الحديث عن حرمان المحافظات الداخلية في تونس من الحد الأدنى من الخدمات الصحية ليس جديداً، إلا أن هذا الملف برز مجدداً مع انتشار فيروس كورونا الجديد. هكذا تكشّف مرّة أخرى وبعمق حجم التفاوت بين محافظات البلاد في الطبابة
وصول فيروس كورونا الجديد إلى تونس أظهر حجم التفاوت بين محافظات الساحل والشمال بالمقارنة مع بقية المحافظات الداخلية الأقل حظاً، بسبب سنوات طويلة من التهميش والسياسات غير العادلة اجتماعياً، الأمر الذي كشف عجز جنوب تونس وغربها عن مجابهة هذا الوباء.
وأظهر وباء كورونا حجم معاناة عدد من الجهات الغربية الواقعة على الحدود مع الجزائر وتلك الجنوبية الواقعة على الحدود مع ليبيا، كونها لا تملك إمكانيات لوجستية ومستلزمات صحية ومنشآت لمجابهة انتشار الوباء. ويُعدّ الخلل في القطاع الصحي والتفاوت بين الجهات سبباً في الاحتقان الشعبي والغضب الذي رافق التونسيين لسنوات، وكان من بين محركات الثورة الشعبية التي طالبت بالحق في الصحة والعدالة الاجتماعية.
اقــرأ أيضاً
وأكد وزير الصحة عبد اللطيف المكي، على هامش زيارة إلى محافظة تطاوين جنوب البلاد مؤخراً، انطلاق خطوة جديدة سريعة لأخذ عينات لتحليل الفيروس في ولايتي تطاوين ومدنين خلال الأسبوع المقبل، لضمان صدور النتائج بسرعة والحد من انتشار الفيروس عن طريق العدوى. ويشير إلى أن الزيارة لا تدخل في إطار معاينة النواقص في الجهة، بل لتحديد الإصابات، وبالتالي الحد من انتشار الفيروس. وشدد على أن المنظومة الصحية ستتغير بعد انتهاء أزمة كورونا، قائلاً: "سنمحو الجهويات بالممحاة، وسيكون لكل تونسي الحق في العلاج بأفضل الوسائل''.
ويشهد توزيع المؤسسات الصحيّة في تونس خللاً في التوازن بين الجهات. ويفتقر غرب البلاد إلى أي مستشفى جامعي، في وقت تتوزّع المستشفيات الأحد عشر على خمس محافظات، هي تونس العاصمة وسوسة والمنستير والمهدية وصفاقس، وكلها تقع على الساحل شرقاً.
وتتركز المستشفيات الجامعية المصنّفة أولى في تصنيف المؤسسات الصحيّة الحكومية في خمس محافظات فقط على حساب 19 محافظة أخرى بسبب القرار السياسي الذي اعتمد التمييز لعقود، إذ ينتمي حكام تونس المتعاقبون منذ الاستقلال إلى الساحل، سواء محافظة سوسة والمنستير، موطن الرئيسين الراحلين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، والعاصمة مقر إقامتهما، إلى جانب وزراء ومسؤولين آخرين كانوا من أبناء المدينة.
وتضم تونس 18 منشأة من الصنف الثاني، هي عبارة عن معاهد صحية ومراكز ومستشفيات متخصصة، جلّها في محافظات تونس الكبرى الأربع، بينما يوجد في محافظة المنستير مركز لجراحة الأسنان. ويتجلى التفاوت بين الجهات من خلال الخدمات الصحية المقدمة للسكان. وفي ما يتعلق بعدد الأطباء العاملين في كل محافظة، تظهر التقارير تمركز 39 في المائة من أطباء القطاع العام في محافظات تونس الكبرى، و30 في المائة في الوسط الشرقي، و10 في المائة في الشمال الشرقي، و6 في المائة في الشمال الغربي، و6 في المائة في الوسط الغربي، و5 في المائة في الجنوب الشرقي، و4 في المائة في الجنوب الغربي.
أما الأطباء في القطاع الخاص، فيتوزعون بنسبة 41 في المائة في محافظات تونس الكبرى، و31 في المائة في الوسط الشرقي، فيما بلغت نسبة الأطباء في الشمال الشرقي 12 في المائة، و4 في المائة في الشمال الغربي، و5 في المائة في الوسط الغربي، و5 في المائة في الجنوب الشرقي، و2 في المائة في الجنوب الغربي.
ويعدّ التمييز بين الجهات لناحية التجهيزات وضعف الإمكانيات اللوجستية واهتراء البنى التحتية للمستشفيات والمراكز الصحية في الجهات الداخلية، سبباً في عزوف أطباء الصحة العامة وأطباء الاختصاص عن العمل في الجهات الأقل حظاً لناحية الإمكانيات.
