لفضيلة الكبرى في هذا العالم الضائع في كرة الأرض أن لا أحد ينتبه للآخر، حتى بعض سلوك خرق العادة لا ينتبه إليه، المتعاطي للحشيش؛ أو المخمور؛ أو صياد الأرامل، إن لم يصل أمر سلوكهم إلى عنف ما فهم بشر مثلنا نسلم عليهم ونشاركهم الأفراح والأتراح.
وقفتُ أرقب وهج شمس تعلن الحرب على أفراح دامت لياليَ. هي العتبة فعلاً حالي، إمّا أن أخرج وأنسى ما قبلها وأمضي، أو أعود من حيث جئت. وجئتَ أنتَ أيضاً، تقف مثلي على العتبة لا تُريد الخروج ولا تريد الدخول.
ما الذي يلهمني؟ أظنّ الحنين وحده هي تلك النار المستعرة التي تُجبرني على الالتفات إلى حدائق سرية ما دامت متشبّثة بي رغم تقلُّب الزمن ورغم تقلّبي في المكان، ما دامت متشبّثةً فهي تستحق أن تُقال أو تُكتب.
العربة العجيبة تحوي كل الأشياء التجميلية للنساء: الصابون المعطر؛ والحلي الرخيصة؛ والكحل؛ وأحمر الخدود. القرويات لا يعرفن أحمر الشفاه، يفضلن قشرة شجر الجوز. توجد في العربة أيضا أشياء أخرى مفيدة مثل الإبر؛ والمرايا الصغيرة؛ والعطر الرخيص.
إنهم هناك في الزاوية اليمنى للحديقة تحت الزيتونة العملاقة يلعبون الورق، وأنا فوق شجرة الرمّان بين عدّ الحبات ومقاومة النوم والنظر إلى السماء من بين الأغصان، السماء الرمادية الملبدة بالغيوم الهاربة بين أوراق صفراء تستسلم.
كنا نحب المقبرة لأنها تعلمنا النهايات المؤجّلة، وجلسنا عند حافة قبر قديم يكشف ثقب كبير منه عن جمجمة وبعض العظام. وأخرجت من جيب الكتاب برتقالة. توقفنا، لكنه لم يتوقف المسير. رغم عدم التوثيق، كل هذا حدث قبل أن يحل الجراد.
بعد أيّام من وصولي، نفد مخزون الملح من الدار، فانتدبوني للسفر إلى أعلى الوادي حيث المناجم، لأقايض المعدن بالتمر. فرِحت لأنني سأسافر إلى منابع وادينا الكبير، حيث ينتهي النخيل والزيتون ويبدأ الخوخ والجوز، وحزِنت لأنهم لم يُمهلوني حتّى أسترجع أنفاسي.
"مرحبا"، قلت، وجلسنا. كان يتحدث عن قرطبة وإشبيلية والمعمار والقصور والزليج والعلوم والشعر والفلسفة والقفطان والحرير والأغاني. وكنت أطعّم أفكاره بمعلومات عن المرابطين والموحدين وابن رشد وابن طفيل وابن خلدون وابن ميمون وابن زيدون وابن حزم.