محاربة الشعوذة... آخر حروب الحكومة المؤقتة في ليبيا

11 سبتمبر 2020
أثار ظهور شيوخ من التيار المدخلي إلى جانب رجال الأمن جدلاً واسعًا (فيسبوك)
+ الخط -

تشهد ليبيا في الآونة الأخيرة حملة عنيفة لـ"مكافحة السحرة والمشعوذين"، حتى صارت الظاهرة ثيمة بارزة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لدرجة تكاد تطغى فيها على أزمة انقطاع الكهرباء وتفشّي وباء فيروس كورونا.

منذ الشهر الماضي، تنتشر أخبار وفيديوهات لبعض ضباط "وحدة مكافحة السحر والشعوذة" ضمن أجهزة مكافحة الجريمة التابعة للحكومة المؤقتة في شرق البلاد، برئاسة عبد الله الثني، ليصبح الحديث مكرراً عن مداهمات "المشعوذين" والقبض عليهم.

لكن النقاش بلغ ذروته في الأيام الأخيرة مع إصدار "اللجنة العليا للإفتاء" التابعة لحكومة الثني، عبر صفحتها على "فيسبوك"، فتوى تحت عنوان "حد الساحر وعقوبة من يتعامل معه أو يدافع عنه". وتبيح هذه الفتوى قتل "السحرة" من خلال ضربهم بالسيف، وردع كل من يتعامل معهم أو يدافع عنهم بـ"أشد العقوبات".

أثارت الفتوى جدلاً واسعاً، بسبب الدعوات المصاحبة للقتل من دون محاكمة، وهو ما دفع وزير الداخلية بالحكومة المؤقتة، إبراهيم بوشناف، إلى إصدار بيان أكد فيه على ضرورة الالتزام بمعاملة المتّهمين "وفقاً للقانون" إلى أن "يتدخل المشرّع لتأطير الفتوى المنسوبة إلى اللجنة العليا للإفتاء".

ومع هذا، تستمر الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية الموازية بعمليات المداهمة والقبض على "الدجالين" من جنسيات أجنبية، بشكل خاص، إلى جوار تنظيف المقابر، و"فك السحر" بحرقه بالنار. الحملة التي تنتشر في المنطقة الشرقية تزامنت مع إنشاء عدة مجموعات عبر "فيسبوك"، تحت اسم "وحدة مكافحة السحر والشعوذة"، مقترنة بأسماء بعض المدن والقرى على طول الساحل الشرقي، تعرض آخر أخبار مداهمات "السحرة والمشعوذين" وما وجد في حوزتهم.

بالتزامن مع ذلك، تبيّن وجود حملة شبيهة غربي البلاد، مع إدراج القوى الأمنية التابعة لحكومة "الوفاق"، برئاسة فائز السراج، "ممارسة السحر" كتهمة إلى جوار أعمال الخطف والسرقة والتهريب لعصابة من جنسيات مختلفة. هكذا ألقت القوى الأمنية هناك القبض على هؤلاء في منطقة القره بوللي (50 كيلومتراً شرقي العاصمة طرابلس)، الجمعة الماضية. بالإضافة إلى تداول بعض الأخبار المشابهة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في المنطقة الغربية، لكن من دون التأكد من صحتها.

محاولة تقنين قتل السحَرة

بدأت الحملة جدياً بعد مراسلة مكتب الأوقاف والشؤون الإسلامية في طبرق، لمدير مديرية الأمن في المدينة، من أجل التعاون في محاربة ظاهرة "السحر والشعوذة والكهانة"، منتصف الشهر الماضي، وهو ما تحقق بعد ذلك بأيام قليلة، قبل أن تحذو جميع الأجهزة الأمنية في مدن وقرى الشرق الليبي حذو مدينة طبرق التي نالت الثناء على دورها في "ضبط كبائر الإثم من أعمال الشعوذة والأسحار والعرافة"، من قبل ديوان المحاسبة الموازي، الكائن في مدينة البيضاء.

وتداركاً للأزمة القانونية التي سببتها فتوى "اللجنة العليا للإفتاء"، قدم رئيس الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية، عمر الحداد، مشروع قانون بشأن "حد الساحر" إلى مجلس الوزراء من أجل إحالته إلى مجلس النواب؛ ينصّ على معاقبة الساحر بالقتل، وتغريم كل من آتى ساحراً بغرامة لا تقل عن ألف دينار، ولا تزيد عن عشرة آلاف دينار.

