلق بالبنك المركزي، وهو ما أثار تجاذبات حادة داخل الفريق الحكومي، حيث بدا غير متجانسٍ في توجهاته ومواقفه، خصوصاً بعد تصريحات بعض مسؤولي حزب آفاق تونس عن ضرورة تغيير الحكومة الحالية، وهو ما توازى مع سعي كتلة آفاق تونس البرلمانية إلى تشكيل ما سمته "كتلة جمهورية"، تضم مجموع القوى البرلمانية، وتستثني حركة النهضة.
وعلى الرغم من تراجعاتٍ لاحقة عن هذا الموقف، فقد دق هذا الموقف إسفيناً بين قوى
الائتلاف الحكومي، خصوصاً في ظل التحالف الاستراتيجي بين حركة النهضة وحزب نداء تونس، وهو ما أثار إلى العلن قضية إعادة ترتيب التشكيلة الرباعية للحكومة، بما يعني التخلي عن حضور حزب آفاق تونس فيها. وفي هذا السياق، لم يكن غريباً أن يعلن القيادي في حركة النهضة، لطفي زيتون، في لقاء أجرته معه وكالة الأنباء الألمانية أن هنالك شكوكاً حول إمكانية استمرار التحالف الرباعي الحاكم في تونس. وأرجع زيتون ذلك إلى حالة التململ والنزاعات الداخلية التي تعيشها بعض الأحزاب المشاركة في الحكومة التونسية التي يرأسها الحبيب الصيد، إلا أنه أضاف أن القاعدة الصلبة للتحالف بين حزبي حركة نداء تونس والنهضة قادرة على الاستمرار وفق تصريحاته. ومن المعروف أن لطفي زيتون هو أحد المستشارين السياسيين المقربين من زعيم حركة النهضة، راشد الغنوشي، وهو ما يعني أن إمكانية إعادة تشكيل الائتلاف الحكومي أصبح وارداً بحثاً عن التجانس والتخلص من "الحليف المزعج" الذي بدأ يغرد خارج سرب التحالف بين الحزبين الكبيرين.
شكلت محاولة "آفاق تونس" الضغط على حكومة الحبيب الصيد، والدعوة إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي، بناء على توازنات سياسية جديدة، محاولة غير ناجحة، لم تدرك طبيعة المرحلة، وما نتج عنها من حلف وثيق بين "نداء تونس" وحركة النهضة، والرغبة التي تحدوهما نحو خوض المراحل السياسية المقبلة، بشكل موحد، وفي ظل التجانس التام بين مواقف الغنوشي والباجي قائد السبسي، وهما أبرز صانعي القرار السياسي الرسمي في المرحلة الحالية، وهو ما يطرح جملة من الأسئلة حول طبيعة الممارسة السياسية لحزب آفاق تونس، وهل أساء تقدير العوامل التي تحكم المرحلة، وفي الوقت نفسه، عجزه عن فهم طبيعة التوازنات والأحجام التي أفرزتها الانتخابات الماضية، وما أحدثته من تحالفات.
وبغض النظر عن مصير الائتلاف الحكومي، وطبيعة ما سيطرأ على بنيته من التحولات التي لن تكون، في كل الأحوال، مصيرية، بمعنى أن القوى الكبرى نفسها ستظل هي التي تحكم، إلا أن مصير حزب آفاق تونس سيكون على المحك، خصوصاً عن مدى قدرته على استيعاب ما سيلحقه من ضرر، في صورة إبعاده عن السلطة، وهل سيكون بإمكانه مستقبلاً تقديم نفسه بديلاً ممكناً في الانتخابات المقبلة، في ظل ضعف أداء وزرائه الذين شارك بهم في الحكومة، وظهوره بمظهر الحزب الذي لا يمكنه الانسجام مع باقي القوى السياسية الأخرى، بما يعني أن إمكانية إيجاده تحالفات جديدة ستصبح أمراً أكثر عسراً في قادم الأيام، وتلك هي ضريبة العمل الحزبي المضطرب، والمفتقر إلى معالم واضحة، تمكنه من الاستمرارية والبقاء.
وتأكد حضور هذا الحزب من خلال تحوله إلى شريك فعلي في حكومة الحبيب الصيد، حيث نال ثلاث وزارات، ربما بما لا يتلاءم مع حجم كتلته البرلمانية التي لا تتجاوز 10 مقاعد (بعد انضمام نائبين إليه لم يتم انتخابهم على قوائمه).
