أطفال الشوارع.. تعليمهم واجب

22 مارس 2015
شعار حملة "تعليم بلا حدود" في السودان (المصدر)
+ الخط -

في مشهد يدعو للتفاؤل، قدم المايسترو سليم سحاب كورالا من أطفال الشوارع المصريين إيمانا منه بإمكانية تحويل هؤلاء الأطفال إلى أطفال صالحين بالموسيقى، في حين نشرت إحدى الصحف المصرية مقالا يدعو لإبادة أطفال الشوارع  وقتلهم كما تقتل الكلاب الضالة للتخلص من مشاكلهم نهائيا، وبحسب المقال، فإن تأهيل أطفال الشوارع وإعادة دمجهم في المجتمع  وتعليمهم عملية عالية التكلفة قد تكون الحكومات في غنى عنها.

غياب الدولة
أطفال الشوارع خطر هادم على الأمن والاقتصاد القومي، وفي نفس الوقت يمكن استيعابه إذا فازوا باهتمام دولهم، وفي الدول العربية هم محرومون من حقهم في التعليم  ولم يحظوا باهتمام برامج الحكومات لضمان حمايتهم من الاستغلال والعنف، الغالبية منهم أميون، تسربوا من التعليم أو لم يلتحقوا بأي نظام تعليمي من الأساس، رغم إقرار كافة الدساتير بحق كل طفل في التعليم، وكذلك المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صدقت عليها الحكومات العربية ومنها اتفاقية "حقوق الطفل".

وتشير إحدى الإحصاءات الصادرة عن المجلس العربي للطفولة والتنمية، أن هناك نحو عشرة ملايين من أطفال الشوارع في الدول العربية، وإن كانت هذه النسبة معرضه للزيادة بشكل واضح مع انتشار الصراع السياسي في معظم البلدان العربية مثل مصر وسوريا والعراق واليمن وتونس وليبيا وفلسطين، وسط تجاهل تام وعدم وجود خطة واضحة لتعليمهم ودمجهم في المجتمع.

ومع غياب الدور الأساسي للدولة ومنظمات المجتمع المدني في مواجهة مشكلة أطفال الشوارع، ومع عدم كفاية التشريعات وعجز الميزانيات، ظهرت العديد من المبادرات الفردية لرعايتهم والاهتمام بتعليمهم بعد أن كان جل الاهتمام يصب في تزويدهم بالطعام والملابس والغطاء في فصل الشتاء،  يعد التعليم أكثر الأساليب فاعلية لإعادة دمجهم في المجتمع وتمكينهم من التمتع بالحياة والحصول على حقوقهم، واعتمدت هذه المبادرات في مجملها على أسلوب التعليم غير النظامي، واستخدام الرقص والموسيقى والفن والرياضة وألعاب السيرك في تغيير سلوكهم وأنماط حياتهم.

عشوائيات جوت تالنت
يقول عبد العال عبد العزيز منسق مبادرة "عشوائيات جوت تالنت " في مصر، أن الجهد المجتمعي يظهر بشكل واضح في ظل تقاعس الدول، فهذه المبادرة يقوم بها مجموعة من الشباب المتطوعين وتقوم على التركيز والاهتمام بأطفال المناطق العشوائية وهم عادة أطفال متسربين من التعليم أو لم يلتحقوا بأي تعليم في محاولة لتقديم الخدمات لهم وأهمها الخدمات التعليمية والترفيهية لإظهار ما يمتلكونه من مواهب لم تجد من يكتشفها وينميها حتى يستطيعوا أن يفيدوا أنفسهم في المستقبل.

ويتابع: هدفنا هو التأسيس لطفل مفيد لنفسه ومفيد لبيئته ومجتمعه بدلا من تمكن الإجرام والإرهاب والسلوكيات الخاطئة منه، فالمناطق العشوائية تحتوي على أطفال تتغذى على نوعين من الإرهاب (الفكري والإجرامي)، ولهذا كان التركيز على التغيير في السلوك وإبعادهم عن كلا الإرهابين. وتحويلهم إلى طاقة إيجابية من خلال إشراكهم في حفلات الرسم والغناء والتلوين والألعاب التي تعتمد على تشغيل الذهن، وحلقات ثقافية بسيطة تتماشى مع احتياجاتهم وقدراتهم الذهنية، وكذلك إمدادهم بالمعلومات المجتمعية والمعلومات العامة التي تجعلهم يدركون حقهم في المجتمع وتساعدهم في التغلب على المشكلات التي تواجههم.

