40 ألف شهيد... مجازر وحشية يومية في قطاع غزة

11 اغسطس 2024
خلفت مجزرة التابعين الكثير من أشلاء الشهداء (عبود أبو سلامة/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **استمرار المجازر الإسرائيلية في غزة**: يواصل جيش الاحتلال ارتكاب المجازر بحق المدنيين، مما أدى إلى سقوط 40 ألف شهيد، 70% منهم أطفال ونساء، مع وجود آلاف المفقودين وجثث تحت الأنقاض.

- **تعقيدات في حصر أعداد الشهداء والمفقودين**: يواجه المكتب الإعلامي صعوبات في حصر الأعداد بدقة بسبب الدفن العشوائي واستخدام أسلحة كيميائية، مع تقديرات تتجاوز 50 ألف شهيد.

- **تأثير المجازر على الناجين والمجتمع الدولي**: يعيش الناجون في صدمة نفسية مستمرة، بينما يظل المجتمع الدولي صامتاً، مما يزيد من شعور الفلسطينيين بالإحباط واليأس.

يكرر جيش الاحتلال الإسرائيلي يومياً ارتكاب المجازر بحق المدنيين في قطاع غزة، في ظل تنديد دولي خافت. وتخلف كل مجزرة العديد من الشهداء والجرحى، فضلاً عن تشريد المزيد من الأشخاص.

وصل عدد شهداء العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة إلى 40 ألف شهيد مسجل، نحو 70% منهم من الأطفال والنساء، وسط تأكيدات من المكتب الإعلامي الحكومي أن العدد النهائي للشهداء يتجاوز هذا الرقم، في ظل وجود آلاف المفقودين، وآخرين ما زالت جثامينهم تحت ركام البنايات المدمرة، والذين لم يتم تسجيلهم في قوائم الشهداء.
وتقدّر المصادر الحكومية في قطاع غزة أعداد المفقودين والشهداء منذ بداية العدوان الإسرائيلي بأكثر من 50 ألفاً، كما تم توثيق 3485 مجزرة إسرائيلية، راح ضحيتها مدنيون في مختلف محافظات القطاع، وجميعها كانت على أهداف تشمل أحياء سكنية ومدارس وتجمعات من النازحين، وحتى رياض الأطفال. 
ويبيّن مدير المكتب الإعلامي الحكومي، إسماعيل الثوابتة، أن "مشكلة عدم حصر أعداد الشهداء بالكامل تعود إلى أن الكثير منهم لم يُدفنوا بطريقة نظامية، فهناك دفن عشوائي قامت به عائلات عدة في غزة، خصوصاً في المنطقة الشمالية، إلى جانب العديد من المقابر العشوائية لجثث لم يتم التعرف على هويتها، وهناك جثث تحللت بالكامل، كما تم دفن المئات من الشهداء مجهولي الهوية في مقابر جماعية بمدينتي رفح وخانيونس". 
ولا يُعرف مصير المقبرة الجماعية في مدينة رفح، والتي جرى تداول معلومات تفيد باجتياح المركبات العسكرية الإسرائيلية للمنطقة التي تقع فيها، ما يزيد احتمالية تدنيس المقبرة أو العبث بها، كما حصل في مقابر أخرى. يقول الثوابتة: "المجازر الإسرائيلية الأخيرة كان هدفها الأساسي قتل أكبر عدد من المدنيين، إضافة إلى فرض تعقيدات على عملية نقل الجثامين والأشلاء، واستخدام الاحتلال أسلحة كيميائية تقوم بحرق الأجساد أو تذويب أجزاء منها". 

