الأطفال الإسكندنافيون..إجازة خارج الجدران

26 يوليو 2015
ينظم المتطوعون نشاطات رياضية تربوية في الصيف (العربي الجديد)
+ الخط -
في الدول الإسكندنافية، وكجزء من العملية التربوية، تكون النشاطات التي يقوم بها التربويون مع الأطفال خلال إجازتهم الصيفية خارج الجدران، حيث يجري تحضير "زوادات" الطعام، ويتحول الدوام الدراسي إلى شبه دوام في الطبيعة، ولمدة طويلة من النهار.

يتجهون بالنشاطات إلى الغابات وإلى الشطآن، وأحيانا إلى المدينة، وفي الأخيرة تتم زيارة المتاحف التي تكون متعاقدة مع الروضات والمؤسسات التربوية التي تستضيف الأطفال خلال الإجازة الصيفية، أي أنها تعرف بقدوم أعداد من الأطفال بوجود "مرشد/ مرشدة" ليخبر الأطفال عما يحتويه المتحف، الذي يمكن أن يكون عن التاريخ أو الفن أو حتى عن حياة الأطفال في بلدان أخرى.
وفي العادة تكون أكثر المتاحف التي يؤخذ إليها الأطفال في الإجازة الصيفية هي "متاحف الطبيعة"، وفيها يتعلم الطفل تاريخ الطبيعة، ونشأة الأشياء، وكيف يحصل على الطعام، من البيضة وحتى الخبز. وهذا يعتبر في نظام الرعاية التربوية نشاطا محفزا، وفي ذات الوقت يعتبر "متعة واستمتاعا" بالإجازة الصيفية.

اكتشاف الحياة
يقدّر الأهالي عاليا مثل هذه الزيارات التي يقوم بها أطفالهم إلى الغابات والشواطئ برعاية الكبار وحرصهم على أمنهم، حيث يتعلم الصغار طريقة السير المنتظم والتوقف عند الإشارات الضوئية وغيرها من آداب التصرف، كجزء غير مباشر في تأهيلهم وتحفيزهم لبداية الصفوف التأهيلية، بعد فترة قد لا تكون طويلة لهؤلاء الذين اقتربوا من السادسة. زيارات المكتبات الشعبية لا تقل أهمية عن القيام بأي نشاط، حيث يتعرف الطفل على وجود كتب وأشرطة يمكنه أن يستعيرها من تلك المكتبات، بالإضافة إلى أفلام متوفرة مجانا.

لا تقتصر النشاطات الصيفية على أماكن قريبة، فقد تكون هناك نشاطات "تخييم صيفي" بعيدا عن المدينة، وبالطبع بعد الاتفاق مع الأهل. الرحلة قد تكون قريبة من حديقة حيوانات أو مزارع قريبة لتربية الماشية وإنتاج مشتقات الحليب والأجبان. توجد ملاعب تسمى "ملاعب الحيوانات"، وهي عبارة عن حدائق حيوانات مصغرة تحوي العديد من الأنواع، كالأرانب والماعز والدجاج وما شابه، وهي تكون قريبة من عناوين المؤسسات التربوية، ولا تحتاج سوى السير على الأقدام يكون الطفل فيها متشوقا ليقضي وقتا وهو يكتشف ما حوله في الحياة.

أجمل الأوقات، وبحسب استنطاقات تقوم بها المؤسسات ومدارس الصغار الابتدائية، هي تلك التي يخرج فيها الأطفال في الرحلات الصيفية إلى الطبيعة وإلى ملاعب الحيوانات، حيث يقضون وقتا وهم يوقدون النار مع الكبار بالقرب من الحيوانات القريبة منهم، وخصوصا الأحصنة، حيث يقوم هؤلاء الأطفال بشيّ بعض المأكولات، خصوصا تلك المعروفة بـ"السجق المحشو في العجين".

يحضر الأطفال بأنفسهم العجينة من مادة الدقيق ويلفونها على غصن خشبي طويل، وفي داخلها أصبع سجق، ويمسكون بالغصن في جلسة دائرية حول النار الموقدة ليشووا الخبز في وجود الكبار. تلك الجلسة تعطيهم راحة واقترابا ممن هم في سنهم وأمانا مع المربين، حيث يطلب منهم أن يقصوا في اليوم التالي بعض القصص عن رحلتهم في الطبيعة، وتصبح العملية حقيقية وليست مجرد تخيل عند الطفل.

الانتقال من مكان إلى آخر مع الأطفال يتم بالحافلات العامة، وهو أسلوب تربوي أيضا يتعلم من خلاله الطفل آداب الصعود والنزول والتصرف مع الآخرين، وكيف يشتري البطاقة ويضغط على زر التوقف، والانتباه للدراجات أثناء النزول. لكن هناك أيضا مؤسسات تختار القيام برحلات عبر الدراجات الهوائية، وبعضها يملك دراجات خاصة فيها "عربة" نقل للأطفال يجلسون فيها اثنين اثنين أو أكثر، وهي تشبه عربة الأطفال التي يجرّها الكبار لكنها موصولة بالدراجة. ومن خلال هذه الرحلة يستطلع الطفل أيضا عالما آخر.