مبادرة أخرى مصرية تتبناها د.أماني هولا بعنوان "مصر التحدي"، تتميز بتعليم الأطفال المشردين تعليما غير نمطيا يقوم على التفاعل من خلال الكمبيوتر والعرائس وكذلك تعليمهم مهنة تساعدهم.

مبادرات عربية
" تعليم بلا حدود"، هي إحدى حملات التعليم في السودان والتي يقول عنها وليد إبراهيم، منسق الحملة، أنها عبارة عن نشاط شبابي تطوعي يهدف إلى المساهمة في انتشار التعليم في كافة أنحاء السودان وتفعيل حق كل سوداني في التعليم، خاصة أن هناك حوالي 1,9 مليون طفل في سن المدرسة لا يزالون خارج المدارس.

ومن أهم مبادرات الحملة "الاهتمام بأطفال الفئات المستضعفة والفقيرة من خلال توفير الأدوات المدرسية، وتوفير الكتب الدراسية، والاهتمام بالشكل اللائق للمدارس في هذه المناطق كإعادة ترميمها ودهانها، وتوفير كل ما ينقصها من أجل إتمام العملية التعليمية بنجاح، وإقامة العديد من المسابقات الترفيهية بهدف جذب الأطفال للدراسة وعدم التسرب من التعليم".

ويتابع منسق الحملة قائلا: من المبادرات الأخرى أيضا الإعداد لزيارة أسبوعية لإصلاحية "الجريف"، فمن المفترض أن تقوم الجهات الرسمية بإصلاح الأطفال بها، ولكن هذه الجهات تعتقد أن مجرد توفير "الوجبة" وتعليم الطفل "صنعة" سيغير من سلوكه، ولهذا نهتم في الحملة بتغيير سلوك هؤلاء الأطفال والتأثير فيهم إيجابيا بأشياء بسيطة ومنها التوجيه والتعليم وسرد القصص وإشراكهم في عروض مسرحية ومسابقات في الرسم ومساعدتهم في العملية التعليمية.

أما في اليمن، فقد تطوع أحد الموظفين لتحويل حافلة خاصة به إلى مدرسة متنقلة لخدمة الأطفال المتسربين من المدارس أو المنازل إلى الشوارع، ومنحهم دروسا أولية في القراءة والكتابة، وقد وجدت هذه المبادرة تفاعلا كبيرا في الشارع اليمني.

وفي المغرب، قامت إحدى الجمعيات بتعليم المئات من أطفال الشوارع فن السيرك من خلال تقديم دورات تدريبية لإعطائهم ملكات تساعدهم على مواجهة صعاب الحياة بمساعدة مجموعة من الشباب المتطوعين.

مبادرات أجنبية
ولأن العمل الإنساني لا حدود جغرافية له، فقد أعلنت الكثير من المنظمات الأجنبية اهتمامها بأطفال الشوارع في الدول العربية، ومن هذه المبادرات مبادرة منظمة  international cooperation اليابانية لمساعدة أطفال الشوارع في مصر من خلال برنامج تعليم غير نظامي يتم في مدرسة متنقلة صديقة لأطفال الشوارع  تراعي المحفزات الإيجابية للتعلم.

وكذلك مبادرة "الأطفال بلا مأوى:إعادة الدمج من خلال التعليم"، التي تهدف إلى توفير التعليم الصديق للأطفال والمهارات الحياتية، بما في ذلك التوعية بالسلامة على الطرقات والصحة الإنجابية مع التركيز على الصحة العامة ومرض الإيدز وغيره من الأمراض المنقولة جنسياً، ويسعى المشروع إلى تزويد المجموعة المستهدفة بسبل الخروج من الشوارع من خلال التعليم غير الرسمي في مركز الاستقبال النهاري والبيت الإنتقالي المقدم من خلال المدرسة الصديقة للطفل.

 وبطرح السؤال، هل تعد المبادرات الشخصية والأهلية لتعليم أطفال الشوارع كافية مقارنة بالدور الذي يجب أن تقوم به الحكومات، يرى أسعد طه، أحد أعضاء مجموعة تعليم بلا حدود، أن الطبيعة غير الرسمية للعمل التطوعي تجعل المتطوعين أكثر قربا وإنسانية في التعامل مع الأطفال، خاصة إذا تم تأهيلهم ويتضح ذلك من مؤشرات ارتفاع نسبة نجاح التلاميذ وانخفاض التسرب من المدارس، ويبقى التحدي في تعامل الأجهزة الرسمية مع كيان غير مسجل في الغالب، ومع ذلك يتم السير بخطى ثابتة نحو مجتمع مهتم بالتعليم وجعلها ثقافة سائدة، وهذا ما لم تستطعه الحكومات. 

المساهمون