ولا يخفي الحزب توجهاته الليبرالية في المجال الاقتصادي، وحرصه على التعامل مع الجهات الاقتصادية الدولية النافذة، وهو ما تجلى في إصراره على نيل وزارة الاستثمار والتعاون الدولي، غير أن الخطوات التي اتخذها الوزير المكلف (المنتمي لحزب آفاق تونس) أثارت جملة من الإشكالات، سواء في الوسط الحكومي، أو في البرلمان، وحتى في الأوساط الشعبية ومنها قضية العقد المبرم مع بنك لازار الفرنسي، لهيكلة المخطط التنموي المقبل، وقد أثارت جدلاً سياسياً وردود أفعال وتعليقات وصلت إلى حد "الاتهام بالمس من سيادة تونس". وكانت الهيئة الوطنية للمحامين التونسيين قد طالبت رئيس الحكومة، الحبيب الصيد، بالبحث حول إبرام وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي، ياسين إبراهيم، عقد دراساتٍ لإعداد مخطّط التنمية 2016/2020 مع بنك أعمال فرنسي، وبشروط تتناقض مع أحكام الصّفقات العمومية. كما أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل تعليق مشاركته في كل لجان المخطط التوجيهي إلى حين تمكينه من مختلف المعطيات والوثائق المتصلة بالمسألة. وهو ما اضطر رئيس الحكومة إلى إلغاء الاتفاق، وقد تقرّر حينها إجراء مناقصة دولية لطلب عروض، وفق التراتيب الجاري بها العمل، ووفق كراس شروط محددة. وشاع حينها أن الوزير يتصرّف خارج التوافق الحكومي.
غير أن المواقف الأخيرة للحزب جعلته في موقع متوتر مع باقي شركائه في السلطة، وخصوصاً بعد رفض كتلته البرلمانية التصويت للقانون المتعلق بالبنك المركزي، وهو ما أثار تجاذبات حادة داخل الفريق الحكومي، حيث بدا غير متجانسٍ في توجهاته ومواقفه، خصوصاً بعد تصريحات بعض مسؤولي حزب آفاق تونس عن ضرورة تغيير الحكومة الحالية، وهو ما توازى مع سعي كتلة آفاق تونس البرلمانية إلى تشكيل ما سمته "كتلة جمهورية"، تضم مجموع القوى البرلمانية، وتستثني حركة النهضة.
وعلى الرغم من تراجعاتٍ لاحقة عن هذا الموقف، فقد دق هذا الموقف إسفيناً بين قوى
شكلت محاولة "آفاق تونس" الضغط على حكومة الحبيب الصيد، والدعوة إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي، بناء على توازنات سياسية جديدة، محاولة غير ناجحة، لم تدرك طبيعة المرحلة، وما نتج عنها من حلف وثيق بين "نداء تونس" وحركة النهضة، والرغبة التي تحدوهما نحو خوض المراحل السياسية المقبلة، بشكل موحد، وفي ظل التجانس التام بين مواقف الغنوشي والباجي قائد السبسي، وهما أبرز صانعي القرار السياسي الرسمي في المرحلة الحالية، وهو ما يطرح جملة من الأسئلة حول طبيعة الممارسة السياسية لحزب آفاق تونس، وهل أساء تقدير العوامل التي تحكم المرحلة، وفي الوقت نفسه، عجزه عن فهم طبيعة التوازنات والأحجام التي أفرزتها الانتخابات الماضية، وما أحدثته من تحالفات.
وبغض النظر عن مصير الائتلاف الحكومي، وطبيعة ما سيطرأ على بنيته من التحولات التي لن تكون، في كل الأحوال، مصيرية، بمعنى أن القوى الكبرى نفسها ستظل هي التي تحكم، إلا أن مصير حزب آفاق تونس سيكون على المحك، خصوصاً عن مدى قدرته على استيعاب ما سيلحقه من ضرر، في صورة إبعاده عن السلطة، وهل سيكون بإمكانه مستقبلاً تقديم نفسه بديلاً ممكناً في الانتخابات المقبلة، في ظل ضعف أداء وزرائه الذين شارك بهم في الحكومة، وظهوره بمظهر الحزب الذي لا يمكنه الانسجام مع باقي القوى السياسية الأخرى، بما يعني أن إمكانية إيجاده تحالفات جديدة ستصبح أمراً أكثر عسراً في قادم الأيام، وتلك هي ضريبة العمل الحزبي المضطرب، والمفتقر إلى معالم واضحة، تمكنه من الاستمرارية والبقاء.