العمل التطوعي
لا تقتصر نشاطات الأطفال الصيفية في البلاد الإسكندنافية على ما يقوم به التربويون فيها، بل إن "الأنشطة المحلية" هي واحدة من أهم ما بنته المجتمعات الإسكندنافية من خلال ما يطلق عليه "حياة الجمعيات". وبعد أن يقوم الأهل بأخذ إجازتهم الصيفية لزيارة مثلا الجد والجدة أو حتى السفر إلى مدن أخرى، أو إلى بلاد أخرى، يعود الأطفال إلى نشاطات تسمى نشاطات محلية، عصبها الأساس "العمل التطوعي".

المتطوعون في تلك الجمعيات والأندية والنقابات المحلية، وهي قائمة منذ عقود طويلة جدا، ينظمون نشاطات مفتوحة للجميع، أي للأطفال من كل الأعمار، بمن فيهم من عادوا من زيارات أقاربهم، أو حتى الذين يداومون في المؤسسات صيفا، وقد تكون تلك النشاطات رياضية (تربوية) تساعد على لياقة الأطفال وتعرفهم على إمكاناتهم من خلال اللعب، وأيضا الاندماج بالآخرين بعيدا عن الوقوع في الخوف الاجتماعي/ الرهاب. ويحب الأطفال لعبة التلوين وتلوين وجوههم ورسم أشكال في ذلك اليوم.

تشمل تلك النشاطات المحلية الموسيقى والرقص وسباق الدراجات (كل حسب عمره وقدرته) والجري ومسابقات الطهي. ولا يقتصر الأمر على "مسابقات"، بل المشاركة في تحضير الطعام جماعيا بتوزيع المسؤوليات (مجموعة تحضر، مجموعة تطهو ومجموعة توزع، وهكذا في التنظيف وترتيب المكان، وبإشراف الكبار دائما).


"يوم اللعب" هو يوم يختاره المتطوعون للصغار (ويشمل كل الأعمار حتى المرحلة الابتدائية)، حيث يحجزون مجانا، عبر البلديات، قاعة رياضية في المنطقة القريبة من المدارس والمؤسسات النهارية، ويصبح اسم القاعة في ذلك اليوم "أرض اللعب".. توضع على أرضيتها الفرشات الكبيرة ليقفز عليها الصغار، ثم تنصب أيضا أداة التزلج الكبيرة والموانع للجري والقفز وكرة القدم واليد.. إلخ.

واحدة من أكثر الألعاب التي يفضلها الأطفال في سن الحضانة أو الروضة، هي "اللعب بالمياه". فلو كان الجو حارا نخرج إلى الخارج للعب بالمياه معهم، وإلا فهناك أماكن داخل المؤسسات يرتدي فيها الأطفال ملابس السباحة ويبدؤون اللعب بالمياه كيفما شاؤوا بدون منعهم من شيء طالما لا يؤذيهم ذلك ولا يؤذون بعضهم. ولعبة المياه لعبة محفزة جدا للصغار، وأحيانا يتم وضع الأطفال الصغار جدا في "أوعية بلاستيكية" في الحديقة ليرشقوا بأيديهم المياه، فالصغار يحبون المياه بشكل كبير.

قوانين الطعام
في الصيف لدى مؤسسات رعاية الأطفال قوانين صارمة بالنسبة للطعام ومواعيده، فعادة ولأنه موسم إجازات، فإن الأهل لا ينتبهون مثل بقية الأيام لما يتناوله الأطفال، لكن المؤسسات تفعل وتنتبه إلى ما يتناولونه، حفاظا على صحتهم الجسدية والنفسية.. وفي العادة يسمح لهم مرة واحدة وعن قصد بأن يتوجهوا إلى الثلاجات ليستلوا أصبعا من المثلجات بعد نهار طويل من النشاط.

تلك النشاطات وغيرها الكثير تبقى هادفة، إلى جانب أنها تمنح الطفل شعورا بالصيف والإجازة، كفرصة أخرى لتحفيز الأطفال للعودة إلى مقاعد الدراسة في المدارس أو الاشتياق إلى دوام طبيعي في الأيام العادية. ويبقى أن نذكر بأن ما ينطبق على الإجازة الصيفية ينطبق على إجازة الخريف والشتاء، وما يستبدل فقط هو نوعية الملابس لا النشطات... فحتى لو كان الثلج كثيفا سيخرج الأطفال إلى الطبيعة بلباس دافئ ينعمون بأوقات الإجازة، سواء مع التربويين أو مع الأهل والمحيط.
المساهمون