يقول رئيس لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية في البرلمان التونسي خالد الكريشي لـ"العربي الجديد" إن أزمة الصحة في تونس تعود إلى تراكمات عقود من تكريس سياسة التمييز في المجال الصحي، كما في قطاعات أخرى ميزت محافظات على حساب أخرى. ويوضح أنها ليست المرة الأولى التي تقف فيها الدولة عاجزة أمام ما تم تكريسه من سياسات خاطئة، مشيراً إلى أنه قبل جائحة كورونا، عانت تونس من جراء ضعف القطاع الصحي في المحافظات الداخلية خلال حادثة عمدون التي أودت بحياة عشرات الشبان، إضافة إلى حادثة وفاة الرضع وعشرات الحوامل في المحافظات الداخلية، لافتقارها إلى تخصص التوليد، وحوادث انقلاب شاحنات العاملات المزارعات وغيرها من الأزمات. يضيف أن العدالة الاجتماعية وتكريس التمييز الإيجابي هو الحل من خلال تمكين المحافظات وسكانها من حقها في الصحة، كما يفرض الدستور في البند 37 الذي ينص على أن الصحّة حق لكلّ إنسان، وعلى الدولة أن تضمن الرعاية والوقاية الصحيّة لكل مواطن، وأن توفر الإمكانيات الضرورية لضمان السلامة وجودة الخدمات الصحية.
ويبرز التفاوت في القطاع الصحي من خلال عدد الأسرّة المتوفرة في المستشفيات وغيرها. وأظهر التقرير السنوي الأخير الذي أنجزه المعهد الوطني للإحصاء، أن عدد الأسرّة الأكبر موجود في إقليم تونس الكبرى، ويبلغ وحده 6059 سريراً، أي 28 في المائة من عددها الإجمالي، وكذلك بالنسبة للمحافظات الساحلية وصفاقس التي تضم 5249 سريراً، أي 25 في المائة من العدد الإجمالي، في حين لا يتجاوز هذا العدد 1855 سريراً في إقليم الوسط الغربي، و1732 سريراً في محافظات الجنوب الشرقي، و1433 سريراً في الجنوب الغربي، و2351 في إقليم الشمال الغربي، و2464 في محافظات الشمال الشرقي.
اقــرأ أيضاً
ويقول المحلل السياسي حسن موري لـ"العربي الجديد" إن قضية التفاوت الجهوي من بين القضايا التي قامت بسببها الثورة. لكن الحكومات لم تنجح في القضاء على التمييز بين الجهات وتحقيق العدالة الاجتماعية. يضيف أن تونس نجحت بعد الاستقلال في القضاء على القبلية بفضل الإرادة السياسية والوعي المجتمعي، وعليها اليوم أن تنجح في القضاء على التهميش وفرض سياسة حكومية مختلفة تعطي الأولوية للجهات الداخلية الأقل حظاً من دون تهميش المحافظات الساحلية. ويلفت إلى أن وباء كورونا سيغير سياسة البلاد وسلوك الناس، مشدداً على أن الدولة مسؤولة عن ضمان حق جميع التونسيين في الصحة والوقاية والحياة.
وصول فيروس كورونا الجديد إلى تونس أظهر حجم التفاوت بين محافظات الساحل والشمال بالمقارنة مع بقية المحافظات الداخلية الأقل حظاً، بسبب سنوات طويلة من التهميش والسياسات غير العادلة اجتماعياً، الأمر الذي كشف عجز جنوب تونس وغربها عن مجابهة هذا الوباء.
وأظهر وباء كورونا حجم معاناة عدد من الجهات الغربية الواقعة على الحدود مع الجزائر وتلك الجنوبية الواقعة على الحدود مع ليبيا، كونها لا تملك إمكانيات لوجستية ومستلزمات صحية ومنشآت لمجابهة انتشار الوباء. ويُعدّ الخلل في القطاع الصحي والتفاوت بين الجهات سبباً في الاحتقان الشعبي والغضب الذي رافق التونسيين لسنوات، وكان من بين محركات الثورة الشعبية التي طالبت بالحق في الصحة والعدالة الاجتماعية.
وأكد وزير الصحة عبد اللطيف المكي، على هامش زيارة إلى محافظة تطاوين جنوب البلاد مؤخراً، انطلاق خطوة جديدة سريعة لأخذ عينات لتحليل الفيروس في ولايتي تطاوين ومدنين خلال الأسبوع المقبل، لضمان صدور النتائج بسرعة والحد من انتشار الفيروس عن طريق العدوى. ويشير إلى أن الزيارة لا تدخل في إطار معاينة النواقص في الجهة، بل لتحديد الإصابات، وبالتالي الحد من انتشار الفيروس. وشدد على أن المنظومة الصحية ستتغير بعد انتهاء أزمة كورونا، قائلاً: "سنمحو الجهويات بالممحاة، وسيكون لكل تونسي الحق في العلاج بأفضل الوسائل''.
ويشهد توزيع المؤسسات الصحيّة في تونس خللاً في التوازن بين الجهات. ويفتقر غرب البلاد إلى أي مستشفى جامعي، في وقت تتوزّع المستشفيات الأحد عشر على خمس محافظات، هي تونس العاصمة وسوسة والمنستير والمهدية وصفاقس، وكلها تقع على الساحل شرقاً.