يستخدم جيش الاحتلال صواريخ أميركية تنتج حرارة تصل إلى 7 آلاف درجة

بينما يشدد المتحدث باسم الدفاع المدني، محمود بصل، على أن عدد الشهداء يتجاوز في الوقت الحالي أكثر من 45 ألفاً في ظل الأعداد التي تضمّها سجلات الدفاع المدني للمفقودين تحت الأنقاض، أو المفقودين لأسباب غير معروفة. ويقول لـ"العربي الجديد": "‏لا نستطيع حالياً حصر جميع أعداد ضحايا الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في ظل أن التفاصيل معقدة، وهناك ملفات عالقة، وننتظر توقّف الحرب حتى نبدأ في استعادة قدرات جهاز الدفاع المدني، والعمل على خطة البحث عن الجثامين، والعمل على ملفات المفقودين، وهي مهمة صعبة قد تطول لأكثر من عام كامل".
وخلّفت آخر المجازر التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة بحق النازحين داخل مدرسة التابعين بحي الدرج في مدينة غزة نحو 100 شهيد، وسط تأكيدات بأن أعداد الشهداء أكبر، في ظل وجود أشلاء متناثرة، وعدم البت في أعداد المفقودين من سكان المدرسة. واعتبر كثيرون أن المجزرة الأخيرة كانت الأبشع، ووثقت أشلاء الشهداء الذين تم جمعها في أكياس النايلون بدلاً من الأكفان غير المتوفرة.

أطفال ونساء بين شهداء مجزرة التابعين (عبود أبو سلامة/فرانس برس)
أطفال ونساء بين شهداء مجزرة التابعين (عبود أبو سلامة/فرانس برس)

وكان عدد الشهداء كبيراً في مجزرة مدرسة التابعين، لأن غالبية النازحين إليها ممن تقطعت بهم السبل للوصول إلى مكان آمن، في ظل التهديدات الإسرائيلية لكل الأماكن في قطاع غزة. يقول الناجي من المجزرة، سامح عبد الله، وهو من سكان بلدة جباليا في شمال القطاع، إنه نجا من عدة مجازر إسرائيلية استهدفت المدنيين، من بينها مجزرة في مستشفى اليمن السعيد، وأخرى في مدرسة ابن مالك بمنطقة الصفطاوي، ومجازر أخرى تعرضت لها تجمعات سكنية في المنطقة الشمالية، وراح ضحيتها العشرات من المدنيين، من بينهم أفراد من عائلته الذين كانوا يحتمون في تلك المناطق، بينما استشهد عدد من أصدقائه في مجزرة التابعين. 
يضيف عبد الله لـ"العربي الجديد": "كنا نصلي الفجر، وكانت طائرات الاستطلاع الإسرائيلية تراقب المكان، ولا يوجد أي دليل على استخدام المدرسة لأغراض عسكرية كما يدّعي الاحتلال. كان الهدف هو القتل، فهم لا يريدون أن يبقى أحد في المنطقة، لكن لا يمكننا الاستجابة لتلك التهديدات، بالأساس لا نملك مكاناً للنزوح، فكل الأماكن التي نزح إليها أفراد عائلاتنا سقط فيها شهداء، وأحد شهداء المدرسة استشهد جميع أفراد عائلته في مجزرة مخيم البركسات في يونيو الماضي، وظل بعدها يدعو الله أن ينال الشهادة حتى نالها وهو يصلي. بعد المجزرة، نزحت إلى محيط المستشفى المعمداني، وأنام في العراء وحيداً".
وخلال الشهر الأخير، وسّع جيش الاحتلال قصفه على تجمعات النازحين والمدارس، وأسقط أعداداً كبيرة من الشهداء، رغم تكرار المزاعم بأنه يتخذ وسائل متعددة لتقليل الضحايا المدنيين. فيما يعتبر الفلسطينيون أن الأمر مجرد استخفاف بالعقول، في ظل أعداد الشهداء المدنيين الذين يسقطون في كل المجازر. 

يبكون شهداء مجزرة النصيرات (أشرف أبو عمرة/الأناضول)
يبكون شهداء مجزرة النصيرات (أشرف أبو عمرة/الأناضول)

وعقب المعاينة، أكد جهاز الدفاع المدني في غزة أن جيش الاحتلال استخدم في المجزرة الأخيرة صواريخ أميركية الصنع تنتج درجات حرارة تصل إلى 7 آلاف درجة مئوية، ما يتسبب في ذوبان الجثث واحتراقها، ما يمنع توفير رقم دقيق لعدد الشهداء، وأن هذا الأمر حدث في مجازر إسرائيلية سابقة. 
ولا تزال مجزرة المستشفى الأهلي العربي المعمداني، والتي وقعت في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023، هي أكبر مجزرة إسرائيلية أوقعت شهداء في ضربة واحدة، إذ تجاوز عدد الشهداء فيها 450 شهيداً، بعضهم استشهدوا بعد أيام أو أسابيع متأثرين بإصاباتهم، أو بينما كانوا ينتظرون الموافقة على السفر للعلاج في مصر أو غيرها من البلدان.

