أثار بيان إدارة الاحتياط العام بوزارة التربية والتعليم في حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، والمتعلق بوجود آلاف المعلمين الذين يتقاضون رواتب من دون عمل، جدالاً وسخطاً واسعاً لدى المهتمين بالشأن العام.
وفي 30 يوليو/ تموز الماضي، أخطر مدير الاحتياط العام حسن عطية، مراقبي التعليم في البلديات ومديري مكاتب الاحتياط العام بالمراقبات التعليمية، حول مغبة التستر على معلمين وموظفين بقطاع التعليم المنقطعين عن العمل لسنوات طويلة، بينما يمنحون استمرارية عمل وتقارير كفاءة، محذراً من أن هذا الفعل يعد جريمة نكراء يخالف عليها القانون وقواعد العمل، ويحاسب كل من اقترفها.
ومع أنّ عطية شكر جهود بعض المراقبات التعليمية بشأن إعادة نقل واسترجاع المعينين داخل مراقباتهم لإعادتهم إلى مقار سكنهم والاستفادة منهم في سد العجز، إلا أنه أكد أن كافة الأجهزة الرقابية تتابع موضوع الانقطاع عن العمل بجدية واهتمام، وخصوصاً أنه تم ربط كافة البيانات والمعلومات بمنظومة مصلحة الأحوال الشخصية، والتي تحصلوا من خلالها على بيانات مستوفية عن كل منقطع.
وطالب مراقبات التعليم وللمرة الأخيرة التنسيق في ما بينها لنقل المنقطعين وإعادة تنسيبهم بحسب كل مراقبة، بحكم أنه اختصاص أصيل لها، على أن يستثنى من ذلك المستمرون في أداء عملهم، شرط موافاة الإدارة بمكان عمل كل معلم منهم بحسب جدوله ومدرسته ومؤهله، أو يتم اتخاذ الإجراءات القانونية والإدارية حيالهم، محذراً مرة أخرى من تحمل المسؤولية القانونية أمام الجهات الرقابية.
وأظهرت الرسالة أرقاماً فتحت النار على إدارة التعليم، وخصوصاً أنها تتحدث عن 59 ألف منقطع، موزعين على معظم المراقبات، ويتمتعون بكافة مزاياهم من دون أي مداومة على العمل، بينما هم منقطعون بحكم القانون، في الوقت الذي تئن فيه المدارس في كافة أنحاء البلاد بسبب النقص الحاد في المعلمين.
وما زاد من حدة الجدل أن الخطاب أكد وجود أعداد كبيرة من المتوفين الذين ما زالوا يتقاضون رواتبهم، وقد انقضى على وفاة بعضهم أكثر من عام، ما يكشف حجم الفساد الإداري في قطاع التعليم الليبي عامة.
وتقول المعلمة والناشطة ابتسام الاصيبعي، التي تعمل في سلك التعليم منذ 31 عاماً، إن ما يحصل في التعليم وخصوصاً الإدارة المالية فيه، بالإضافة إلى المدارس، "كارثة بكل المقاييس". وتوضح أن "المعضلة بدأت منذ عام 2007، عندما تم الاستغناء عن أعداد كبيرة من الموظفين، وخصوصاً العاملين في التعليم الذين استغني عن حوالي نصفهم، وتمت إحالتهم إلى مراكز القوى العاملة (الجهة المسؤولة عن تنسيب الموظفين) شرط تمتع المحالين برواتبهم الأساسية فقط من دون ترقيات أو أية مزايا" .
تضيف الاصيبعي في حديثها لـ "العربي الجديد": "في تلك الفترة، كان الهدف الحد من أعداد المعلمين والموظفين المبالغ فيها بالمدارس والدوائر الحكومية. وعند بدء أحداث الثورة الليبية من بنغازي في فبراير/ شباط 2011، وفي ظل رغبة النظام السابق في استمالة الليبيين، صدر قرار بإعادة المعلمين إلى مدارسهم، مع إقرار زيادة في الرواتب"، معتبرة أن هذه الإجراءات كانت أساس الارتباك والفوضى في إثقال ملف موظفي قطاع التعليم.
وتوضح أنه "بعد الزيادة الأخيرة لرواتب المعلمين العام الماضي، وصل متوسط راتب المعلم إلى نحو 2000 دينار (نحو 417 دولاراً)، وانقطاع 59 ألفاً منهم يعني إهدار نحو 120 مليون دينار (أكثر من 25 مليون دولار) شهرياً من دون أي إنتاج في المقابل، وهذه هي الكارثة التي نتحدث عنها".
من جهتها، تقول المعلمة في المرحلة الثانوية عزيزة العجيلي: "كنتُ من بين اللواتي عدن للعمل في 2011. وحينها، أعيدت لنا بعض حقوقنا، لكن لم يعد الجميع للمداومة لأسباب مختلفة، وتمت إحالة المنقطعين لإدارة الاحتياط العام"، موضحة أن "المعاناة الكبرى للمعلمين تكمن في تباطؤ العمل في مالية التعليم، وخصوصاً ما يخص منح الترقيات في وقتها، وصرف الفروقات المالية المستحقة نظير تأخر الترقيات".
تضيف العجيلي لـ"العربي الجديد": "هناك فروقات مالية لصالح معلمين وموظفين بالتعليم لم يتم منحها منذ أكثر من 20 عاما. وفي كل عام تقوم إدارة التعليم بتأجيل الصرف، ما يعني تراكم الديون على الوزارة لصالح المعلمين وتزايدها باضطراد"، الأمر الذي دفع كثيرين لعدم المداومة.
ويتحدث المعلم في المرحلة الابتدائية مصباح. أ، عن أمر آخر دفع إلى انقطاع معلمين آخرين، وهو تأخر استئناف منح الرواتب عند انتقال المعلمين إلى مناطق أخرى. ويوضح في حديثه لـ "العربي الجديد": "عندما انتقلت من طرابلس للعمل في منطقة أخرى، عرفت أن الانتقال إلى مدرسة في بلدية جديدة يعني توقف راتب لسبعة أشهر على الأقل بسبب تكاسل إدارة التعليم، إلا أنني لست على استعداد لتجويع أولادي. لذلك، لجأت إلى أحد أقاربي الذي يدير مدرسة نائية، وتجاهل غيابي إلى أن تحل المسألة".
ويستدرك مصباح قائلاً: "أعلم أن ما فعلته غير قانوني، ولكن بقاء رب الأسرة من دون راتب لقرابة عام يعني ضياع مستقبل أسرته، وأتمنى من إدارة التعليم حل هذه المعضلة من دون تضرر أي طرف".
وكانت وزارة التربية والتعليم قد كشفت في بيانات سابقة أن "التابعين للوزارة من معلمين وموظفين يبلغون نحو 650 ألفاً"، ما يعني قرابة 10 في المائة من تعداد الليبيين، مع الإشارة إلى أن ليبيا خارج مؤشر جودة التعليم ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﺍﻟﺼﺎﺩﺭ ﻋﻦ المنتدى ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻓﻲ دافوس.