صغيري الذي يرى العالم شريراً

05 فبراير 2017
يكبر الصغار فجأة وتتسع الهوة بين الآباء والأبناء(Getty)
+ الخط -
لا زلت أشعر بالخوف عليه، أراه في عيني طفلا رغم أنه يركض نحو الشباب بخطاه الفطرية، لا أعرف كيف أتعامل معه في مثل هذه السن الحرجة رغم كل الخبرات التي مررت بها في مجال التربية ومهارات التعلم.. لا زلت أراه يحبو.

كان اليوم ذكرى ميلاده الثالث عشر، اليوم عيد في عيني وبالنسبة له هو يوم لا أرد له فيه طلبا، وكالعادة أخذت بيده إلي أقرب مجمع تجاري لكي يختار هو هديته، لكنه هذه المرة رفض أن يشتري أي شيء مما اقترحته عليه، نظرت في عينيه لعلي أعرف السبب، فلاحظت فيهما شيئا قد أرفضه وبشدة، وقد كان.
- ماما أريد شراء كلب.
- كلب؟ ولم؟
- أريد أن يكون صديقي، أهتم به ويهتم بي، إنه شيء يسعدني.
- إذن فلتهتم بأخيك الأصغر ليكن صديقك وتكن صديقه وتهتمان ببعضكما البعض.
- أمي إن أخي ليس كلبا.
- نعم إنه إنسان.. أي أفضل من الحيوان.
- بوجه عام فأنا أرى الإنسان ليس الأفضل.

قالها باندفاع.. أعرف أنه أراد حتما الدفاع عن رغبته في اقتناء كلب، ولكن ماذا لو كان ما قاله هو فعلا واحدة من ضمن قناعاته، هل حقا يرى الآخرين بهذه الصورة؟
أعرف أيضا أنني أخطأت حينما وضعت أخيه بديلا عن أليفه الذي أراد.

تيقنت أنه ليس اندفاعا في الحديث وإنما هو فكر بدأ ينمو بداخله، فرغم محاولاتي لإقناعه بأن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يحوي بداخله المشاعر والأفكار، إلا أنه باغتني قائلا: كيف لي أن أدمج هذا بالواقع، تقولين إن الإنسان أفضل من الحيوان وأنا أرى في الكلب وفاء لا يعرفه البشر، الحيوانات عموما يا أمي لا تقتل بعضها بعضا إلا في إطار فطرة الحفاظ على النوع، كيف أقتنع أن للبشر مشاعر وكل يوم أخبار هنا وهناك وكلها تحمل معاني الشر والجريمة والكذب، الحيوانات لا تكذب، أما البشر فمعظمهم يكذبون.

رغم جداله لإقناعي بما لا يمكن قبوله لدي، إلا أن كلماته اخترقت داخلي، لقد كبر صغيري وأصبح على دراية بما حوله من آلام الناس ومعاناتهم وأيضا طغيان بعضهم على بعض، تذكرت أنه كان يجلس إلى جوارنا ونحن نتابع أخبار العالم في العراق، في سورية، في فلسطين ومصر واليمن، أخبار الاعتقالات والإعدامات والقتل، كان يجلس متحيرا من حال أطفال اللاجئين ويتعجب لم يحدث هذا، إنه الواقع المؤلم.

قفز إلى ذهني ساعتها حال الأطفال في وسط هذه المعمعة، إن كان هذا حال أبنائنا وهم يشاهدون الأخبار عن بعد فكيف سيكون حال أطفال الحروب الذين شاهدوا الموت بأعينهم وزلزل صوت القنابل قلوبهم الصغيرة، نحن حتما سنعيش مستقبلا عصيبا مع جيل نشأ وتربى وسط عالم يراه شريرا، ولعلنا في العالم العربي لا نعطي اهتماماً كبيراً بالرعاية النفسية والوسائل المطلوبة لاحتواء ردة فعل الأطفال تجاه الصدمات أثناء الحرب، في حين أن غالبية المختصين يؤكدون أن أخطر آثار الحروب هو ما يظهر بشكل ملموس لاحقاً في جيل كامل من الأطفال سيكبر من ينجو منهم وهو يعاني من مشاكل نفسية قد تتراوح خطورتها بقدر استيعاب ووعي الأهل لكيفية مساعدة الطفل على تجاوز المشاهد التي مرت به.

ومن الممكن تفادي هذه الحالات فقط إذا تذكر أحدهم الجانب النفسي للطفل في هذه الأوقات العصيبة، فمثلا في العراق، وحسب ما ورد على لسان أحد ممثلي الأمم المتحدة، أكثر من نصف مليون طفل عراقي من الأرجح أنهم سيكونون بحاجة إلى علاج نفسي من جراء الصدمة النفسية التي تعرضوا لها خلال الحرب... أما في سورية، فحدّث ولا حرج.


المساهمون