الافتراء على الفلسطينيين... إشاعات بيع الأرض نموذجاً

25 مارس 2018
الفلسطينيون متمسكون بأرضهم جيلا بعد جيل (مجدي فتحي/Getty)
+ الخط -
اعتمدت الوكالة الصهيونية منذ أن بدأت في العمل على إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين على إطلاق الكثير من الأكاذيب والشائعات وكل إشاعة كانت تخدم هدفًا خاصًا بها، بالإضافة إلى الهدف العام الرامي إلى تسهيل وتيسير مهمة احتلال فلسطين وتفريغ أهلها وسكانها الأصليين منها، ومن أقبح تلك الشائعات وأكثرها إيذاء للفلسطينيين الزعم بأن الفلسطينيين باعوا أرضهم لليهود بإرادتهم، وأن اليهود اشتروا أرض فلسطين من الفلسطينيين بحُرّ مالهم وبأوجه البيع المشروعة والمتداولة في حينه، ويأتي ترويج هذه الأكاذيب بهدف كسب الرأي العام العالمي ولإضفاء صبغة قانونية على احتلال الأراضي الفلسطينية وجلب الداعمين والمناصرين لإسرائيل.
إطلاق تلك الشائعات من قبل الصهيونية العالمية ودولة الاحتلال الإسرائيلي وترويجها عبر وسائل شتى من خلال مختصين من رجال الدولة العبرية والسياسيين والإعلاميين والكتّاب والمنظرين اليهود ليس مستغربًا، لأن إسرائيل في النهاية دولة احتلال وليست إلا عدوًا يريد أن يسيطر ويهيمن على كل شيء فلسطيني، وبأي وسيلة كانت، فالغاية عند دولة الاحتلال الإسرائيلي في ما يتعلق بمصالحها تبرر الوسيلة مهما كانت قبيحة وانتهازية وغير أخلاقية.
لكن المستغرب والمستنكر في ذات الوقت عندما يصدح ويروج إعلاميون وأدباء وكتاب وسياسيون عرب وناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي من الشباب العربي في البلاد العربية لتلك الشائعات المكذوبة عن الشعب الفلسطيني فينشرونها ويدعمونها بالتأييد والتصديق، حتى تصل إلى المواطن العربي بجهود عربية تبدو في التناسق والتتابع كأنها تسير وفق خطة ممنهجة ومدروسة، والغريب أيضًا أن تلك الموجة من الشائعات والتهجم على الذات الفلسطينية تنطلق وتظهر في أوقات حرجة ومصيرية في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مما يؤثر بشكل سلبي على مناصرة المواطن العربي وحبه ودعمه للقضية الفلسطينية ويعمل على تضليل الشعوب العربية وخفض حماستهم تجاه الأحداث الجارية في فلسطين المحتلة عمومًا وفي مدينة القدس على وجه التحديد، وتبرر تخاذل مطلقيها ومن يحركهم، وتعمل على تمرير مشاريع تصفية القضية الفلسطينية والاستفراد بالشعب والحقوق الفلسطينية.
بعد الأزمة الخليجية الراهنة وفي ظل الحديث عن صفقة القرن الأميركية تصاعدت لهجة التحريض ضد الشعب الفلسطيني واتهامه بأنه باع أرضه لليهود، وانطلق عدد من السياسيين والإعلاميين والمؤثرين العرب، وخصوصًا في بعض دول الخليج وعدد من العواصم العربية التي تدور في فلكهم في حملة غير مبررة لتشويه القضية الفلسطينية وتقزيم تضحيات ومعاناة الشعب الفلسطيني، فلم يتورع سياسيون عرب عن مهاجمة الفلسطينيين وامتداح إسرائيل، من ذلك دفاع مسؤول أمني خليجي معروف (ضاحي خلفان) في سلسلة من التغريدات عبر حسابه الرسمي على "تويتر" عن إسرائيل واليهود، مؤكداً أنهم يستحقون أن تكون لديهم دولة، بل مطالبًا العرب بمنحهم دولة يعيشون فيها باعتبارها دولة مسكينة، معتبراً أن من يرفض مثل هذا الاقتراح يعد من الشياطين، وموجهًا انتقادات لاذعة للعرب الذين يرفضون بقاء إسرائيل على أرض فلسطين، وسياسي عربي آخر تهجم على الفلسطينيين والمقاومة الفلسطينية وامتدح إسرائيل بوصفها دولة ديمقراطية وادعائه أن القضية الفلسطينية أخرت العالم العربي كثير جدًا، ومن ذلك أيضًا تطاول إعلاميين مشهورين لهم تأثيرهم في الشارع العربي على الفلسطينيين متهمين إياهم بأنهم ناس باعوا قضيتهم وباعوا أنفسهم وأن العرب منذ 1984 واقعين بسببهم في الدم، ويصف إعلامي عربي مشهور إسرائيل بالجارة، وأنها الصح ويرسل لها سلاماً مربعاً!
وذهب كاتب سعودي إلى أبعد من ذلك حين روّج في تغريدات له على تويتر للسياحة في تل أبيب، متوقعًا أنه إذا عُقد سلام مع إسرائيل، وصار الحصول على الفيزا والدخول والخروج سهلا، فإنها ستصبح المحطة السياحية الأولى للسعوديين، إضافة إلى تفاعل مواطنين ونخب سعودية وعربية من كتّاب ومشاهير وصحافيين وإعلاميين للتغريد على وسم "#الرياض_أهم_من_القدس، ووسم #الفلسطينيون_باعوا_أرضهم، واللذين اشتملا على اتهام الفلسطينيين بأنهم تخلّوا عن قضيتهم، وأنهم يطالبون بتحرير أرض باعوها وقبضوا ثمنها، ويقلل من شأن القدس والقضية الفلسطينية ومن ضرورة الاهتمام بها.
