كان محمد عباس في الرابعة من عمره، عندما خرج مع أهله مهجّراً من بلدة المالحة بقضاء صفد، في فلسطين، إلى لبنان. كان واحداً من ثلاثة وعشرين شقيقاً وشقيقة، إذ إنّ أباه تزوج سبع مرات، لكن لم يبق من أشقائه غير واحد فقط، لديه إعاقة حركية ويعيش مثله في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، في صيدا، جنوبي لبنان. يقول عباس لـ"العربي الجديد": "بعد رحلة لجوء في عدة مناطق بجنوب لبنان، وصلنا إلى عين الحلوة. لكنّ الظروف لم تسمح لوالدي بالعمل، لذلك تولت أمي هذه المهمة. وهناك دخلت إلى المدرسة وتعلمت حتى وصلت إلى المرحلة المتوسطة".
بعد مرور عقود على تلك الطفولة، يعيش عباس الآن مع عائلته في المخيم، ولديه خمس بنات، تزوجت اثنتان منهن، فيما ثلاث ما زلن في المنزل ولا يعملن، إذ لم يكملن تعليمهن بسبب الظروف المعيشية كما يقول لـ"العربي الجديد". أما هو فقد كان يعمل في إحدى الشركات لكنّه طرد منها "طرداً تعسفياً" وذلك بسبب اضطراره إلى إجراء عملية جراحية تغيّب على إثرها عشرين يوماً عن العمل مع حيازته على تقرير من الطبيب يثبت أنّ من حقه التغيب لشهر كامل. وعندما عاد إلى العمل، قالوا له: "لا يمكننا توظيفك، فأنت فلسطيني، وليس لديك ضمان اجتماعي" كما ينقل.
عندما أوقف عباس عن العمل، كانت إحدى بناته تعمل وتنفق على الأسرة، من راتبها الضئيل في إحدى المؤسسات وهو 400 ألف ليرة لبنانية (266 دولاراً أميركياً) لكنّها أوقفت عن العمل بدورها قبل أشهر، وباتت الأسرة من دون أيّ دخل: "هناك بعض الناس يقدمون لنا المعونة في الإنفاق، كنا نعتمد على ابنتي فبتنا اليوم على باب الله". يقول: "إن أتيحت للفلسطينيين الهجرة وترك لبنان، فأنا أول من سيوافق، لأنّ العرب جميعاً باعوا فلسطين قبل أن نخرج منها، واليوم صار البيع علنياً مع ما يجري في صفقة القرن".
لم يعد لدى غالبية الفلسطينيين الذين يعانون من الاضطهاد، والظلم، والفقر في لبنان أيّ أمل بالعودة إلى فلسطين، أو تحقيق أيّ مطلب من مطالبهم، بإعطائهم الحقوق المدنية التي تجعلهم يعيشون بكرامة، فصار معظمهم يفكر باللجوء إلى أيّ دولة أجنبية تكفل له حياة كريمة، وشيخوخة لائقة. محمد عباس أحد هؤلاء الذين داهمهم كبر السن وما زالوا لاجئين بعيدين عن أملاكهم وأرزاقهم التي اغتصبها المحتلّ. اليوم هو بلا عمل ودخل أو حتى تعويض نهاية خدمة عن كلّ السنوات التي عمل فيها، وحتى ابنته التي كانت تتقاضى فتات راتب لا أكثر، باتت بلا عمل، ما جعل آلام الأسرة مضاعفة، في انتظار من يتصدق عليها لا غير.