أوقعت مجزرة المستشفى المعمداني أكبر عدد من الشهداء منذ بداية العدوان

وكانت مجزرة مخيم النصيرات في الثامن من يونيو/حزيران الماضي، من بين الأكبر في عدد الشهداء، وراح ضحيتها 274 شهيداً، فضلاً عن المئات من الجرحى.
ولا تبتّ بيانات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة في أعداد المجازر الكبيرة، ولا الأعداد الحقيقية للشهداء، لوقوع الكثير منها في مناطق شرق مدينة غزة ومحافظة شمال القطاع، ومن بينها مجزرة حي الشجاعية في بداية ديسمبر/كانون الأول الماضي، ومجزرة حي الزيتون في يناير/كانون الثاني، والتي قدّر أن أعداد الشهداء فيهما تجاوزت 250 شهيداً، لكن الترجيحات تؤكد أن أعداداً كبيرة من الشهداء ما زالت جثامينهم تحت الأنقاض، ولم تستطع أجهزة الدفاع المدني الوصول إليهم، في ظل تدمير عدة مربعات سكنية. 
لا يزال رامز أبو السعود يبكي عند تذكّر مجزرة المعمداني، والتي فقد فيها ثلاثة من أفراد عائلته، أحدهم شقيقه الأصغر حسان (19 سنة)، وقد عايش المجزرة في حي الشجاعية حين كان في منزل جيرانه الذي دُمر بالكامل، وهو يعيش حالياً في المنطقة الشمالية من مدينة غزة، ويتنقل بين المستشفى المعمداني وإحدى مدارس المنطقة الغربية. 

يقول أبو السعود لـ"العربي الجديد": "‏جعلنا العالم أرقاماً، فأصبحت المجازر كثيرة والأرقام كبيرة، لكن لا شيء يحرك الساكتين حول العالم. كنت أتوقع أن الحرب ستتوقف بعد مجزرة مستشفى المعمداني، ولم أكن أعرف أنها تمهيد لمجازر مماثلة مستمرة. أصبحنا نفقد شهداء كل يوم، ولم أعد أشعر بالصدمة عندما أتلقى أنباء عن استشهاد أحد الأقارب أو الجيران أو الأصدقاء، على عكس بداية الحرب. أصبحنا نتوقع الموت في كل الأوقات. الكثير من الضحايا الأطفال الذين أحتفظ بوجوههم في ذاكرتي يطاردونني في أحلامي، وتتردد في أذني مشاهد الخوف وأصوات الصراخ. لكن العالم أصبح صامتاً، ولا توجد أدنى مبالاة من المجتمع الدولي، وأصبحت وسائل الإعلام تذكر أرقام الشهداء كأنها خبر معتاد".
ويعيش الكثير من الناجين الذين فقدوا أسرهم في مجزرة مخيم النصيرات في 8 يونيو الماضي، في صدمة نفسية متواصلة. من بينهم هديل محسن (30 سنة) والتي تعرضت لبتر ساقها اليمنى، وهي تتلقى علاجاً مكثفاً داخل مستشفى شهداء الأقصى، وقد استشهد زوجها محمد محسن برصاصة أطلقها قناص إسرائيلي خلال العملية العسكرية لإخلاء الرهائن الإسرائيليين الأربعة. 
تقول محسن لـ"العربي الجديد": "استشهد زوجي أمامي، ولم يكن قد مضى العام الأول من زواجنا، وقد كان يحلم بإنجاب طفل، لكن القدر لم يمهلنا. كان يعيل أسرته، ومنذ بداية الحرب كان يوافق على العمل في أي مهنة كي يطعمنا، لكن الاحتلال وصمت العالم حوّلاه إلى رقم ضمن الشهداء".

المساهمون