هذا الافتراء الكاذب والاتهام الباطل الذي يُجلد به الشعب الفلسطيني قد يكون أشد وطأة وأكثر إيلامًا لنفوسهم من الاحتلال نفسه، والذي جرى للشعب الفلسطيني إنما هو تطهير عرقي بكل ما تعنيه الكلمة، ولم يفرط الفلسطينيون في حفنة من تراب بلادهم ولم يبيعوا أرضهم ووطنهم، إنما طردوا منها تحت أزيز الرصاص ورعود المدافع وهُجروا من قراهم وبلداتهم بعد أن ولغت العصابات الصهيونية في دمائهم وارتكبت ما يحلو لها من مجازر بشعة يندى لها جبين كل حر وشهم، ولم يقصر الفلسطينيون قيد أنملة في الدفاع عن مقدساتهم وبلادهم وقراهم، بل استماتوا في الدفاع عنها وقدموا وما زالوا من صنائع الفداء والتضحية والصمود والتحدي ضد العصابات الصهيونية ودولة الاحتلال الإسرائيلي ما تعجز عن وصفه الكلمات، ولم يتركوا ورغم مرور زمن طويل على نكبتهم أي وسيلة من وسائل النضال سلمية كانت أو مسلحة إلا وأخذوا بها في سبيل تحرير وطنهم المحتل والعودة لديارهم المسلوبة.
وما زال الفلسطينيون يتوارثون حب أرضهم والكفاح من أجل استعادتها جيلًا بعد جيل فلا تخلو ناحية من نواحي المخيمات الفلسطينية من أسماء شوارع أو مبان أو مدارس سميت على أسماء القرى الفلسطينية التي هُجّروا منها، وحتى اليوم يسمي الفلسطينيون أبناءهم بأسماء المدن الفلسطينية ويتباهون بذلك ويتفاخرون به، وقد روى كثيرون عن آبائهم الذين طُردوا وهُجروا من حقولهم وبياراتهم كيف أنهم قضوا أعمارهم وهم ينتظرون العودة إليها وكيف أنهم ماتوا وهم يشيدون ببرتقال البلد وبالتين والصبر والعنب والجميز المنتشر في أحراش القرى والبلدات الفلسطينية، ولم ينقطع عن أفئدتهم حب مراتعهم الأولى ولم يغب عن ألسنتهم ذكر البلاد وأيامها وعاداتها وتقاليدها، وكيف أنهم كانوا يتعلقون بكل أمل وبأي قائد وزعيم كان يعدهم بالعودة لفلسطين ويطالب بحقوقهم وينادي بها.
الدراسات والإحصائيات وضحت أن مجموع ما كان يملكه اليهود من أرض فلسطين لا يتجاوز 7% فقط من الأراضي الزراعية بفلسطين، والتي تبلغ مساحتها 27 مليون دونم، فلم يكن لليهود في أرض فلسطين في عهد السلطان العثماني عبد الحميد أي ملكية من الأرض، وذلك لأن القانون كان لا يسمح لهم بالتملك فيها، وكانت التوصيات من السلطان العثماني حازمة وحاسمة بالخصوص، لكن وفي فترة سيطرة حزب الاتحاد والترقي على الدولة العثمانية استطاع اليهود امتلاك 650 ألف دونم من الأرض عبر رشاوى قدموها لكبار الحزب وعماله في فلسطين ومن خلال التحايل على القوانين، وفي عهد حكومة الانتداب البريطاني على فلسطين منح المندوب السامي اليهودي هربرت صموئيل الوكالة اليهودية 679 ألف دونم كهدية أو بيع بثمن رمزي، وقد اشترت الوكالة الصهيونية 678 ألف دونم من عائلات لبنانية وسورية باعت أملاكها في فلسطين وعادت إلى بلادها، في حين أن كل ما باعه الفلسطينيون لليهود من أراضيهم 68 ألف دونم تم بيع أغلبها عن طريق الأوامر وقوانين نزع الملكية وعبر وسائل الضغط والتحايل.
وقد صدرت الفتاوى في وقت مبكر بتحريم بيع الأرض لليهود منها فتوى مؤتمر علماء فلسطين الأول في 25 يناير/كانون الثاني 1935، والتي تحرِّم بالإجماع بيع أي شبر من أراضي فلسطين لليهود، وتعدُّ البائع والسمسار والوسيط المستحل للبيع مارقين من الدين، خارجين من زمرة المسلمين، وحرمانهم من الدفن في مقابر المسلمين، ومقاطعتهم في كل شيء والتشهير بهم.
وكل هذا يؤكد أنّ الفلسطيني لم يبع أرضه، وأنّ الإشاعات التي انطلقت معززة بجيوش إلكترونية، ما هي إلا جزء من الإساءة للفلسطينيين وتاريخهم ونضالهم، في غمرة تقديم بعض العرب أنفسهم كعرابين للسلام مع إسرائيل من أجل تمكنهم من حكم بلادهم واستجلاب دعم دولي لصراعاتهم الداخلية على الحكم.
المساهمون