وتتركز المستشفيات الجامعية المصنّفة أولى في تصنيف المؤسسات الصحيّة الحكومية في خمس محافظات فقط على حساب 19 محافظة أخرى بسبب القرار السياسي الذي اعتمد التمييز لعقود، إذ ينتمي حكام تونس المتعاقبون منذ الاستقلال إلى الساحل، سواء محافظة سوسة والمنستير، موطن الرئيسين الراحلين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، والعاصمة مقر إقامتهما، إلى جانب وزراء ومسؤولين آخرين كانوا من أبناء المدينة.
وتضم تونس 18 منشأة من الصنف الثاني، هي عبارة عن معاهد صحية ومراكز ومستشفيات متخصصة، جلّها في محافظات تونس الكبرى الأربع، بينما يوجد في محافظة المنستير مركز لجراحة الأسنان. ويتجلى التفاوت بين الجهات من خلال الخدمات الصحية المقدمة للسكان. وفي ما يتعلق بعدد الأطباء العاملين في كل محافظة، تظهر التقارير تمركز 39 في المائة من أطباء القطاع العام في محافظات تونس الكبرى، و30 في المائة في الوسط الشرقي، و10 في المائة في الشمال الشرقي، و6 في المائة في الشمال الغربي، و6 في المائة في الوسط الغربي، و5 في المائة في الجنوب الشرقي، و4 في المائة في الجنوب الغربي.
أما الأطباء في القطاع الخاص، فيتوزعون بنسبة 41 في المائة في محافظات تونس الكبرى، و31 في المائة في الوسط الشرقي، فيما بلغت نسبة الأطباء في الشمال الشرقي 12 في المائة، و4 في المائة في الشمال الغربي، و5 في المائة في الوسط الغربي، و5 في المائة في الجنوب الشرقي، و2 في المائة في الجنوب الغربي.
ويعدّ التمييز بين الجهات لناحية التجهيزات وضعف الإمكانيات اللوجستية واهتراء البنى التحتية للمستشفيات والمراكز الصحية في الجهات الداخلية، سبباً في عزوف أطباء الصحة العامة وأطباء الاختصاص عن العمل في الجهات الأقل حظاً لناحية الإمكانيات.
يقول رئيس لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية في البرلمان التونسي خالد الكريشي لـ"العربي الجديد" إن أزمة الصحة في تونس تعود إلى تراكمات عقود من تكريس سياسة التمييز في المجال الصحي، كما في قطاعات أخرى ميزت محافظات على حساب أخرى. ويوضح أنها ليست المرة الأولى التي تقف فيها الدولة عاجزة أمام ما تم تكريسه من سياسات خاطئة، مشيراً إلى أنه قبل جائحة كورونا، عانت تونس من جراء ضعف القطاع الصحي في المحافظات الداخلية خلال حادثة عمدون التي أودت بحياة عشرات الشبان، إضافة إلى حادثة وفاة الرضع وعشرات الحوامل في المحافظات الداخلية، لافتقارها إلى تخصص التوليد، وحوادث انقلاب شاحنات العاملات المزارعات وغيرها من الأزمات. يضيف أن العدالة الاجتماعية وتكريس التمييز الإيجابي هو الحل من خلال تمكين المحافظات وسكانها من حقها في الصحة، كما يفرض الدستور في البند 37 الذي ينص على أن الصحّة حق لكلّ إنسان، وعلى الدولة أن تضمن الرعاية والوقاية الصحيّة لكل مواطن، وأن توفر الإمكانيات الضرورية لضمان السلامة وجودة الخدمات الصحية.
ويبرز التفاوت في القطاع الصحي من خلال عدد الأسرّة المتوفرة في المستشفيات وغيرها. وأظهر التقرير السنوي الأخير الذي أنجزه المعهد الوطني للإحصاء، أن عدد الأسرّة الأكبر موجود في إقليم تونس الكبرى، ويبلغ وحده 6059 سريراً، أي 28 في المائة من عددها الإجمالي، وكذلك بالنسبة للمحافظات الساحلية وصفاقس التي تضم 5249 سريراً، أي 25 في المائة من العدد الإجمالي، في حين لا يتجاوز هذا العدد 1855 سريراً في إقليم الوسط الغربي، و1732 سريراً في محافظات الجنوب الشرقي، و1433 سريراً في الجنوب الغربي، و2351 في إقليم الشمال الغربي، و2464 في محافظات الشمال الشرقي.
ويقول المحلل السياسي حسن موري لـ"العربي الجديد" إن قضية التفاوت الجهوي من بين القضايا التي قامت بسببها الثورة. لكن الحكومات لم تنجح في القضاء على التمييز بين الجهات وتحقيق العدالة الاجتماعية. يضيف أن تونس نجحت بعد الاستقلال في القضاء على القبلية بفضل الإرادة السياسية والوعي المجتمعي، وعليها اليوم أن تنجح في القضاء على التهميش وفرض سياسة حكومية مختلفة تعطي الأولوية للجهات الداخلية الأقل حظاً من دون تهميش المحافظات الساحلية. ويلفت إلى أن وباء كورونا سيغير سياسة البلاد وسلوك الناس، مشدداً على أن الدولة مسؤولة عن ضمان حق جميع التونسيين في الصحة والوقاية والحياة.