"تكمن الصعوبة أمام المُشرّع في تحديد ماهية هذا الفعل المراد تجريمه بشكل دقيق وواضح لا يحتمل اللّبْس أو التأويل، لأن فعل السحر أمر لا يمكن إدراكه وضبطه في شكل مادي ظاهر"، يقول المحامي عصام الماوي في حديثه إلى "العربي الجديد"، ويستطرد: "تحديد عناصر السلوك الإجرامي بدقة هي أولوية عند المُشرّع عندما يتناول تجريم أي فعل، وإن اجتهاد هيئة الأوقاف في تعريف السحر والساحر كما جاء في مشروع القانون، لا يزال بعيداً عن تقديم صورة مادية يمكن الركون إليها كمعيار في تحديد ووصف تلك الأفعال، وأمام خطورة العقوبة المقررة (الإعدام) فإننا ننصح المُشرّع الليبي بالتريث وأن يستمع لرأي أهل الاختصاص من أساتذة القانون ورجال القضاء". مع هذا، لا تبدو هناك فرصة لتشريع مثل هذا القانون، خصوصاً في ظل انقسام السلطة التشريعية إلى مجلسَي نواب؛ في طبرق برئاسة عقيلة صالح، وفي طرابلس برئاسة حمودة سيالة.

جدل وانتقادات

وأثار ظهور شيوخ محسوبين على التيار المدخلي إلى جوار ضباط الأمن، أثناء إجراء التحقيقات وإعدام التعويذات والأجسام الغريبة، جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي. وبينما يؤيد البعض الحملة ومشروع القانون باعتباره "ضرورة ملحة لحماية المجتمع"، وصف البعض الآخر مشروع القانون بأنه يمثل "أفكار داعش وسلوكياته".

ولا يزال الجدل قائماً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بين مؤيد ومعارض لاستمرارية الحملة. "يبدو التيار المدخلي وكأنه يبحث عن دور أكبر في القطاع الأمني، خصوصاً بعد توقف الحرب، من خلال ادعائه بمحاربة السحر والشعوذة، بدلاً من التركيز على القضايا الأكثر أهمية مثل التهريب وتجارة المخدرات وباقي الممارسات الإجرامية الأخرى"، يقول الباحث والأكاديمي بشير الزواوي في حديثه إلى "العربي الجديد". ويضيف: "بالنسبة للتيار المدخلي تمثل الحملة فرصة لضرب التيار الصوفي، وزيادة تأثيره في المشهدين الأمني والديني، خصوصاً أن المداخلة يصورون أنفسهم بأنهم هم من طهر البلاد من الأضرحة والشرك، والادعاء بالقضاء على السحر والشعوذة الآن هو استمرار لهذا الدور، وفي المحصلة هي محاولة للعب دور أمني أكبر في البلاد".

حملات مشابهة في تونس ومصر

لا يقتصر الأمر على ليبيا فقط؛ تونس المجاورة شهدت في الأيام الأخيرة حملات تنظيف المقابر من أعمال السحر والشعوذة، أطلقها رواد مواقع التواصل الاجتماعي. وشهدت الجزائر والمغرب حملات مشابهة، وإن بشكل أقل، بالإضافة إلى مصر حيث تداولت الأخبار وجود مئات "الأعمال" في المقابر.

"السحر والشعوذة منتشران في مصر منذ سنوات طويلة، لكن خلال السنوات الأخيرة، لعبت مواقع التواصل الاجتماعي دوراً مهماً في زيادة وعي الناس، مع هذا، نفس المواقع يستخدمها المشعوذون لجلب الزبائن، مثل صفحات رد المطلّقة وحل الأزمات وتفسير الأحلام وما إلى ذلك"، تقول الصحافية المصرية إيمان عوف، وتضيف: "مقابل ذلك، دائماً ما تركز وسائل الإعلام الحكومية على نشر أخبار متعلقة بوجود سحر في المقابر وتنشيط حملات ضد السحرة والمشعوذين مع تدني الظروف الاقتصادية والاجتماعية لتلهي الناس عن صلب الأزمات الحقيقية".

وتستأنف عوف حديثها إلى "العربي الجديد" بالقول: "هذا الأسلوب برز من جديد خلال الشهور الأخيرة، بسبب غضب الناس من إزالة المباني المخالفة وأزمة سد النهضة وقضايا التحرش الجنسي والعنف ضد النساء وفشل الحكومة في احتواء وباء فيروس كورونا، وهو بشكل ما إلهاء الناس عن المشاكل الفعلية، وفي نفس الوقت ايهامهم بأن الحسد هو سبب فقرهم أو تفسير تعاستهم بسبب عمل سحري معمول لهم".

 

المساهمون