كشفت منظمة حقوقية عراقية، اليوم الإثنين، عن أرقام صادمة حيال ظاهرة الاتجار بالبشر التي تُسجّل تنامياً في البلاد مع اتساع رقعة الفقر والبطالة وتصاعد الجريمة المنظمة، في وقت تواصل قوات الأمن العراقية جهودها في ملاحقة المتورطين.
ونقلت صحيفة "الصباح"، المملوكة للحكومة والصادرة ببغداد، اليوم، عن مديرة منظمة "المصير"، المعنية بالملف الحقوقي في العراق، إيمان السيلاوي، قولها إن البلاد سجلت 300 حالة اتجار بالبشر خلال العام المنصرم.
وأكدت السيلاوي، "تعرض جميع الأعمار للاتجار سواء كانوا أطفالا أو نساء أو شباباً"، متحدثة عن تسجيل زيادة في تورط النساء بهذا النوع من الجرائم، وتحديدا المتاجرة بالفتيات والأعضاء البشرية.
ويُصنّف العراق جرائم بيع الأعضاء، والاستغلال الجنسي والتسول، والإكراه على العمل، ضمن جرائم الاتجار بالبشر.
وتضيف السيلاوي: "هناك ارتفاع في أعداد الأشخاص الذين عرضوا أجزاء من أعضائهم للبيع لتأمين الاحتياجات الضرورية ومتطلبات الأسرة الاعتيادية"، مؤكدة استمرار عمليات الابتزاز والتعنيف والمتاجرة السرية بالعمال الأجانب من قبل مكاتب التشغيل المجازة وغير المجازة.
وتتابع: "مواقع التواصل الاجتماعي لها دور سلبي عند البعض من خلال إغراء واستدراج فتيات قاصرات للزواج من قبل شباب ما تسبب بتعرضهن لمخاطر جسيمة"، مضيفة، أن "55 امرأة وقعن ضحية الابتزاز الإلكتروني خلال العام الماضي بعدما تعرضن للمساومة بدفع المال أو التشهير بنشر صورهن الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي أو تلبية رغبات دنيئة".
وبينت أن مبالغ الابتزاز تصل إلى 15 مليون دينار عراقي (نحو 10 آلاف دولار)، وأن أغلب المبتزين من الرجال باستثناء حالتين تعرضتا للابتزاز من قبل نساء أخريات، مؤكدة أن الشرطة المجتمعية تدخلت في إنقاذ كثير من الحالات والقبض على الفاعلين، إذ تصدرت بغداد حالات الابتزاز، تلتها الأنبار والبصرة وكربلاء، ونينوى، وكركوك، وميسان.
وأوضحت أن "عدد المختطفين خلال العام الماضي بلغ 125 مختطفا، وأغلب عمليات الاختطاف وقعت لغرض الحصول على مبالغ مالية أو الاعتداء الجنسي وضحاياها من النساء والشباب والأطفال، وتصدرت بغداد أيضا باقي المحافظات بعمليات الاختطاف ثم بابل وديالى وذي قار"، مبينة أن القضاء العراقي ما زال يتجنب في بعض أحكامه اللجوء إلى قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 28 لسنة 2012 ويحكم وفق قانون العقوبات العراقي 111 لسنة 1969 خصوصا ما يتعلق بالاستغلال الجنسي للضحايا، إضافة إلى افتقار المؤسسات الحكومية لوجود تعريف موحد لمفهوم الاتجار بالبشر.
ويعزو مراقبون اتساع ظاهرة الاتجار بالبشر في العراق، إلى الفقر والبطالة وضعف الأمن وقوة الجماعات المسلحة وغيرها. كما يتهمون بعض عناصر هذه الجماعات بدعم الشبكات الإجرامية والانتفاع منها مادياً.
وقال المقدم أحمد حسين المكصوصي من دائرة شرطة بغداد لـ"العربي الجديد"، إنه في غالبية جرائم الاتجار بالبشر يتم الإيقاع بالضحايا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، سواء بالابتزاز أو الاستدراج أو استغلال الحاجة المادية والإغراء بواقع مختلف أو مستقبل أفضل، ليجد الضحية نفسه أمام شبكة جريمة منظمة.
وأضاف: "العصابات تستخدم النساء والشبان في استدراج الضحايا ويضعون لكل ضحية خطة إيقاع قد تستمر لعدة أشهر وبطرق لا تخطر على بال أحد، وهنا تجب المطالبة بالحذر وعدم الثقة في تبادل المعلومات الشخصية أو الحديث مع الغرباء على مواقع التواصل الاجتماعي، مع أهمية إبلاغ الشرطة بأي مشكلة قبل اتساعها كوننا نملك طرقا عديدة للوصول إلى مركز أو نقطة بداية المشكلة، ومنها تقنية تمكننا من معرفة مكان الشخص المتصل سواء على الإنترنت أو الهاتف المحمول".
في المقابل، يشير عضو نقابة المحامين العراقية، محمد القيسي إلى وجود أهمية كبيرة في مضاعفة الشرطة لإجراءات ملاحقة شبكات الاتجار بالبشر، بسبب توسعها وزيادة عددها، مضيفا لـ"العربي الجديد"، أن بعضها تحولت إلى مافيات كبيرة وقد تملك أغطية تمكنها من التحرك بسهولة على غرار عصابات تجارة المخدرات".
ويلفت إلى أن العاصمة بغداد وبقية المحافظات تشهد بشكل متكرر تسجيل حالات متاجرة بالنساء والأطفال وبيع الأعضاء وتجنيد متسولين، مبينا أن هذه الظاهرة اتسعت بشكل لافت وخطير دون عقوبات قضائية تتناسب مع خطورتها.
وبين الحين والآخر، تعلن الجهات الرسمية عن تحرير مختطفين من عصابات الاتجار بالبشر، أو القبض على أفراد منها.
ونهاية الشهر الماضي، أعلنت وزارة الداخلية العراقية عن تحرير فتاتين أجنبيتين من منزل تتخذه عصابة متخصصة بالاتجار بالبشر مقرا لها، ووفقا لبيان رسمي عراقي فإن الفتاتين اللتين لم تكشف عن هويتهما تمكنتا من الاتصال بالخط الساخن التابع للشرطة، وجرى اقتحام المنزل في بغداد وتحريرهما، بينما ما زال العمل جاريا على اعتقال أفراد الشبكة المتورطة.
فيما أكد بيان رسمي آخر، الأسبوع الماضي، اعتقال متورط في عمليات اتجار بالبشر عبر أخذ أموال من عراقيين تصل إلى 9 آلاف دولار لتهريبهم إلى دول أوروبية بطريقة غير قانونية، إضافة لاعتقال رجل وامرأة متورطين في عمليات اتجار بالبشر، دون أن تذكر تفاصيل أخرى عن ذلك.